ارتفاع أسعار الذهب عالميًا اليوم الخميس 14-8-2025    أسعار الأسماك والخضراوات والدواجن اليوم 14 أغسطس    تحرك الدفعة ال 15 من شاحنات المساعدات المصرية لغزة عبر معبر كرم أبو سالم    شكك في أسس الدين الإسلامي، السجن 5 سنوات لزعيم الطائفة البهائية في قطر    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 14 أغسطس 2025    500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر بالمحافظات    التايمز: بريطانيا تتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية فى أوكرانيا    بسبب انتشار حرائق اليونان.. اشتعال مئات المركبات    شقيقة زعيم كوريا الشمالية تنفي إزالة مكبرات الصوت على الحدود وتنتقد آمال سيول باستئناف الحوار    سموتريتش يعطى الضوء الأخضر لبناء 3400 وحدة استيطانية    تفاصيل القبض على «أم ملك وأحمد» صانعة المحتوى    ياسين السقا يروي كواليس لقائه الأول مع محمد صلاح وأول تواصل بينهم    أدعية مستجابة للأحبة وقت الفجر    طريقة عمل مكرونة بالبشاميل، لسفرة غداء مميزة    أروى جودة تطلب الدعاء لابن شقيقتها بعد تعرضه لحادث سير خطير    موعد مباراة بيراميدز والإسماعيلي اليوم والقنوات الناقلة في الدوري المصري    الأحزاب السياسية تواصل استعداداتها لانتخابات «النواب» خلال أسابيع    درجة الحرارة تصل ل49.. حالة الطقس اليوم وغدًا وموعد انتهاء الموجة الحارة    أزمة نفسية تدفع فتاة لإنهاء حياتها بحبة الغلة في العياط    الاَن.. رابط تقليل الاغتراب 2025 لطلاب تنسيق المرحلة الأولى والثانية (الشروط وطرق التحويل بين الكليات)    باريس سان جيرمان بطلًا ل كأس السوبر الأوروبي على حساب توتنهام بركلات الترجيح    بعد إحالة بدرية طلبة للتحقيق.. ماجدة موريس تطالب بلجنة قانونية داخل «المهن التمثيلية» لضبط الفن المصري    موعد مباراة مصر والسنغال والقنوات الناقلة مباشر في بطولة أفريقيا لكرة السلة    في ميزان حسنات الدكتور علي المصيلحي    «زيزو اللي بدأ.. وجمهور الزمالك مخرجش عن النص».. تعليق ناري من جمال عبد الحميد على الهتافات ضد نجم الأهلي    الصين تفتتح أول مستشفى بالذكاء الاصطناعي.. هل سينتهي دور الأطباء؟ (جمال شعبان يجيب)    العدوى قد تبدأ بحُمى وصداع.. أسباب وأعراض «الليستيريا» بعد وفاة شخصين وإصابة 21 في فرنسا    توب وشنطة يد ب"نص مليون جنيه"، سعر إطلالة إليسا الخيالية بمطار القاهرة قبل حفل الساحل (صور)    أصيب بغيبوبة سكر.. وفاة شخص أثناء رقصه داخل حفل زفاف عروسين في قنا    كمال درويش: لست الرئيس الأفضل في تاريخ الزمالك.. وكنت أول متخصص يقود النادي    لحق بوالده، وفاة نجل مدير مكتب الأمن الصناعي بالعدوة في حادث صحراوي المنيا    بالقليوبية| سقوط المعلمة «صباح» في فخ «الآيس»    بأكياس الدقيق، إسرائيليون يقتحمون مطار بن جوريون لوقف حرب غزة (فيديو)    "سيدير مباراة فاركو".. أرقام الأهلي في حضور الصافرة التحكيمية لمحمد معروف    كواليس تواصل جهاز منتخب مصر الفني مع إمام عاشور    انطلاق بطولتي العالم للشباب والعربية الأولى للخماسي الحديث من الإسكندرية    تفاصيل استقبال وكيل صحة الدقهلية لأعضاء وحدة الحد من القيصريات    وداعًا لرسوم ال 1%.. «فودافون كاش» تخفض وتثبت رسوم السحب النقدي    بدائل الإيجار القديم.. فرصة ذهبية قبل الطرد و90 يومًا فاصلة أمام المستأجرين    سعد لمجرد يحيي حفلًا ضخمًا في عمان بعد غياب 10 سنوات    تحذير بسبب إهمال صحتك.. حظ برج الدلو اليوم 14 أغسطس    محافظ قنا ووزير البترول يبحثان فرص الاستثمار التعديني بالمحافظة    محافظ الغربية يعلن حصول مركز طب أسرة شوبر على شهادة «جهار»    الجامعة البريطانية في مصر تستقبل الملحق الثقافي والأكاديمي بالسفارة الليبية لتعزيز التعاون المشترك    رئيس الأركان الإسرائيلي: اغتلنا 240 من عناصر حزب الله منذ وقف إطلاق النار مع لبنان    شيخ الأزهر يدعو لوضع استراتيجية تعليمية لرفع وعي الشعوب بالقضية الفلسطينية    المركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة يحتفل باليوم العالمي للعمل الإنساني تحت شعار "صوت الإنسانية"    البحيرة: ضبط المتهمين بقتل شخصين أخذا بالثأر في الدلنجات    تحديد هوية المتهمين بمضايقة فتاة على طريق الواحات.. ومأمورية خاصة لضبطهم (تفاصيل)    انتهاء تصوير «السادة الأفاضل» تمهيدًا لطرحه في دور العرض    في ذكراها ال12 .. "الإخوان": أصحاب رابعة العزة، "قدّموا التضحيات رخيصة؛ حسبةً لله وابتغاء مرضاته وحفاظًا على أوطانهم    تداول طلب منسوب ل برلمانية بقنا بترخيص ملهى ليلي.. والنائبة تنفي    حنان شومان: "كتالوج تناول نادر لفقد الزوج زوجته.. وأجاد في التعبير عن مشاعر دقيقة"    أحمد صبور: تحديات متعددة تواجه السوق العقارية.. ومصر قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية    ما قبل مجازر (الفض).. شهادات لأحياء عن "مبادرة" محمد حسان والمصالحة مع "الإخوان"    ما حكم من يحث غيره على الصلاة ولا يصلي؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي يوضح أنواع الغيب    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنة الغزو السادسة: انقلاب السحر علي الساحر
نشر في الشعب يوم 22 - 03 - 2008


صبحي حديدي


السويدي هانس بليكس، الرئيس السابق (والأخير، كما يتوجّب القول) للجنة الأمم المتحدة التي كُلّفت بمراقبة وتدقيق وتفتيش الأسلحة العراقية قبيل الغزو الأمريكي للبلد واحتلاله، في مثل هذه الأيام من العام 2003، لا يفوّت سانحة تخصّ هذا الغزو دون الغمز من قناة البيت الأبيض، وأحياناً هجاء الرئيس الأمريكي جورج بوش نفسه. وبالأمس، في الذكري الخامسة، نشر الرجل تعليقاً وجيزاً في صحيفة ال غارديان البريطانية، كان عنوانه بمثابة اختصار بليغ لما يظنّ الرجل أنه بدء ومآل ذلك الغزو: حرب الحماقة المطلقة !
وهو يبدأ بالقول إنّ غزو العراق كان مأساة، للعراق، وللولايات المتحدة، وللعالم، وللحقيقة، وللكرامة الإنسانية ؛ ثمّ يردف علي الفور، لأنه يعلم مثل الجميع مضمون الذريعة المكرورة التي لم يتوقف بوش عن اقتباسها في تجميل حصيلة الحرب، أيّ التخلّص من نظام صدّام حسين: لو لم تُجْهز عليه الحرب، فإنه أغلب الظنّ كان سيصبح نسخة من القذافي أو كاسترو؛ يواصل قهر شعبه، ولكنه لا يشكّل تهديداً للعالم . أمّا الملفّ الذي يعني بليكس مباشرة، بقدر ما يعني العالم بأسره في الواقع، والشارع الأمريكي في طليعة المعنيين، فهو أكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي كانت ذريعة الحرب الأولي. وفي هذا الصدد يقول بليكس: لم يكن وارداً أن تفلح حكومات التحالف في بيع الحرب إلي برلماناتها علي أساس أية ذريعة أخري (...) ولهذا فإنّ المسؤولية عن الحرب تقع علي عاتق الذين شنّوها وهم يعرفون ما يعرفونه في آذار (مارس) 2003 .
المقصود، بالطبع، هو أنهم كانوا يعرفون العكس تماماً: أنّ العراق كان خالياً من هذه الأسلحة، نووية كانت أم كيماوية؛ وأنّ 700 عملية تفتيش، في أكثر من 500 موقع، لم تسفر عن ايّ دليل يثبت وجود تلك الاسلحة؛ وأنّ عقود شراء أوكسيد اليورانيوم، التي قال بوش أمام الكونغرس إنّ العراق أبرمها مع النيجر، كانت زائفة ومفبركة، كما برهنت السنوات القصيرة اللاحقة... ومع ذلك، يتابع بليكس، فضّلت قوي التحالف استبدال إشارات الاستفهام بإشارات التعجّب ؛ أي، في صياغة أخري من عندنا: وضعت جانباً خيار المزيد من البحث وطرح الأسئلة، واختارت التلفيق والتزييف والتضخيم، بقصد التهويل والترهيب والتبرير.
ولأنّ هذا السيناريو يمكن أن يتكرّر اليوم ضدّ إيران، ولكن مع محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة هذه المرّة، فإنّ استذكار بعض تفاصيل السيناريو قد تكون ذات مغزي في هذه الأيام بالذات، حين تستأثر بالمغزي تلك الأرقام الرهيبة المفزعة التي استولدتها هذه الحرب: بين 600 ألف ومليون قتيل عراقي، غالبيتهم الساحقة من المدنيين، و3990 قتيلاً في صفوف جنود الإحتلال الأمريكي، و175 في صفوف البريطانيين، وعشرات الآلاف من الجرحي، وكلفة مالية تقارب ال 600 مليار دولار (5000 مليار، حسب تقديرات جوزيف ستيغلتز). وفي أواسط كانون الأول (ديسمبر) 1999، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1284، جري استبدال هيئة التفتيش الخاصة المعروفة باسم ال UNSCOM، والتي ترأسها ريشارد بتلر وقبله رولف إكيوس، بهيئة أخري تتضمن الإشراف والتحقق والتفتيش، سُمّيت ال UNMOVIC، ترأسها هانس بليكس. وكان الاسم الأول أيسر نطقاً من الاسم الثاني، وكانت وظائف الهيئة السابقة أوضح... أو هكذا خُيّل للعالم طيلة عقد كامل من الزمن تقريباً. وأمّا حين طوي النسيان صورة المفتّش الأوّل بتلر، مثلما طوي من قبل صفحة سلفه المفتش المؤسس إكيوس، فإنّ العالم اكتشف سريعاً أنّ المهمّة لم تكن يسيرة في الأساس، ولكنها لم تكن عسيرة أيضاً! لا هذه ولا تلك، والحكمة الذهبية الوحيدة كانت مواصلة اللعب في الوقت الضائع، ومواصلة الحصار من أجل الحصار وحده.
وكان بليكس قد شغل موقع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية طيلة الأعوام 1981 1997، وفي عهده المديد ذاك وقعت حرب الخليج الثانية، واكتشف العالم الحرّ أنّ العراق كان موشكاً علي إنتاج قنبلة ذرية من النوع الذي لا يُبقي ولا يذر. آنذاك تحوّلت الوكالة، بل تحوّل بليكس نفسه، إلي كبش فداء: كيف تغافلت الوكالة إلي هذا الحدّ عن البرنامج العراقي السرّي؟ أين كانت أطقم الوكالة؟ ماذا كان السيد بليكس يفعل؟ وماذا نفعل في المستقبل لتفادي تكرار حالة العراق؟
ويُسجّل للرجل أنه صمد كما تصمد الجبال الرواسي، بل واستغلّ الحكاية لكي ينتزع من العالم الحرّ اعترافاً صريحاً بأهمية دور الوكالة، الأمر الذي عزّز موقعها وميزانياتها وطرائق عملها. وهكذا صالت الوكالة وجالت ضدّ كوريا الشمالية، ثم انتزعت من مجلس الأمن الدولي تفويضاً بالحقّ في اعتماد تقنيات أكثر تطوراً وتعقيداً (التفتيش المفاجيء، الحصول علي عيّنات من التربة والمياه والنبات) أنّي ومتي شاءت، في طول العالم وعرضه... باستثناء الدولة العبرية بطبيعة الحال. فهذه الدولة ليست بعدُ ضمن صلاحيات الوكالة، لأنها في الواقع ما تزال فوق عشرات القرارات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي بصدد هذه أو تلك من أنماط خرق الشرعة الدولية.
كذلك يُسجّل للرجل أنه تعرّض علي الدوام لحملات انتقاد شديدة، إذْ كان مناصراً لمبدأ تعميم واستخدام الطاقة الذرية لأغراض سلمية، الأمر الذي جعله يغضّ الطرف عن طموح الدول العالمثالثية (إيران، العراق، الهند، الباكستان) إلي إطلاق برامج علمية لتوفير تلك الطاقة. والطريف أنّ تلك الحملات جاءت من الدوائر الأمريكية (وهو أمر مفهوم)، ومن الدوائر الصهيونية (وهو الأمر العجيب لأنّ نووية الدولة العبرية ليست البتة سلمية)، وأخيراً إكيوس والطلائع الأولي من ال أونسكوم ، ثمّ بتلر والطلائع الثانية.
وقبيل عملية ثعلب الصحراء ، عام 1998، حين قصفت واشنطن بغداد ردّاً علي ما قيل إنه محاولة عراقية لاغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، لاحظ المراقبون للسياسة الأمريكية بروز مؤشرات تقول إن الإدارة بدأت تدرك حدود المضيّ إلي أبد الآبدين في اجترار خطاب سياسي قانوني مستوحي من الإتكاء علي نظام ال أونسكوم ، خصوصاً حين يتوجّب تحويل ذلك الخطاب إلي مبرّر للإبقاء علي الحصار، بل وتوجيه ضربات عسكرية للعراق. وتناقل هؤلاء، ومعهم خبراء البيت الأبيض أيضاً، تقديرات تقول إن منظمة بتلر ضُخّمت أكثر مما ينبغي، أو نُفخت حتي المدي الأقصي الذي ليس بعده من مآل آخر سوي الإنفجار. المتفائلون منهم قالوا إنّ المنظمة تآكلت، إذا لم تكن قد نُفخت بإفراط، ولم تعد أمثولتها قادرة علي إنتاج واستهلاك وإعادة إنتاج الماضي. والنتيجة، تالياً، سيّان: لا مآل سوي الإنفجار.
كذلك أقرّ هؤلاء الخبراء بل وردد معهم رؤساء من أمثال بيل كلينتون أنّ هذه المنظمة أنتجت الكثير بالفعل، وحقّقت بالوسائل السلمية ما عجزت الجيوش والقاذفات وحاملات الطائرات عن تحقيقه في غمار الحرب الضروس. وإذا وضعنا جانباً آلاف، أو عشرات آلاف، الصواريخ التي كانت ستعبر الخطوط الحمراء المقدسة المرسومة بين الدولة العبرية والعالم الخارجي بأسره، فإننا سنتذكّر تلك المحرّمات الكبري التي ظلّت كفيلة بإشعال الفانتازيا القيامية في الغرب: 21 منشأة معدّة لأغراض نووية (سلمية أو عسكرية)، 400 ألف لتر من العوامل الكيماوية القابلة للاستخدام في إنتاج مختلف الأسلحة الكيماوية، نحو مليوني لتر من المواد الأخري المكمّلة للعوامل الكيماوية.
أكثر من ذلك، تذكّر هؤلاء الخبراء أنّ منظمة ال أونسكوم ما كانت ستفلح في تدمير هذه المحرّمات لولا تعاون السلطات العراقية وموافقتها علي قيادة المفتشين إلي العرائن ذات التمويه الممتاز، الذي أعمي بصر طائرات ال أواكس والتكنولوجيا الإلكترونية المعقدة التي يتباهي البنتاغون بفضائلها. وحدث هذا التعاون قبل وقت طويل من التعاون الآخر الذي انخرط فيه العراقيون الأقربون، من أصهار ومستشارين ومرافقين شخصيين. وفي جميع الأحوال، من الثابت اليوم أنه لم تسجّل سابقة واحدة تدلّ علي نجاح ال أونسكوم في تفكيك لغز لم يكن العراقيون راغبين في تفكيكه... هكذا ببساطة! وكان استبدال ال أونسكوم بال الأنموفيك هو الحلّ السحري لمواجهة هذا كلّه، وكذلك لتقديم المزيد من البراهين علي فشل المجتمع الدولي في تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية، سلمياً ومن غير حرب. وفي الحقبة إياها، وبعد استقالته المدوية رغم أنه كان أشهر مفتّشي ال أونسكوم ، أصدر سكوت ريتر كتابه الثاني، الحرب علي العراق ، مفنداً الذرائع التي أخذ جورج بوش الابن يحشدها في تبرير شنّ الحرب علي العراق:
لا توجد رابطة بين صدام حسين و القاعدة ؛
إمكانيات العراق الكيميائية والبيولوجية والنووية دُمّرت في السنوات التي أعقبت حرب الخليج؛
المراقبة عن طريق الأقمار الصناعية كانت، وما تزال، قادرة علي كشف أيّ مراكز جديدة لإنتاج الأسلحة في العراق؛
الحصار منع العراق من الحصول علي المواد المكوّنة لصنع الأسلحة؛
فرض تغيير النظام بالقوّة لن يجلب الديمقراطية للعراق؛
عواقب حرب أمريكا علي العراق خطيرة للغاية علي الشرق الأوسط، وقد تشعل حرباً نووية.
وباستثناء إشعال حرب نووية، ما الذي تبيّن اليوم أنه كان مغلوطاً في تقديرات ريتر؟
هل تصلح هذه السوابق، من فشل ال أونسكوم إلي تعطيل ال أنموفيك وصولاً إلي تأثيم البرادعي، في الحيلولة دون تلفيق ذرائع مماثلة قبيل غزو إيران، مثلاً، إذا اتخذ بوش قراراً كهذا؟ الأيام كفيلة بالإجابة، غير الإدارة كانت عازمة علي غزو العراق، عاد المفتشون أم لم يعودوا، وجري تجريد البلد من السلاح أم لا. وكان بوش بحاجة إلي هذه المغامرة العسكرية (التي يقول، اليوم أيضاً، إنها كانت نبيلة وضرورية وعادلة ) لأسباب ذاتية تخصّ إنقاذ رئاسته الأولي ومنحها المضمون الذي شرعت تبحث عنه بعد مهزلة إعادة عدّ الأصوات في فلوريدا، والتالي صناعة وليس فقط تقوية حظوظه للفوز بولاية ثانية. وكان بحاجة إلي هذه الحرب لأنّ مصالح الولايات المتحدة تقتضي شنّها، لثلاثة أسباب ستراتيجية علي الأقلّ: 1) تحويل العراق إلي قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة وحيوية، تخلّص أمريكا من مخاطر بقاء قوّاتها في دول الخليج، وما يشكّله هذا الوجود من ذريعة قوية يستخدمها الأصوليون لتحريض الشارع الشعبي ضدّ الولايات المتحدة، وتشجيع ولادة نماذج جديدة من القاعدة وأسامة بن لادن؛ و2) السيطرة علي النفط العراقي، التي تشير كلّ التقديرات إلي أنه الآن يعدّ الإحتياطي الأوّل في العالم، أي بما يتفوّق علي المملكة العربية السعودية ذاتها؛ و3) توطيد درس أفغانستان علي صعيد العلاقات الدولية، بحيث تصبح الهيمنة الأمريكية علي الشرق الأوسط، ومعظم أجزاء العالم في الواقع، مطلقة أحادية لا تُردّ ولا تُقاوم.
ولقد كُتب الكثير في وصف انقلاب السحر علي الساحر الأمريكي، ولعلّ من الدالّ أن يقتبس المرء توصيف باراك أوباما: هذه الحرب، الأطول من الحربين العالميتين الأولي والثانية، والأطول من الحرب الأهلية الأمريكية، جعلت أمريكا أقلّ أماناً، وأضعفت نفوذها في العالم، وزادت من قوّة إيران، وعزّزت حركة طالبان وكوريا الشمالية وتنظيم القاعدة ... ما لم يقله أوباما هو أنّ هذه هي الحال الكلاسيكية التي أخذت تنتهي إليها جميع حروب الإمبراطورية الأمريكية المعاصرة، بوصفها أسوأ مَن يستخدم الجبروت العسكري، وبالتالي أردأ مَن يتعلّم دروس التاريخ.

ہ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.