قتلت كينيدي.. ودمرت العراق... وجوعت مليار إنسان برهنت دوما عبر التاريخ علي أنها واحدة من أضخم الصناعات ربحية في العالم في كل مكان ومع كل أذان. فهي نادرا ما تعرف شيئا اسمه ركود أو كساد بل ان كثيرا ما يقال إنه في بعض الأحيان تحاك من أجلها المؤامرات, وتشعل من أجلها الحروب والصراعات وذلك ببساطة لأنها لا تعيش إلا علي الموت والخراب, والدمار, انها صناعة السلاح العالمية. وقد شكلت زيارتي للولايات المتحدة علي مدار الاسبوعين الماضيين تقريبا فرصة نادرة للوقوف علي الكثير من تفاصيل مشهد صناعة السلاح في العالم عموما وفي هذه الامبراطورية الاقتصادية والعسكرية التي يبلغ حجم انتاجها القومي أكثر من اربعة عشر تريليون دولار سنويا علي وجه الخصوص. عريضة الاتهامات في البداية نقول انه كثيرا ما اتهمت شركات السلاح العالمية الكبري بانها تشكل مع القوي السياسية العظمي في العالم محورا رهيبا للشر, محورا مسئولا ضمن عوامل اخري عن تفاقم مشكلات عالمية شديدة التعقيد مثل زيادة عدد الجوعي في العالم إلي نحو مليار انسان. فالتقديرات المستقلة المعنية بهذا الملف تؤكد ان الانفاق العالمي علي التسلح بلغ اكثر من تريليون ونصف التريليون دولار سنويا وهو مبلغ كفيل بالقضاء تماما علي مشكلة الجوع والفقر في العالم باسره. ويشكل هذا المبلغ نحو ثلاثة في المائة من قيمة الانتاج القومي العالمي. وتعد هذه الصناعة احد المحركات الرئيسية للعديد من اقتصاديات الدول الكبري في العالم. وتشير تقديرات معهد استكهولم الدولي لابحاث السلام إلي ان الدول الكبري في العالم هي نفسها أكبر دول مصدرة للسلاح علي وجه البسيطة ويقصد بها علي وجه التحديد الولاياتالمتحدةوروسياوفرنسا وألمانيا وبريطانيا. وتلاحق شركات السلاح اتهامات بانها تعمل علي تشكيل جماعات ضغط عظيمة النفوذ والسطوة في بلدانها وذلك بعقد تحالفات جبارة مع المؤسسات العسكرية كي تطيح سريعا بأي عقبة يمكن ان تحول دون مواصلة تحقيق مكاسبها الطائلة. كما تستغل هذه الشركات علاقاتها الوطيدة بحكوماتها كي تمارس ضغوطا علي الدول المختلفة لتشتري منها بضاعتها الكاسدة. ولعل هذا الامر يفسر ضمن أمور عديدة لغز الإعلان في منطقتنا العربية عن صفقات اسلحة ضخمة عند كل طفرة نفطية مثل صفقة اليمامة السعودية البريطانية في منتصف الثمانينيات وهي الصفقة التي توصف بأنها أكبر صفقة اسلحة في التاريخ اذ بلغت قيمتها نحو سبعين مليار دولار. بل ان سطوة شركات السلاح وصلت إلي حد أنها شكلت في الولاياتالمتحدة ما يوصف بالمجمع الصناعي العسكري الذي اتهم بأنه وراء قتل الرئيس كينيدي في الثاني والعشرين من نوفمبر من عام الف وتسعمائة وثلاثة وستين. مأساة كينيدي ويقول المتابعون للشأن الأمريكي في هذا الخصوص انه في17 يناير من عام1961 وجه الرئيس الأمريكي الاسبق ايزنهاور خطابا إلي شعبه سماه خطاب الوداع, كان هذا اخر خطاب يلقيه كرئيس قبل ان يسلم السلطة إلي الرئيس الجديد جون كينيدي, وقد حذر ايزنهاور في هذا الخطاب من هذا المجمع الصناعي العسكري ومن خطورة تحالفه مع الجيش علي الديمقراطية الأمريكية, ومما قالة ايزنهاور في هذا الخطاب. في هذا المساء فإنني جئت اليكم مودعا ومستأذنا في الانصراف, وفي نفس الوقت فإن لدي بعض الهواجس التي اريد ان افضي بها لكم حتي تشاركوني فيها وتحملوا امانتها ان رأيتم صوابها. وتابع قائلا: علي ان أقول صراحة ان هناك الآن مجموعة صناعية عسكرية مالية سياسية وفكرية تمارس نفوذا غير مسبوق في التجربة الأمريكية ومع أننا نتفهم الظروف التي ادت لنشأة هذه المجموعة فإننا لابد ان نحذر من وصولها إلي مواقع التأثير المعنوي والسياسي والعملي علي القرار الأمريكي, لان ذلك يشكل خطرا شديدا علي المجتمع الأمريكي قبل ان يكون خطرا علي غيره. واضاف: انه من سوء الحظ ان الثورة التكنولوجية التي تتدفق نتائجها علي عالمنا اليوم تساعد اطراف هذا المجمع الخطر وتزيد من قدراتهم وتمكنهم من السيطرة علي برامج الإدارة ومخصصات انفاقها, خصوصا ان قوة اموالهم توفر لهم تأثيرا فادحا التكاليف علي مؤسسات الفكر والعلم. وقال ايزنهاور: كذلك علينا ان نحذر من اكتساب نفوذ لاسابق له عبر ذلك الارتباط بين المجمع الصناعي العسكري والقوات المسلحة, علينا ان لاندع ذلك الارتباط للمجمع الصناعي العسكري بالقوات المسلحة يعرض حريتنا ومسيرتنا الديمقراطية للخطر. المجمع الصناعي العسكري ويتفق العديد من المؤرخين علي ان المجمع الصناعي العسكري الأمريكي المتحالف من الاستخبارات والمافيا قرر التخلص من كينيدي وذلك جراء إحجامه عن التصعيد العسكري مع الاتحاد السوفيتي السابق ولقراره السري بسحب المستشارين العسكريين والجنود الأمريكان من فيتنام بحلول نهاية عام1965 وهو الأمر الذي كان يمثل ضربة لصالح هذه الفئات التي تعيش علي تجارة الموت. اكثر من ذلك فان هذا المجمع الصناعي العسكري الرهيب متهم بأنه كان وراء توريط الولاياتالمتحدة في حربي العراق وافغانستان وذلك بعد ان انضم إليه لوبي الشركات النفطية مستغلا في هذا الصدد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ضد الازمات ولعل من الأمور المثيرة للدهشة في هذا الصدد, أنه علي الرغم من الازمة المالية والاقتصادية العالمية التي اندلعت في خريف عام الفين وثمانية والتي تعد الاشرس من نوعها منذ نحو قرن من الزمان إلا ان تجارة السلاح العالمية مازالت مزدهرة. وارجعت صحيفة الجارديان البريطانية هذا الأمر إلي ما وصفته بتسارع وتيرة سباق التسلح في جنوب شرقي اسيا وأمريكا الجنوبية. كما كان لمنطقة الشرق الأوسط دور كبير في هذا الانتعاش اذ تعد السعودية والامارات والجزائر من أكثر دول العالم إنفاقا علي التسلح. وتقول الصحيفة ان حجم مبيعات السلاح قفز بنسبة اثنين وعشرين في المائة خلال خمس سنوات فقط. خريطة صناعة السلاح كما كشف معهد استكهولم الدولي لابحاث السلام الذي يتخذ من السويد مقرا له ان مبيعات شركات الأسلحة في الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية بلغت قيمتها407 مليارات دولار عام.2009 وأوضح المعهد ان قائمة أكبر مائة شركة مصنعة للسلاح في العالم كان من بينها45 شركة تتخذ من الولاياتالمتحدة مقرا لها و33 شركة في اوروبا الغربية. وباعت هذه الشركات مايزيد علي90% من اجمالي مبيعات الأسلحة في العالم, وعلي الرغم من الركود العالمي, فقد زاد الانفاق علي التسلح بنسبة8% وفقا لما ذكره المعهد. وانتزعت شركة لو كهيد مارتن الأمريكية مركز الصدارة بفارق ضئيل عن نظيرتها البريطانية بي ايه اي سيستمز فيما احتلت شركة بوينج الأمريكية المركز الثالث, وأوضح المعهد في دراسته ان كل شركة من هذه الشركات الثلاث اقتنصت نحو8% من مبيعات الأسلحة العالمية في عام.2009 وأشار إلي ان10% من أكبر مائة شركة مصنعة للسلاح في العالم تتخذ من آسيا مقرا لها علي النحو التالي4 في اليابان, و3 في الهند وشركتان في كوريا الجنوبية وواحدة في سنغافورة. وذكرت هذه المؤسسة البحثية ايضا ان قائمة المائة الكبار في تصنيع السلاح خلت من اي شركات تتخذ من أمريكا اللاتينية أو افريقيا مقرا لها, ولمن لايعرف معهد استكهولم الدولي لابحاث السلام, فهو عبارة عن مؤسسة بحثية مستقلة اسسها البرلمان السويدي في عام1966 بهدف رصد الانفاق العسكري والصراعات الدولية, وينشر هذا المعهد تقريرا سنويا عن وضع صناعة السلاح العالمية. الطائرات الحربية وفيما يتعلق بانتاج الطائرات الحربية خلال الاعوام العشرة الماضية فان الولاياتالمتحدةالأمريكية احتلت المرتبة الأولي في سلم أكثر الدول تصديرا لهذه الطائرات, بينما احتلت روسيا المرتبة الثانية ويبلغ عدد الدول التي تنتج الطائرات الحربية11 دولة, وهي الصين وفرنسا والهند واليابانوروسياوالسويدوالولاياتالمتحدة, والمانيا وايطاليا واسبانيا وبريطانيا التي تنتج الطائرات ضمن ائتلاف أو كونسورتيوم يحمل اسم يوروفايتر, وعلي صعيد حصة المنتجين الرئيسيين في سوق الطائرات الحربية العالمية, صدرت الولاياتالمتحدة, خلال الفترة من2000 إلي215,2004 طائرة حربية جديدة و70 طائرة مستهلكة من طائرات القوات الجوية الأمريكية, وصدرت خلال الفترة من2005 331,2009 طائرة جديدة و10 طائرات مستعملة, وبلغت حصتها من اجمالي السوق30% في الفترة من2000 إلي2004 و34% في الفترة من2005 إلي.2009 وصدرت روسيا, خلال الفترة من2000 إلي287,2004 طائرة حربية جديدة و44 طائرة مستعملة وصدرت خلال الفترة من2005 إلي215,2009 طائرة جديدة و4 طائرات مستعملة وبصفة اجمالية حصلت الدول المستوردة من روسيا, خلال الفترة من2000 إلي2004, علي331 طائرة اي ما يعادل35% من اجمالي السوق العالمية, وخلال الفترة من2005 إلي2009 علي219 طائرة22% من اجمالي السوق العالمية, وحلت فرنسا في المرتبة الثالثة بعد أن صدرت خلال الفترة من2000 إلي34,2004 طائرة جديدة, و24 طائرة مستعملة,6% من اجمالي السوق وخلال الفترة من2005 إلي2009 ما مجموعه76 طائرة,13 منها غير جديدة اي مايعادل8% من اجمالي السوق العالمية. بالإجماع تقريبا وهناك شبه اجماع بين المعنيين بمتابعة الوضع في قطاع انتاج الأسلحة علي الأمور التالية 1 ان الدول النامية والفقيرة هي المستورد الأكبر للسلاح في العالم. 2 ان الدول الصناعية الكبري هي المورد الأكبر للسلاح في العالم 3 ان الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي الذي يفترض فيه ان يكون شرطي العالم وحافظ امنه وسلامته هي في الحقيقة, المورد الأكبر للسلاح. 4 تجارة السلاح العالمية لاتزال السبب الأكبر للفقر في العالم لأن المبالغ التي تنفق علي شراء السلاح عالميا تستطيع القضاء علي الفقر في غضون سنوات قليلة. 5 الدول المستوردة للسلاح تدفع ثمن مشترياتها من الأسلحة من الأموال التي تأتي من تصدير وبيع واستغلال ثرواتها الطبيعية الخام من بترول وغاز طبيعي ومعادن وغيرها من الثروات.