اصعب شيء عندي هو كتابه الرسائل.. وخاصة عندما تكون رسالة من نوع خاص رسالة بدون عنوان ولاهوية. شيء محير حقا كتابة الرسائل.. ترددت كثيرا قبل الشروع في الكتابة.. فكيف أبدأ رسالتي وانا في حالتي هذه من الارتجاف والاشتياق اليك.. كيف الملم كلماتي وكيف اجمع ارتجافاتي الآن..؟ وكيف أبدأ اهدائي اليك.. بحثت في قاموس عشقي عن كلمة أبدأ بها لم أجد سوي عتابي إليك.. فمنذ رحليك نسيت مفردات الكلمات وبرحيلك سلبت من عمري بريق كلماتي وشفرات لغتي.. وبت أحلم بدائرتك القمرية المنتظرة. فقد مرت سبع دوائر قمرية طوال.. ولم تعد.. والليالي تمد اذرعها لتقلب احشائي ولا أكف عن السؤال عنك ولاتكف انت عن الرحيل. وما من مجيب علي رسائلي. برحيلك كرهت الليل, يؤرقني.. يأتي ليذكرني بالماضي وآيامي الجميلة معك.. لم تعطنا الدوائر القمرية فرصة لكي نسأل انفسنا تري أكانت تتناقص من عشقنا ام لعشقنا لليل. في دوائرك القمرية لم يكن هناك يوم اجمل فكل الآيام كانت أجمل.. لكنها كانت أقصر مما يتصوره خيال أو عقل.. كان مرورها أكبر من أن نستوعبها إلا لحظة الرحيل.. لحظة ما طلبت منك ان تمنحني فرصة لأجهز لك كلمات الوداع.. التي لم استطع اعدادها في زمني الذي سلبته مني.. كما توسلت إليك.. ألا تتركني هكذا.. ألا تدعني اطارد طيفك في اروقة المكان وخارطة الزمان. قلت لي: يجب ان اسافر.. لقد طلبوني عبر الهاتف.. وزعمت لي ان اقتصاديات العالم تتوقف علي حضوره هذا المؤتمر ورحيلك عني وانا بضعف انوثتي صدقتك.. وكان لوقع كلماتك شيء من الالم في صدري.. الم بوسع ظلام الليل الذي كان يملؤنا ضنينا حنينا وحنانا.. قلت لي لحظتها.. لابد الان من الرحيل.. كل شيء لك لك كل شيء.. وانا في حال من الذهول والجنون.. متشبثه باطراف عنادك. وكلما شعرت بقرب ابتعادك عني يتصدع قلبي لمجرد احساسي بقرب رحيلك عني.. تشبثت بك.. دفنت رأسي في صدرك كما تدفن النعامة رأسها في الرمال.. حبست بكائي وانا اسمع دقات قلبك تمنيت ان انسل إلي اعماق دقاتك فلاتنزعني عنها اي قوة.. وكأننا كنا ننتظر تلك اللحظة.. واننا كنا في يقين بانها عاجلا ام اجلا سوف تأتي.. وبرغم انني أكره الاشياء المؤقتة طوال عمري.. مع ذلك فحياتي معك كانت مغلفة في إطار المؤقت.. الصور تتتابع في مخيلتي.. تتراءي امامي كشريط سينمائي.. ومازال وجهي بين كفيك. الم تضع في حسبانك انني مثل الطائر الجريح.. وان روحي حائرة وليس لي وطن سوي دائرتك القمرية.. كم تساءلت كيف لهذه التوسلات.. ولحظات البكاء لاتحرك لك ساكنا.. كيف لها لاتكون شفيعا لي عندك؟ تخلصت من قبضتي.. تنحيني جانبا.. وأنت تمنيني بالوصل القريب وهرولت خلف مشاريعك وابراجك وابنيتك.. لتهوي امامك ابنيتي.. وتندثر ابراجي.. في بوتقة عنادك واصرارك.. وها انت بعيد الآن مثل لحظة اللقاء المستحيلة.. وآلاف من الاميال تفصل بيني وبينك.. والدوائر القمرية تحفني بلاليل ولاصباح.. وانا راكضة في دائرة الانتظار المتبدد. اين تنتهي؟ اين تقيم..؟ اين تمتد افلاكك..؟ لست ادري بحثت عنك كثيرا.. ومازلت ابحث عنك وعن وجهك.. وكلي يقين ان هذا الحب في غير زماني وغير مكاني.. واعرف ان رسائلي ذاهبة للسراب. بحثت عنك.. وعن وجهك الاسمر.. وعن نظرتك التي اذابتني في بضع ثوان.. وعن عطرك الذي مازال عالقا في محيط انفاسي. لقد اخذك طائر الزمان من دوني.. وابقاني في مكاني.. ليس لي سوي الذكريات تعصف بي.. والتي تجعلني افكر فيك كثيرا. ليس لي سوي كتابة الرسائل.. التي ما اكاد انتهي من كتابتها حتي اكتشف انها رسائل بلاكلمات.. وبلاعنوان..ويكون مصيرها التمزيق. ليت رسالتي هذه تصلك أو يصلك بعض احرف كلماتها.. فلقد سئمت الانتظار.. ليتك تجيبني. إمضاء حبيبتك اغلقت الرسالة.. امسكت الظرف.. ورحت ابحث في اوراقي القديمة عن عنوانك.. ولكن بلا فائدة.. فلقد نسيت يامن ابحث عنه اني لا اعرف لك عنوانا.. فأسلمت للريح من يومها رسالتي.. وهي تحمل اليك عتابي. ربما تعثر عليك في يوم من الايام.. في دائرة من دوائرك القمرية إلهام عطية فخري الجيزة دهشور