أنجز جيش مصر العظيم نصرا تاريخيا في حرب أكتوبر المجيدة... هذا النصر الذي تمر ذكراه الثامنة والثلاثون يتوافق مع ما حققه شعب مصر الذي أنجز ثورة عظيمة بتعاون مشترك بين الشعب والجيش وبعد أن تعهدت القوات المسلحة بتحقيق مطالب الشعب ليضيف جيش مصر العظيم لسجله الناصع البياض نصرا جديدا بمساندته الشعب في ثورته المباركة وليصبح احتفالنا هذا العام ذا طعم خاص نتذكر البطولات ونقف احتراما للانجازات ونقدم الشكر للجيش الذي وقف بجانب الشعب من أجل الاصلاح. ولذلك فإن رجال القوات المسلحة أبطال الأمس من جيل أكتوبر قادة اليوم في المجلس الأعلي للقوات المسلحة يقفون اليوم مرفوعة هاماتهم حراسا في البر والجو والبحر حماة للوطن وشرعيته الدستورية يعاهدون شعب مصر علي التفاني في أداء واجباتهم مؤكدين ولاءهم للوطن المفدي جندا أوفياء للمسئولية الوطنية التي يحملون أمانتها دفاعا عن عزة الوطن وسلامة أراضيه وصونا لكرامته ومقدساته لتظل مصر دائما واحة أمن وأمان لكل أبنائها وليظل لها دورها القيادي والرائد في هذه المنطقة من العالم لتحقق الثورة مزيدا من النجاح. وقد اتخذت القوات المسلحة طرقا مبتكرة وحديثة لخداع العدو قبل حرب أكتوبر خاصة في جبهات القتال برغم انها أراض مكشوفة وبرغم ما تملكه اسرائيل من وسائل تكنولوجية حديثة ومساعدات الاقمار الصناعية عليها. كانت عملية العبور إلي الضفة الشرقية للقناة مذهلة للغاية, إذ لم يكن أحد من الخبراء العسكريين يتوقع أن تتم بهذا القدر الذي يكاد يخلو من الخسائر بفضل خطة الخداع الاستراتيجي. ويؤكد اللواء محمد نبيل فؤاد الخبير الاستراتيجي وأحد أبطال حرب أكتوبر أنه تم الاتفاق علي5 محاور للخطة الاستراتيجية للحرب هي: هدم نظرية الأمن الاسرائيلي الهجوم علي جبهتين في وقت واحد( الجبهة المصرية والجبهة السورية). القيام بأعمال تناسب الامكانات المتاحة لقواتنا. السيطرة علي خطوط مواصلات العدو بين إيلات وشرق افريقيا. الخداع. ولم تكن خطط الخداع اختراعا أو ابتكارا جديدا فخطط الخداع قديمة قدم الزمن وجري تنفيذها علي مر العصور, ولذلك قام فرع التخطيط بهيئة العمليات بدراسة كل خطط الخداع التي تمت في معارك سابقة وتم تكليف مجموعة من الضباط من أسلحة مختلفة تحت إشراف الضابط أركان حرب أحمد كامل نبيه بالتخطيط لعملية الخداع. وقد تمت عملية أو خطة الخداع علي عدة مستويات.. الخداع الاقتصادي: بإظهار ضعف مصر اقتصاديا وعدم قدرتها علي الهجوم وان حل الأزمة يجب أن يكون سلميا. الخداع السياسي: بإظهار قبول حالة اللا سلم واللا حرب والإعلان عن عام الحسم أكثر من مرة وقرار المستشارين الروس. الخداع الاستراتيجي والتعبوي الإعلامي: مثل قرار وزير الحربية بزيارة لليبيا في توقيت معين, مع استمرار تدريب الضباط والجنود كما هو حتي آخر لحظة قبل ساعة الصفر, والإعلان عن تسريح دفعات احتياط, والتضخيم في وسائل الإعلام من استحالة عبور القناة لما فيها وعليها من موانع. وكانت هذه هي البداية. ويقول اللواء ممدوح عطية الخبير الاستراتيجي الذي عمل في سلاح الحرب الكيمياوية في حرب أكتوبر بعد حرب1967 ظنت اسرائيل أنها الحرب التي أنهت كل الحروب, والنصر الذي أزال جميع المشاكل وأن العرب لم يبق أمامهم إلا الاستسلام. لكن كان لمصر رأي آخر, فبعد5 يونيو67 كان لابد من العمل بأقصي قدر من الطاقة والإحساس بالمسئولية, نحو توفير المناخ الصحي الثوري لحرب التحرير, وامتلاك أسلحتها الاستراتيجية. وكانت التصريحات الاسرائيلية في الفترة ما بين1967 إلي ما قبل أكتوبر1973 تكشف عن نوايا اسرائيل. لعل أخطر ما صرح به الاسرائيليون هو قولهم: ثمة فارق كبير بين إعادة صحراء وإعادة الأراضي المحتلة ابتداء من مرتفعات الجولان, وانتهاء بصحراء سيناء لأن الاسرائيليين كانوا يعتقدون أن زمام المبادرة في أيديهم دائما, وهم وحدهم يملكون حق تقرير ما إذا كانوا سوف ينسحبون من بعض الأراضي العربية المحتلة, والسبب الثاني هو اعتماد اسرائيل علي التأييد الأمريكي لها, الذي يبيح استخدام الفيتو كلما تعرضت لخطر الإدانة إلي جانب ثقتهم بأن أمريكا قدمت وستقدم لهم كل ما يحتاجون إليه من أسلحة أو معونات مالية ودعم سياسي, مما يوفر لها صمودا طويل الأمد وهناك نقطة في غاية الأهمية: فقد علم الشعب المصري أن مسئولية معركة التحرير ليست مسئولية القوات المسلحة وحدها وإنما هي أيضا مسئولية الشعب. ويؤكد اللواء ممدوح عطية أن تأثير حرب الاستنزاف علي اسرائيل أنها عملت علي تجميد حركة القوات الاسرائيلية في سيناء داخل خنادق ثابتة, وانهاك الجنود ماديا ومعنويا, وهم قابعون في خنادق ولايستطيع أي منهم أن يرفع رأسه حتي لا تخترقه علي الفور رصاصة قناص مصري, وعلي إنزال خسائر يومية بالقوات الاسرائيلية, وتركيز أنظار الحكومة الاسرائيلية علي جبهة القناة, حيث يتساقط القتلي وتدوي أخبارهم في كل اسرائيل, فتزيد شعور الاسرائيليين باستحالة تحقيق ما وعدهم به قادتهم, وعجز السلطات العسكرية الإسرائيلية عن حماية قواتها الموجودة في القناة, وبالطبع فإنه ليس باستطاعة العدو أن يتحمل ما ينتابه من خسائر يومية لوقت طويل, وكان المقاتل المصري هو الذي خاض حروب الاستنزاف والمواجهة, وهو الذي أسهم في كسر معنوبات المقاتلين الإسرائيليين, فقد تعلم الجندية وبرع فيها إلي أقصي حد برا وجوا وبحرا, وسار في منطلقاتها بنجاح وثبات. وقال: لقد حققت خطة الخداع الاستراتيجي نجاحا فائقا وقبل بداية الهجوم ب12 ساعة وفي جنح الظلام عبرت مجموعتان مدربتان من القوات المصرية القناة وقامت الاولي بقطع خراطيم الطلمبات ونجحت الثانية في سد فتحات الانابيب بلدائن خاصة سريعة الجفاف وكان الهدف من ذلك تأمين العملية بشكل مطلق وكان من المتوقع اذا اكتشف العدو تخريب الطلمبات ان يبذل جهده لاصلاحها دون ان يخطر بباله ان هذا الاصلاح ليس الا عبثا لا طائل من ورائه بعد ان سدت منافذ الاطلاق. والدليل علي نجاح خطة الخداع عندما شاركت في استجواب الاسري الاسرائيليين وذهبت أول مرة إلي السجن, طلبت أحد المهندسين العسكريين الإسرائيليين الذين كانوا مسئولين عن إشعال مادة النابالم وسألته: لماذا لم تشعل النابالم كما كنتم تهددون؟ فأجاب: لم أتوقع أن تعبروا وعندما أيقنت أنكم تعبرون بالفعل, حاولت الإشعال, لكني وزملائي وجدنا المدفعية والطيران تمطرنا بوابل من الصواريخ والقنابل, فلم نستطع عمل شيء غير إنقاذ أهدافنا. ويقول اللواء حمدي بخيت الخبير الاستراتيجي والذي شارك في حرب أكتوبر في الاستطلاع إن القوات المسلحة نجحت في خداع الاقمار الصناعية التي ترصد تحرك القوات علي الارض ضمن خطة الخداع الاستراتيجي حيث تعتبر هذه الخطوة من أدهي الخطوات التي قام بها الجيش في خطة الخداع الرهيبة, فقد كان الجيش علي دراية كبيرة بأجهزة الاستطلاع الجوي التي تستخدم في التقاط الصور ونقلها بكفاءة خاصة الأقمار الصناعية المزودة بمعدات التصوير الحراري التي تستطيع التقاط صور واضحة لتحركات المعدات حتي بعد أن تغادر اماكنها بدقة متناهية ولم تكن هناك وسيلة لاخفاء طوابير العربات والمصفحات والدبابات وقطع المدفعية عن عدسات هذه الاقمار التي لا تكف عن الدوران حول الارض في مسارات عديدة منتظمة.. الا ان الدراسة المصرية المتأنية أثبتت انه بالإمكان خداعها. فقد كان من المعروف لدي خبراء الاستطلاع الجوي المصري ان هذه الاقمار تحلل الالوان الي32 لونا تتدرج من الأبيض الناصع الي الاسود القاتم ثم ترسل مشاهداتها علي هيئة ارقام يعبر كل منها عن لون المربع الواضح في الصورة وفي مراكز الاستقبال الارضية يعاد استبدال الارقام بمربعات لها نفس درجة اللون فتكون الصورة الحقيقية مرة أخري. وقد نوقشت مشكلة الاقمار الصناعية في وقت مبكر بعد ان اتخذ قرار الحرب, وكان رأي المشير فيما بعد عبد الغني الجمسي أن القمر الصناعي عبارة عن جاسوس ابكم يمكن رصدة وخداعه بسهولة واستقر الرأي علي تشكيل مجموعة بحث لدراسة الوسائل الكفيلة بتضليل الأقمار الصناعية. وكانت ثمرة عملها معجزة حقيقية حيث وضعت مجموعة البحث في اعتبارها شبكة الطرق المؤدية إلي جبهة القتال ومواصفاتها ثم مدارات الاقمار الصناعية ومواقيت اطلاقها بالثانية وبعد ذلك قامت المجموعة بوضع عدد من الجداول الزمنية الشديدة التعقيد والدقة. أوضحت الجداول مواعيد تحرك القطارات الناقلة للجنود واماكن توقفها ومدة التوقف بالثانية!, مع اصدار اوامر مشددة باتباع هذه الجداول بمنتهي الدقة وعلي هذا الاساس كانت الطوابير تتحرك الي الجبهة في مجموعات صغيرة فوق طرق مختارة بعناية ثم تعود العربات الخالية بمجموعات كبيرة في وقت مناسب لكي يمر من فوقها القمر الصناعي الباحث عن المعلومات وهكذا استقبلت مراكز دراسة الصور الجوية صورا كثيرة لكنها تؤدي الي استنتاج معاكس للحقيقة وكان هذا هو الهدف المطلوب حتي تحقق النصر.