لم يكن أحد يتصور ولو لحظة واحدة ان قلب العالم العربي يمكن ان يقود ولو لمرة واحدة قاطرة التغيير او الثورة في العالم, أو أن وقع اقدام وصيحات المحتجين في ميدان التحرير يمكن ان يسمع في وول ستريت. ويبعث برسالة تحذير لأكبر قلاع الرأسمالية العالمية المتوحشة. لكن ما حصل أخيرا من مسيرات ومظاهرات غاضبة اجتاحت قلاع الرأسمالية الكبري منددة بالظلم الاجتماعي والاقتصادي, ومطالبة بالعدالة, أصبح محل علامة استفهام كبري حول مستقبل الرأسمالية المتوحشة والمدي الذي يمكن ان تصل اليه رياح الربيع العربي. وعلي وقع الاحتجاجات في ميدان التحرير بقلب القاهرة وفي باقي ميادين التحرير وساحات التغيير الاخري, تحركت مسيرات غير مسبوقة دقت ابواب أهم شوارع المال في العالم تحت شعار احتلوا وول ستريت. وبكل وضوح اعترف منظمو تلك المسيرات الغاضبة انهم يستلهمون الربيع العربي في طريقة الاحتجاج السلمي المطالب بالعدالة. وبعد شهور قليلة من هبوب رياح التغيير العربي, ظهرت نماذج مشابهة في اسبانيا واليونان وفرنسا وحتي في اسرائيل احتجاجا علي السياسات الاقتصادية التي زادت الفقراء فقرا وفاقمت معاناتهم. ويلفت النظر ان تلك البلدان يختفي فيها القمع السياسي والفساد الحكومي بشكل نسبي, كما لاتعاني الشعوب هناك من البلطجية او الشبيحة او رعاة معارك الجمل ومحترفي الهجوم علي المعتصمين السلميين. مستقبل الفقراء لقد اكتشف دعاة احتلوا وول ستريت كما اكتشف فقراء مصر وتونس ان شبكة الفساد المالي الكبري تمكنت من استنزاف مدخرات نسبة عالية جدا من الطبقة الوسطي بل ووضعتها تحت ديون طويلة الأمد ومستقبل غامض ومفزغ في الوقت نفسه. وبينما استغرق التحضيرللربيع العربي عشرات السنوات, لم يمر وقت طويل في الغرب قبل ان ينطلق الحراك الشعبي, وذلك نتيجة وجود الشفافية الاعلامية والثقافية التي أسهمت بكشف شبكات الفساد المالي وبالتالي تمكن المواطنون من معرفة حقيقة ماحدث في اسرع وقت. ويرفع المتظاهرون في وول ستريت لافتات مباشرة, تقول انهم يمثلون99% من المواطنين الذين يعانون من تأثيرات الازمة الاقتصادية بينما هناك1% إمام مستفيدون من الأزمة او هم الذين صنعوها بسبب سوء السياسات العامة او الفساد او الجشع, ولم تتم محاسبة ومساءلة اي منهم حتي الآن. وتسعي حملة احتلوا وول ستريت الي فضح ووقف سياسات الليبرالية الجديدة الجشعة والتي تسببت في الازمات الاقتصادية في دول اوروبية مختلفة ونهب موارد العالم الثالث طوال الأعوام الثلاثين الماضية. ورغم ان رياح التغيير العربي, نجحت في خلع الرئيس السابق حسني مبارك, وقبله التونسي زين العابدين بن علي الا ان هناك صعوبات في توقع مدي نجاح حملة احتلوا وول ستريت في تغيير نظام الرأسمالية المتوحشة, لكنها ستترك حتما اثارا لافتة ستشجع المنظمات المناهضة لليبرالية الجديدة. وكما نجح الثوار في مصر مثلا في استقطاب الكثير من المؤيدين وتحريك المواطنين لتجاوز حاجز الخوف, فإنه بالامكان ايضا تحريك الامريكيين الذين فقدوا مدخراتهم وتدهورت احوالهم المعيشية الي مجابهة توحش اصحاب المليارات. ولتعريف الجمهور العالمي والعربي اكثر بها أصدرت صحيفة تحت عنوان اوكيوبايد وول ستريت جورنال( صحيفة وول ستريت المحتل), وطالبوا بترجمة عربية للصحيفة وللبيان الاساسي. وقد استلهم المحتجون في وول ستريت خطوات تنظيمية من شباب ميدان التحرير الذين نشط بعضهم مثلا في توفير مياه الشرب والطعام, والاستعداد للمبيت والاعتصام. وفي هذا السياق, حول المحتجون ساحة زوكوتي بارك في نيويورك وهي معقل تجمعهم الرئيسي الي مكان للعيش والمبيت لمن يريد. كما قسموا الساحة الي مراكز ومجموعات عمل, اضافة الي مركز طبي ومكتبة ومطبخ, كما توجد نقطة توليد كهرباء, مع مراكز لتجمع وسائل الاعلام والناشطين الذين يستخدمون الإنترنت. الغريب ان محتجي وول ستريت تعلموا من إخفاقات الثورات العربية خاصة فيما يتعلق بالتأخير في تشكيل كيانات تضمهم وتعبر عن رأيهم, فقام محتلو وول ستريت بعقد جمعيات عامة لتدارس الخطوات المقبلة, وانتخاب اعضاء منهم ليمثلوهم عند طرح مطالبهم. وقد تساءل الكاتب الامريكي ديفد اغناتيوس بشأن الاحتجاجات التي يشهدها العديد من الاماكن في شتي انحاء العالم وأوجه الشبه بينها, وقال ان مايثير الانتباه هو ان حركة احتلوا وول ستريت تشبه في شكلها ومحتواها الثورات الشعبية التي تشهدها الساحات العربية الي حد كبير. وتساءل ايضا بشأن ما إن كانت الحركات الاحتجاجية في انحاء متفرقة من العالم هي ثورات ضد جماعات النخب ومن اجل التغيير, أم انها رد فعل متأخر علي الازمة المالية العالمية عام2008 والتي تتخذ شكلا من أشكال السخط المتمثلة في الربيع العالمي؟. وقال في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست انه قد يكون للناشطين المناهضين للشركات الذين تجمعوا في منهاتن بنيويورك اجندة مختلفة عن تلك التي للمتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة, او ربما مختلفة عن اهداف مظاهرات الصيف الماضي التي وصلت إلي درجة اندلاع اعمال عنف في شوارع كل من بريطانيا واليونان, او عن تلك المسيرات المناهضة للفساد في نيودلهي, ولكنها جميعها تشترك في بعض المضامين. ومن بين هذه الامور المشركة بين الاحتجاجات العالمية يأتي الاعتقاد بان العولمة تعود بالفائدة علي الاغنياء اكثر من الجماهير, وكذلك الغضب بشأن الفساد السياسي, اضافة الي الترابط والتجمع الذي يجري تعزيزه عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك..