خلال أسبوع.. رئيس شعبة الذهب: ارتفاع المعدن النفيس في مصر 250 جنيهًا بواقع 5.3%    "النواب" عن تعديل قانون ملكية الدولة في الشركات: خطوة لتعزيز الاستثمار    الرئيس التنفيذى لمؤسسة التمويل الدولية يؤكد استمرار البرامج المشتركة لدعم تنافسية الاقتصاد المصرى    حنفى جبالي: العدوان الإسرائيلي على إيران تصعيد خطير يُجهض جهود للتوصل لتسوية سلمية للملف النووي    في نفس اليوم.. الشناوي يرسخ عقدته لسواريز بكأس العالم مع الأهلي والمنتخب    القاهرة تصل 36 درجة.. تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة والظواهر الجوية    وكيل الأزهر يشكل لجنة عاجلة لفحص شكاوى طلاب العلمي من امتحان الفيزياء    محمد فضل شاكر يشارك شيرين عبد الوهاب حفل ختام مهرجان موازين    وزير الأوقاف: الإمام الليث بن سعد قامة علمية ووطنية ملهمة    هذه القافلة خنجر فى قلب القضية الفلسطينية    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    رئيس قبرص: إيران طلبت منا نقل رسالة إلى نتنياهو بإنهاء الحرب    كاف يهنئ محمد صلاح: عيد ميلاد سعيد للملك المصري    وزير التموين يتابع مخزون السلع الأساسية ويوجه بضمان التوريد والانضباط في التوزيع    تنفيذ 25 قرار إزالة لتعديات على أراض بمنشأة القناطر وكرداسة    سعادة بين طلاب الثانوية العامة في أول أيام مارثون الامتحانات بالقليوبية    تجديد تعيين مديري عموم بجامعة بنها    محافظ بورسعيد يتفقد غرفة عمليات الثانوية العامة لمتابعة انتظام الامتحانات في يومها الأول    وزيرة التنمية المحلية تتفقد أعمال تنفيذ المرحلة الأولى من تطوير سوق العتبة بتكلفة 38 مليون جنيه    قرار قضائي عاجل بشأن عزل وزير التربية والتعليم في أول أيام امتحانات الثانوية العامة    حزب العدل والمساواة يعقد اجتماعًا لاستطلاع الآراء بشأن الترشح الفردي لمجلس الشيوخ    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    وصول جثمان نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي لمسجد عمر مكرم    عضو حزب المحافظين البريطاني: إسرائيل تقترب من تحقيق أهدافها    100 ألف جنيه مكافأة.. إطلاق موعد جوائز "للمبدعين الشباب" بمكتبة الإسكندرية    نظام غذائي متكامل لطلبة الثانوية العامة لتحسين التركيز.. فطار وغدا وعشاء    الداخلية تضبط 6 ملايين جنيه من تجار العملة    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    رئيس مجلس النواب يحيل قرارات جمهورية ومشروعات قوانين للجان النوعية    فوز طلاب فنون جميلة حلوان بالمركز الأول في مسابقة دولية مع جامعة ممفيس الأمريكية    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعي بكلياتها أكتوبر المقبل    رئيس النواب يفتتح الجلسة العامة لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    المؤتمر السنوي لمعهد البحوث الطبية يناقش الحد من تزايد الولادة القيصرية    لأول مرة عالميًا.. استخدام تقنية جديدة للكشف عن فقر الدم المنجلي بطب القاهرة    «الزناتي» يفتتح أول دورة تدريبية في الأمن السيبراني للمعلمين    وائل كفوري يشعل أجواء الصيف بحفل غنائي في عمّان 15 أغسطس    ضبط 59.8 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    أسعار الخضراوات اليوم الأحد 15-6-2025 بمحافظة مطروح    الأنبا إيلاريون أسقفا لإيبارشية البحيرة وتوابعها    «فين بن شرقي؟».. شوبير يثير الجدل بشأن غياب نجم الأهلي أمام إنتر ميامي    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    فيلم سيكو سيكو يحقق أكثر من ربع مليون جنيه إيرادات ليلة أمس    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    مقتل ثلاثة على الأقل في هجمات إيرانية على إسرائيل    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    لافتة أبو تريكة تظهر في مدرجات ملعب مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في عزبة جرجس‏:‏
الناخب‏..‏ ماشافش حاجة‏!!‏
نشر في الأهرام المسائي يوم 29 - 11 - 2011

دخل الربيع يضحك لقاني حزين نده الربيع علي اسمي لم قلت مين حط الربيع أزهاره حنبي وراح وإيش تعمل الأزهار للميتين وعجبي‏!!‏
وكأنه يعيش معنا في تلك اللحظات الفارقة والحاسمة والشائكة والخطيرة الني يمر بهذا تراب هذا الوطن‏..‏ وهو الذي مات محسورا مكلوما مجروحا مكسورا من فرط عشقه الذي انتكس مع نكسة هذا الشعب في‏.1967‏
عمنا الراحل العبقري صلاح جاهين الغائب الحاضر في ربيعنا الثوري الذي طالما عاش حالما في انتظاره‏..!!‏ لا أجد أصدق من رباعية لابدأ بها السطور التي ربما تحمل نسمات ربيع تكوي الوشوش أو عواصف تهز القلوب أو رياحا عاتية وأمواجا هائجة لاتحمل سوي صرخات واستغاثات من العالم الآخر‏...‏
من دولة شبرا وتحديدا عزبة جرجس‏.‏
مشهد‏1‏
عرس ديمقراطي شفافية ونزاهة تنظيم وترتيب‏,‏ اعداد غفيرة وطوابيرطويلة‏..‏ النساء أعدادهن تفوق الحصر وضع بين قوسين المختمرات والمنقبات وتستطيع ان تميز المسيحيات أيضا اللاتي احتللن أماكنهن بشكل دقيق ومنظم‏..‏
المشهد يفرض عليك حالة من حالات السعادة والابتهاج والتفاؤل‏..‏ فهو بكل المقاييس جديد علي الشعب المصري الذي كان دائما ما يعزف عن النزول الي صناديق الاقتراع‏..‏ ها هي سيارتنا تنطلق مندفعة في زحام شارع رمسيس مخترقة القللي عابرة لنفق شبرا حيث لقاؤنا المنتظر مع المفتاح الذي سيتفح لنا منطقة شبرا علي مصراعيها‏..‏
عم محيي كسبر الذي كان حريصا عندما قابلنا علي بث روح الهدوء والاطمئنان في قلوبنا قائلا‏:‏ ماتخافيش ياأستاذة انت في حمايتي وحماية أهل شبرا الجدعان
بجانب أحد الطوابير الطويلة المنتظرة دورها للتصويت في العملية الانتخابية وقفت واعترف القيت اذناي عند هؤلاء الواقفين لأرصد بعض الأحاديث الجانبية بين السيدات‏..‏
‏{‏ انت هترشحي مين‏..‏ هكذا كانت تسأل الواقفة أمامها؟
‏{‏ اللي شايفاه الأصلح‏.‏
‏*‏ طيب ممكن تقولي لي أعمل إيه يعني أكتب إيه ولا أعلم علي مين‏..‏
‏{‏ ياستي ماتحمليش هم اللي قاعدين جوه هيقولوا لينا نعمل إيه بالضبط‏.‏
‏*‏ بس علي الله بعدما نديهم أصواتنا يخدمونا بجد مش لما نروح لهم يقولوا انهم مش موجودين‏.‏
‏*‏ لأ‏..‏ ياستي أمال الثورة قامت ليه‏..‏؟‏!‏
مشهد‏2‏
لم يشغلني كثيرا الواقفون في طوابير الاقتراع الطويلة فهم قد أخذوا قرارهم بالنزول وخوض التجربة‏..‏ وليس من حقي ان أسالهم هذا السؤال السخيف لمن تعطي صوتك؟‏!‏ لذا طلبت من مرافقي محيي كسبر ان ندخل إلي الأعمق والأخطر والأهم‏..‏ إلي حواري شبرا وأزقتها الضيقة‏..‏ إلي البسطاء والمطحونين والغلابة وهم كثيرون بل أكثر من الهم علي القلب‏!!‏
تلك هي الأغلبية الساحقة التي كانت بمثابة الهدف المنشود بالنسبة الي ولعل السؤال الأهم الذي كان يتصدر أولوياتي هو أين الفقراء أصحاب الهموم وساكني المناطق والأحياء الشعبية والعشوائية ما بين التحرير والمجلس العسكري والعباسية والائتلاف والاخوان والأحزاب؟‏!‏
أسئلة وعلامات استفهام كثيرة حسمت إجاباتها ما أن بدأت اقدامنا بالدخول إلي عزبة جرجس وما أدراك ما عزبة جرجس
مشهد‏3‏
ياللي انت بيتك قش مفروش بريش
تقوي عليه الريح يصبح مفيش
عجبي عليك حواليك مخالب كبار
ولسه يامخلوق قادر تعيش
وعجبي‏!!‏
اذن مازال صلاح جاهين يسيطر علي في هذه الرحلة برباعياته لا أعرف لماذا تذكرت علي الفور تلك الأبيات التي وجدتني أقولها ويبدو ان صوتي قد أصبح مسموعا فما كان من مرافقي عم محيي إلا ان يقول عندك حق والله يا أستاذة بيوت من قش هي دي بلدنا الحقيقية مش يقولوا لنا مصر الجديدة ومدينة نصر والمهندسين ده هو شعبنا صدقيني انه العالم الآخر الذي لم يراه الثورجية ولا الأحزاب كلها ولا حتي الحكام اللي حكمونا‏.‏
استوقفتني الكلمة التي قالها محيي العالم الآخر واعترف بأنني قد شعرت بالفعل انني ربما ذهبت الي كوكب آخر بالتأكيد ليس صالحا للبني آدمين ولا حتي الحيوانات‏!!‏
مشهد‏4‏
للوهلة الأولي تظن ان قدميك تغوص في وحل الأمطار التي اغرقت شوارع القاهرة جميعا ولكن مع الرائحة النفاذة التي لاتملك معها سوي ان تسد كل حواسك تتأكد ان قدميك تغوص في المجاري اللي طافحة من البيوت وطالعة تطرح في حواري عزبة جرجس عم أبو خيري الذي يملك دكانا فقيرا حتي في بضاعته فقط يلصق صور العذراء الله يا عذراء والمسيح مصلوبا اقتربت منه هامسة هتروح الانتخابات اجابني رحت واديت صوتي للي شايفه الأصلح عاوزين البلد يتعدل حالها بقي لي‏15‏ سنة في العزبة انتخبت‏4‏ مرات وكل مرة اندم علشان ما بيعملوش حاجة المرة دي قالوا الثورة قامت والبرلمان هيبقي مختلف اديني بجرب هخسر ايه بس اقولك علي حاجة الناس اللي نازلة كتير اوي وكتل وائتلافات وقوايم الرب يقوي الأصلح‏!‏
مش مهم مسلم ولامسيحي أصل أنا كلنا في شبرا خاصة في العزبة ايد واحدة كلنا إخوات في الوطن ده‏.‏
خضرة السيد حسن سيدة بسيطة ترتدي الحجاب وقفت تراقب الحديث من بعيد وما ان سمعت كلمة مسلم ومسيحي حتي اقتربت مهللة وعهد الله انا أخويا اسمه جورج مش مصدقاني طيب وعهد الله ثاني انا راضعة من ام جورج يعني أنا وهو اخوات في الرضاعة وبنا احنا بنصوم معاهم صيام العذراء وهم بيصوموا حمعانا رمضان اوعي حد يفتكر انه ممكن يوقعوا بيننا ولاتقولي احداث ماسبيرو ولاكنيسة القديسين الحاجات دي ناس بتعملها علشان تخلينا اعداء لكن ابدا مش هيحصل‏!‏
هيا ست خضرة هتنزلي الانتخابات؟
‏**‏ أجابتني العدد في الليمون أهو هنعمل اللي علينا وربنا يولي الاصلح بس بصراحة ما قدرتش انزل امبارح لأن الدنيا زحمة قوي‏.‏
استكملت الرحلة في حوارري العزبة التي تضييق اكثر ما أن تدخل وتتعمق فيها مقهي صغير يرتاده مجموعة من الشباب المتفاوت اعماره لم اخجل ابدا ان اشد كرسي واحتسي معهم اكواب الشاي ويا محلاته مع الشباب الجدعان أولاد البلد وتحديدا أولاد شبرا‏.‏
‏*‏ الناس كلها هتتراضي حزب العدالة والحرية والكتلة والاصالة وغيره وغيره ما حدش هيطلع زعلان ابدا وده بقي الاختلاف وان شاء الله مش هيكونا فيه تزوير هكذا بدأ احمد حديثه قائلا‏:‏ بقولك ايه يا ابلة البرادعي مش هاييجي ولو علي جثتنا إحنا مش هنبقي عراق ثانية والراجل الجنزوري ده جاي فترة انتقالية وكفاية انه كان مغضوب عليه من مبارك واعوانه عاوزين نحس ان فيه برلمان نظيف وناس عاوزة مصلحة الشعب بجد وبلاش والنبي كل البلد لما تبقي مستقره نحط كل حاجة علي ثوار التحرير اللي قالوا عليهم انهم بيأخذوا فلوس وبلطجية ووهم مش عاوزين غير الصالح‏!‏
عم سيد هذا هو اسم الشهرة رجل تجاوز ال‏65‏ من العمر عندما تنظر الي وجهه تشم رائحة الفقر والحرمان والجوع وقف وسط المقهي الصغير مهللا يا ناس فوقوا انتخابات ايه وبرلمان ايه اللي انتوا بتتكلموا عليه يا ناس انبوبة البوتاجاز وصلت‏40‏ جنيها حد يصدق كيلو اللحم ب‏80‏ جنيها إحنا مش بني آدمين ولا إيه ما حدش بيبص لنا ليه لابتوع الثورة وحصلوا لنا ولا بتوع الجيش وصلوا لنا احنا عايشين في المجاري وبنشرب مياه طالعة من الارض بيقولوا لنا عليها جوفية انا باخذ‏85‏ جنيه في الشهر اعانة وبدفع نور وايجار ومياه لأ وكمان مطلوب اعيش لأ وكمان يبقي لي رأي واروح ادي صوتي في الانتخابات يا ابلة العيش اللي بناكله فيه صراصير والله يا شيخه نفسي قبل اما اموت اسكن في أودة مش حقولك شقة بس بشرط يكون ليها بلكونة نفسي اشم رائحة هواء نظيف مش تقوليلي برلمان وانتخابات ولا ثورة ولا عسكر‏!‏ منه‏..‏ له‏.‏
مشهد‏(5)‏
كانوا يفترشون أحد المقاهي الشعبية علي مدخل حارة عبدالدايم يلعبون بأوراق الكوتشينة‏..‏ يلقون الورقة تلو الأخري وعلي وجوههم وجوم وسكون وربما يأس ومرار هكذا شعرت بهم وجدتني أقطع حالة اللعب عليهم وأفتح معهم المناقشة حول مشاركتهم في الانتخابات‏..‏ والحق كأنني لم أسأل هذا السؤال بل جاءت إجاباتهم شقيانة تعبانة يأسانة ولكنها بالفعل ليست بعيدة عما يجري خارج عزبة جرجس أو حارة عبدالدايم بل هي شديدة الصلة بصندوق الاقتراع‏..‏ وآدي الجمل وآدي الجمال‏..‏
إحنا اكبر دولة علي مستوي العالم فيها فلوس لكن منهوبة قناة السويس والسياحة والنقل العام وغيره وغيره الفلوس دي بتروح فين‏..‏ كله متباع في البلد‏,‏ إحنا نفسنا متباعين ولا أقولك مالناش ثمن‏..!!‏
أنا واحد عندي‏8‏ عيال بدفع مصاريف مدارس وكليات وهدوم وأكل وأنا راجل بياع يعني أرزقي‏.‏
صوت آخر يقاطعه‏..‏ جركن زيت التعاون ب‏280‏ جنيها انبوبة الغاز وصلت النهاردة‏40‏ جنيها‏,‏ احنا ما بنعرفش نسرق أهو بنسلي نفسنا بالكوتشينة‏,‏ الأفران عندنا بتسرق الدقيق يبقي عندهم‏50‏ شيكارة يعملوا شيكارة واحدة والباقي يبيعوه في السوق السوداء علي دماغهم‏,‏ في ليبيا إللي موتوا ريسهم كانوا في عهده بيدفعوا للعيل اللي يتولد‏500‏ دينار غير اللبن والهدوم‏..‏ لكن احنا هنا الحكومة بتدينا علي دماغنا وقفانا واحنا ساكتين‏.‏
رجل آخر يقطع الحديث متسائلا‏..‏ احنا عاوزين نسأل من ساعة ما الثورة قامت إيه اللي اتغير ما أنتم لسه بتصدروا الغاز لإسرائيل واحنا تبيعوا لنا الانبوبة ب‏40‏ جنيها‏..‏ الله الدنيا إتنيلت أكثر بعد الثورة ليه احنا كان حاكمنا عصابة‏,‏ سرقونا وسرقوا قوتنا ورزق عيالنا الشباب لسه قاعد علي القهوة مش لاقي شغل وإحنا واقف حالنا وبعدين يقولك انتخابات ليه وعلشان مين وندي أصواتنا لمين‏..‏ مصر يا أبلة عاوزة راجل مش حرامي ولا بلطجي‏..‏ البلد دي عاوزة حد يحب شعبها وترابها‏..‏
عم محمد بياع الفراخ خربوا بيتي الله يخرب بيتهم وقعدوا يعملوا علينا فيلم انفلونزا الطيور‏,‏ أنا بعت عفش بيتي لأ وكمان ناشرين صورتي في الكتب المدرسية علي أنني بياع فراخ وما حدش يتعامل معايا‏..‏ وأهو طلع في الآخر كله فيلم علشان يغطوا علي بلاويهم وجرايمهم ويعملوا اللي هم عاوزينه في البلد إحنا بقي سواقين هكذا تحدث الرجل الذي لم أهتم باسمه فقط حديثه اللي يوجع القلب اللي بنجيبه يدوبك ناكل بيه والعادلي الله يضييق عليه سجنه قرر فرض ضريبة‏570‏ جنيه وغرامات توصل ل‏2000‏ جنيه وتأمين اجباري رفعه من‏68‏ إلي‏228‏ جنيه ومفيش حاجة اتغيرت القوانين الظالمة هي هي حتي بعد الثورة‏..‏ قوليلي يا أبلة صحيح هو فيه ثورة قامت‏..‏ أصلنا ماشفناش غير مبارك ممدد لنا علي السرير وراء القفص وعلاء وجمال بيداروا عليه خايفين لحسن الكاميرات تشوفه‏..‏ طيب قولي لي الناس دي محاكماتها بقت سرية ليه‏..‏ والمشير شهد وقال إيه‏..‏؟‏!‏ هو احنا مش من حقنا اللي ذقنا المرار وانظلمنا في عهده نشوف الراجل ده بيتحاكم‏..‏ وفين مجانية التعليم‏.‏
رجل آخر يعلو صوته من ورائي قائلا‏:‏ كيلو الارز ب‏5‏ جنيه‏,‏ واللحمة ب‏100‏ جنيه مش مهم يا أبلة احنا نسينا طعمها احنا ما بناكلهاش غير في الأضحي لما الناس الأغنياء بيفرقوها علينا‏,‏ الحريم بتوعنا بتنقي القوطة المفعصة علشان مش عارفين نجيب السليمة لأن الكيلو وصل‏5‏ جنيها‏.‏
عم عبده العجوز يأمر كل من يتكلم بالسكوت ليقول لي‏..‏ بصي يا بنتي خذيها من الراجل العجوز اللي قد جدك‏..‏ احنا محكومين من داخل المستشفي مطرح ما هو فيها والأوامر بيدوها من سجن طرة‏..‏ اللي بيتحكم في مصير مصر‏..‏ احنا في الثورة قطعنا فرع من شجرة ده راجل بيمص دم الشعب وهو نايم‏..‏
وبعد كل المرارة دي لسه فينا حيل تقولي لنا انتخابات وبرلمان وأصوات‏..‏ الضرب في الميت حرام يا أبلة؟‏!‏
المشهد الأخير‏:‏
القلم يعجز عن الوصف‏..‏ والألم يمتد فيتحول إلي مأساة تحاصر الجميع تكشف المستور وتفضح المسكوت عنه من أين أبدأ‏..‏ ؟‏!‏ وإلي ماذا سأنتهي‏..‏؟‏!‏
حارة عبدالدايم تضعنا جميعا أمام مرآة لنر أنفسنا جيدا‏..‏ لنعرف قدرنا وقيمتنا‏..!!‏
حارة عبدالدايمتعري الوجوه التي إرتدت أقنعة لم تسقط بعد‏..‏ تسقط كل الشعارات واللافتات والدعايات بل وجديرة بأن تسكت الألسنة الثرثارة والكلام المعسول بعسل أسود‏..‏ والوعود الكاذبة‏..‏
حارة عبدالدايم تجعلك ترفع شعار طالما رفعه محجوب عبدالدايم في فيلم القاهرة‏30‏ للعبقري نجيب محفوظ طظ‏!!!‏
حارة عبدالدايم ينطبق عليها ما قاله الشاعر الصعلوك نجيب سرور الناس من هول الحياة موتي علي قيد الحياة‏!!‏
نعم‏..‏ لقد انتقلت الي العالم الآخر‏..‏ كوكب ثان غير الأرض مكان بالتأكيد ليس صالحا للحيوانات وليس للبني آدمين عندما تتحول بيوت الناس الي زرايب‏..‏ وعندما يتعايش الانسان مع الكلاب والقطط وجميع أنواع الحشرات‏..‏ وعندما يكون الحمام أو التواليت أو المرحاض نتنا وعفنا ليعلن أن هناك جثثا وقد دفنت تحته وانتشرت رائحتها‏.‏
وعندما ينام عشرة و‏15‏ فرد في غرفة بها المطبخ والسرير والدولاب‏...‏ والبوتاجاز والأواني وغيره وغيره‏..‏
وعندما تكون البيوت التي هي حظائر أو اصطبلات قل كما تريد من الخشب المتهالك‏..‏
عندما يكون كل ذلك مجتمعا فأنت في حارة عبد الدايم من فضلك وبالله عليك‏..‏ كيف تتحدث مع هؤلاء عن صندوق الانتخابات وحال البلد‏..‏؟‏!.‏
والمدهش أن ستات الحارة هن اللاتي تحدثن معي بحرقة وجرأة ومرارة وصوت وجدعنة الستات ولاد البلد أخذتني رضا أو أم حاتم من يدي لكي أري معها علي ارض الواقع كيف يعيشون ؟‏!‏
والله العظيم القبور أحسن وافضل وأرحم من تلك البيوت التي يسكنها أهالي حارة عبد الدايم‏..‏ ونحن ننتقل من بيت لآخر كانت رضا تتحدث معي خائفة‏..‏ الظلم هو‏..‏ هو‏..‏ والقهر هو مفيش حاجة اتغيرت أنا باخذ‏450‏ جنيها معاش بدفع‏150‏ منها إيجار أوضه علشان‏10‏ أنفار يناموا فيها‏..‏ مين نفعنا‏..‏ مين جالنا‏..‏ مين عبرنا علشان انزل أروح صندوق الانتخابات‏..‏ فالحين يعملوا منا أصوات ويطلعوا يغنتوا علي أكتافنا وحسابنا سيدة جلال وقفت علي أحد الأزقة الضيقة لتقوم بقلي بعض من أقراص الطعمية والبطاطس‏..‏ عندي‏7‏ عيال قعدت‏4‏ منهم من المدارس‏..‏ أجيب منين أسرق يعني أنا واقفة علي أكل عيشي ولو نزلت رحت الانتخابات هيضيع علي قوت يومي ثم أحنا مانعرفش حد‏..‏
قاطعتها رضا‏..‏ مفيش حد يا أستاذة كلف نفسه ونزل لنا بالبرنامج بتاعه‏..‏ شوية صور متعلقة وخلاص ماحدش قالنا إنه هيجيب لنا شقق ولا هيخلي عيشتنا أحسن‏..‏ ولا حتي إنه هيحسسنا أننا بني آدمين إحنا هنا عايشين مع القطط والكلاب‏..‏ ويقولوا لنا انتخابات‏..‏؟‏!‏
الحاجة زينب كامل سيدة عجوزة وجدتها تجري لاهثة من أجل الوصول الي أخذتني من يدي قائلة‏..‏ تعالي شوفي يا بنتي‏..‏ أنا عندي الكبد والكلي والقلب وعندي كل الشهادات التي تثبت ده موش معايا فلوس العلاج وباخد‏130‏ جنيها من الشئون أحنا يا بنتي مش عايشين‏..‏ وانا نفسي أموت أنا زهقت‏..‏ وكان نفسي أعيش عيشة أحسن من كده علي الاقل بلكونة أطل منها‏..‏
أعترف‏..‏ استسلمت لكل الأيادي الطيبة الشقيانة التي طلبت مني أن أدخل حظائرها عفوا بيوتها لأري بعيني ما الذي وصل إليه الفقراء والمهمشون في مصر؟
احسست بالاختناق‏..‏ وهاجمتني الدموع وحاصرني الألم معي أوراق كثيرة تحمل شهادات شتي لأمراض مختلفة وأخري تثبت أنهم قدموا أوراقا في انتظار شقق‏..‏ ولكن ماذا أنا بفاعلة‏..‏ ؟‏!‏
لا أملك سواه‏..‏ الورق والقلم‏..‏
هكذا كنت أفكر ورضا تصطحبني لأغادر حارة عبد الدايم وعزبة جرجس كلها وهي تقول لي الثورة لازم تحس بينا أكثر من كده‏..‏ انا نزلت التحرير منذ أيام وقابلنا شباب زي الورد بيطالبوا بحق الغلابة اللي زينا‏..‏ بس أحنا عاوزين نتغير بقي‏..‏
‏*‏ ممكن أطلب منك طلب‏..‏ ؟‏!‏
قلت لها أتفضلي يا أم حاتم؟‏!‏
ينفع تقولي للمشير يركب طيارته ويشوفنا من فوق ولو حتي بنظرة‏..‏
غادرت عزبة جرجس وحارة عبد الدايم وشبرا والطوابير مازالت تحتفل بعرسها الديمقراطي‏..‏ بعيدا عن العالم الآخر‏..‏ عالم الفقرا‏..‏ عالم يرفع شعار محجوب عبد الدايم في القاهرة‏30‏ طز


إضافة تعليق

البيانات مطلوبة

اسمك
*


بريد الالكترونى *
البريد الالكتروني غير صحيح

عنوان التعليق *


تعليق
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.