كما لم تكن موقعة الجمل من آثار العصر الجاهلي فإن موقعة الحواوشي التي نحن بصددها الآن لا تمت بصلة للعصر المملوكي, فالموقعتان حدثتا في السنة الحادية عشرة من الألفية الثالثة من الميلاد علي أرض الكنانة مصر. الأولي في ميدان التحرير بعد هجوم الجمال من ميدان عبد المنعم رياض والثانية علي بعد أمتار من ميدان التحرير حيث شارع مجلس الوزراء بعد هجوم قادته سيده تحمل المؤن للمعتصمين المرابطين في الشارع لمنع الدكتور كمال الجنزوري من عبوره ودخول مكتبه. موقعة الحواوشي التي تأتي بعد عشرة أشهر من موقعة الجمل والتي حاول البعض أن يطلق عليها موقعة الجمل الثانية, هي في الحقيقة تعبير صاف وكاف للحالة المصرية عموما وخاصة في تلك الآونة. أولا: لأن رغيف الحواوشي يحتوي علي مكونات لا يمكن معرفة كمياتها وأحيانا أنواعها ولكنه يعبر عن خلطة يجتهد في إعدادها كل محل بينما يقبل المصريون علي تناولها دون معرفة ما بها, المهم أن بها طعما يستسيغه هؤلاء دونما إبداء رأي أو اعتراض وهو نفس الحال تقريبا في السياسة, حيث كان المصريون يتقبلون القرارات دونما إبداء رأي أو اعتراض أو مناقشة علي الأقل علي اعتبار أنهم من سيقع عليهم دفع تكلفة تلك القرارات. وبعد قيام الثورة بدا من المنطقي أن المصريين قد تخلصوا من ذلك, ولكن الصدمة ليس أن ذلك لم يحدث فقط بل إنه لم يحدث بين الفئة التي تحمل مشاعل الثورة وما زالت تجاهد من أجل استمرار الثورة. فالمعتصمون أمام مجلس الوزراء لم يكتفوا فقط بأكل الحواوشي الذي لا يعلمون ما فيه, بل أكلوه جميعا من مصدر غير معروف ولا يمكن الرجوع إليه لمحاسبته, فقط لمجرد أنهم بحاجة إلي التبرعات. أي أنهم حولوا أنفسهم إلي متسولين أمام مجلس الوزراء يقبلون كل ما يلقي إليهم دونما مناقشة. بتعبير آخر فقد تحلي الثوار بأقصي درجات السلبية في التعامل مع يلقي إليهم من طعام وتبرعات أخري من مشروبات وبطاطين مثلا. ثانيا: فإن الثوار أمام مجلس الشعب وهو الذين يتحكمون الآن في تلك المنطقة فشلوا في تحمل مسئولية أنفسهم, وفور وقوع الحادث بدأوا علي الفور في البحث عن طرف لتحميله تلك المسئولية, وحيث إن المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومعه الحكومة لم يستجيبوا لهم فقد رأي الثوار أن الفرصة حانت للانقضاض عليهم وتحميلهم مسئولية تلك الواقعة. هذا في الوقت الذي لا يوجد الجيش في منطقة الاعتصام ولا الحكومة بالطبع, بل إن وجود الجيش والحكومة ممثلة في الشرطة كان مرفوضا من الأساس. إذ لم يكن أحد يتصور أن يقبل الثوار أن يصدر المجلس الأعلي للقوات المسلحة قرارا بمنع تقديم الطعام والتبرعات للسادة الثوار أمام المجلس وإلا انتفض الكثيرون يدافعون عن حق هؤلاء في الحياة ومشاركة الآخرين لهم في اعتصامهم. ثالثا: لأن موقعة الحواوشي وما تلاها من أحداث بغض النظر عمن وراءها قد جاءت أو تم استغلالها لصرف الأنظار والانتباه عن التقدم الذي يحرزه الشعب ومعه قواته المسلحة والتقدم الملحوظ في أداء الشرطة, إذ يبدو واضحا أن ثمة رغبة من قبل البعض ألا يكون مشهد الانتخابات ومشهد التقدم في أداء الجيش والشرطة هو المشهد الأساسي فيما يحدث في مصر, علي اعتبار أن ذلك المشهد طبقا لرؤية هؤلاء مشهد مزعج وليس جيدا أو معبرا عما يريدونه لهذا الوطن, بالضبط كما يضع صانع الحواوشي الكثير من المتبلات والمشهيات لصرف النظر عن طعم اللحم الموجود في الحواوشي. فآكل الحواوشي تصرفه البهارات وقوة الشطة عن معرفة طعم اللحم أو حتي التفكير في نوع ذلك اللحم. وأخيرا فلعله لن يكون من المبالغة القول إن ما يمارسه البعض الآن سواء في الميادين أو في القنوات الفضائية هو عبارة عن محاولة لصنع رغيف حواوشي كبير يقدم للشعب, في وقت تختلط فيه الأفكار بنفس الطريقة التي تختلط بها مكونات الحواوشي بالضبط. وإذا كانت موقعة الجمل قد أصبحت ومعها موقعة الحواوشي جزءا من التاريخ فعلينا جميعا أن ننتظر أو بالأحري نستعد لأنواع أخري من المواقع ربما تكون في المرحلة المقبلة موقعة للحمير أو موقعة للكشري. وإذا كان من نصيحة للمجلس الأعلي للقوات المسلحة فهي أن يستخدم كل صلاحياته للتشديد علي هيئة الأرصاد الجوية وهيئة رصد الزلازل في مصر والعالم أن يتحروا الدقة البالغة فيما ينشر عن الأوضاع في مصر, قبل أن نفاجأ بالإعلان عن تواطؤ للمجلس مع أي منهما لإخفاء معلومة من قبيل هطول مطر غزير أو وقوع هزة أرضية تعرقل مسيرة الثوار في شارع مجلس الوزراء ووقتها لن يجد الثوار مشكلة في تحميل المجلس الأعلي للقوات المسلحة المسئولية عما سيصيب الثوار من هلع وأنفلونزا, فعلي المجلس من الآن الاستعداد لموقعة المطر أو الزلازل بتصميم خيمة كبيرة لحماية المعتصمين في الشارع من المطر أو من الحرارة في الصيف المقبل وتصميم ملاجئ آمنة في المنطقة للتعامل مع تداعيات الزلازل في حال حدوثها. ولله الأمر من قبل ومن بعد!.