هي الوصلة البرية بين أفريقيا وآسيا, وقنطرة النيل إلي الأردن والفرات. هي بلاد الضيافة والكرم والغزو والنجدة والأخذ بالثأر وتعظيم الجميل والافتخار بالنسب والشجاعة, والأهم حب الحرية وعشق الكرامة. هي.. خيام الشعر وعرائس القش والشجر والمنسف والكبر والدفية والجعدان الملتف حول أجساد هلها القوية الشامخة. وهي ذاك البرقع المطرزة خيوطه الحريرية والمزينة بقطع الذهب التي لا تبرز سوي عيون الحور.هي.. الحجج والقوانين العرفية.. وجبال التيه والحلال والمنشرح واللبني ويلق. هي تلك الأرض التي أبي أهلها الانحناء والاستسلام للاستعمار والاحتلال بمختلف ألوانه وأشكاله, بدءا بالتركي مرورا بالإنجليزي وحتي الإسرائيلي. هي الوحيدة التي قال أهلها لا في وجه من قالوا نعم لثلاثين عاما من تاريخ هذا الوطن عاشها الجميع في قهر وذل واستسلام. وهي أكثر بقعة علي أرض مصر قدمت آلاف الشهداء, ليس علي يد الإسرائيليين فحسب, بل علي يد رجال أمن الدولة من النظام السابق الذي لم يحمل لنا عزا ولا كرامة. والأهم والأخطر والأسخن انها بوابة مصر التاريخية وحامي حمي امنها القومي. هي ببساطة سيناء. قد يتبادر إلي ذهن القارئ سؤال تتلخص كلماته في: لماذا نفتح ملف سيناء الآن؟ خاصة وأن مصر كلها مشتعلة بل وكما يقولون فوق صفيح ساخن منذ قيام ثورتنا الشعبية في25 يناير... فلدينا ما يكفينا من قصص التحرير وروايات الانتخابات والأحزاب والبلطجة والسرقات والانفلات الأمني والكثير والكثير من الأسئلة التي تحتاج إلي إجابات وافية. والحق ان هناك من المبررات القوية التي دفعتنا دفعا لزيارة سيناء في هذا الوقت لأن ننطلق مهرولين بل نحزم قرارنا وأمتعتنا لنسافر إلي سيناء وتحديدا شمالها. الأمر الاول ما يقال ويتردد في جنبات كثير من الأماكن من صوت الجماعات الاسلامية الذي يبدو عاليا ورافعا شعارات ولافتات تبشر بأن سيناء اصبحت إمارة إسلامية وكأن مصر قد قسمت وكان لسيناء نصيب الاختيار كأول دويلة داخل بلادنا وأظن انه لا يخفي علي أحد ما قامت به قواتنا المسلحة خلال عملية النسر إثر تلك الأحداث للقضاء علي تلك الأصوات. والحق لم تكن دماء شهدائنا علي الحدود أقل أهمية, ندهتنا أصواتهم من بعيد والتي سالت علي يد الكيان الصهيوني المجاور لنا فلم نملك إلا أن نطلق لأقدامنا العنان لنركب كعوب الرياح لنعبر كوبري السلام لنجد انفسنا علي تلك الأرض المقدسة لعلنا نلبي نداء شهدائنا علي الحدود. أما عن السؤال الذي حاصرنا طوال طريقنا إلي ارض الفيروز فهو: لماذا دائما ما يلقي البعض بتهمة التخوين علي أبناء المنطقة هناك بل ويلقبونهم ب يهود سيناء؟ ولماذا ينظر الكثيرون اليهم بعين التوجس والريبة وربما يصل الأمر إلي حد الشك؟ لماذا يلاحقهم الكثير من الاتهامات ليس بالتخوين فحسب بل أيضا بالإتجار في المخدرات والسلاح والعمل بالتهريب من خلال الأنفاق؟ أما السؤال الذي ظل يخيم بظلاله علينا في كل خطوة نخطوها علي ارض سيناء منذ اللحظة الأولي فهو أين تنمية سيناء؟ أين ذهبت المانشيتات والخطب العصماء في كل عيد تحرير لهذه الأرض والأحاديث الواهية عن مشروعات التعمير والاستصلاح والبنية التحتية وما اليه من حجج سرقة ميزانية الدولة؟ كل شبر هنا كان يصرخ في وجوهنا لا شيء سوي رمال وأرض جدباء وبشر من هول الحياة موتي علي قيد الأمل وبين كل ذلك أمل في ان تعبر المياه ترعة السلام.. أمل ينتظره السيناوية بشوق يفوق شوقهم لعبور خط بارليف, أمل في مياه نظيفة تروي ظمأ اشجار الزيتون ثروة مصر المكنونة في رمال سيناء, ومدرسة يحيي فيها اطفالهم علم مصر كل صباح ليكتبوا في كراساتهم ميم فتحة.. مصر, ومستشفي يتلقون فيه شيئا من العلاج, أمل يسوقهم إلي معاندة الطبيعة والطبع والظروف ليقولوها صريحة عالية دامعة ودنا نعيش.. نحنا ودنا خير لبلادنا. وعلي الطريق.. قررنا أن نستريح قليلا من تلك الصور التي عصفت أذهاننا لنقولها متنهدين آه وألف آه.. لنتابع بعضا من أمور سيناء التي تقع في بداية قارة آسيا إلا أن الثابت تاريخيا أنها أرض مصرية يقطنها شعب مصري منذ قدماء المصريين وحتي الفتح الإسلامي علي يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وكلمته المعروفة لعمرو بن العاص عندما دخل منطقة العريش مساؤكم سعيد لتسمي تلك المنطقة مساعيد. وقد شهدت سيناء ألوانا وأشكالا الاستعمار منذ الحقبة العثمانية التي أهملت وتجاهلت تلك البقعة, ثم الحملة الفرنسية التي وقف في وجهها بدو القبائل بقوة واستبسال ليسقط منهم المئات قتلي, ثم الخديوية ليبدأ محمد علي حملاته العسكرية إلي بلاد الشام ومعها يبدأ الاهتمام ويتم بناء القنطرة شرق أولي المدن المصرية شرق قناة السويس. ثم الخديو توفيق والخضوع للاحتلال البريطاني فيرفض وطنيو سيناء مرة أخري عرضا من بالمر ضابط المخابرات الإنجليزي لبيع الجمال له ويصفون ذلك بالخيانة للوطن, ويفور دمهم غيرة علي مصر فيقتلوه ومرافقيه الكابتن جل و تتسارنتن ونجور حن اليهودي ثم يقتل لامة أبو عويدات ابن قبيلة السواركة العديد من البريطانيين ويستولي علي اسلحتهم ويرسلها إلي إخواننا في فلسطين. أفقت علي صوت محمد سائقنا إلي سيناء لنستكمل رحلتنا ونحلق بسيارتنا فوق كوبري السلام, تحتنا قناة السويس بقوتها وجمال مياهها, السفن الضخمة تبدو صغيرة ونسمة هواء عليلة تدخل صدورنا. وها نحن ندخل إلي شمال سيناء دون أن يعترضنا أحد باستثناء بعض الجنود الذين تعاملوا معنا باحترام بعد أن عرفوا إننا صحفيون حتي تفتح الصدور قبل الحواجز وتعتلي الوجوه ابتسامه حقيقية من القلب.. ابتسامة لم تختلف عن تلك التي بدت علي وجوه ابناء سيناء في استقبالنا لتزيد حدة توترنا وإلحاح تساؤلاتنا هل سننجح في الاقتراب من نبض الأهل في سيناء لننقل بصدق شديد المعاناة التي عاناها جزء مهم ونسيج قوي لا يتجزأ من جسد الوطن علي يد النظام السابق, والذي مازالت آثاره موجودة في قلب كل سيناوي وعلي جدران منازله؟ وهل نرصد تاريخ النضال السيناوي بداية من المجاهدين نهاية بشهداء الحدود؟ وهل سنعرف حقيقة ما حدث في سيناء, أم ان الاحداث لاقت تهويلا إعلاميا صورت لنا هذه الارض علي أنها وكر للارهابيين؟ وتزايدت تساؤلاتنا هل نجلس مع معظم القبائل في العريش والشيخ زويد ليفتحوا لنا قلوبهم بما تفيض به من حكايات, هل سنصل إلي نقطة الحدود المصرية الإسرائيلية لنري العلم الاسرائيلي ونصف هذا المشهد علي خط الحدود؟ وهل سنصحبك قارئ سطورنا إلي وسط سيناء حيث اخصب وأنقي تربة يمكن ان تتحول إلي اخضرار لولا ايد خفية أرادت لها ان تكون صحراء جرداء.. لا مكان فيها سوي للعزازمة؟ تلك القبائل المتناثرة المبعثرة في الصحراء السيناوية العتيقة علي بعد2 كيلو متر من اسرائيل, وهي القبائل التي لم يحصل أبناؤها علي الجنسية المصرية حتي الآن, هوياتهم ما هي إلا جوازات سفر مكتوب فيها.. غير معين الجنسية والأصل فلسطيني هل سنحصد حكاياتهم وحواديتهم؟ وهل سنعرف حكاية السلاح الذي لا يخلو بيت واحد في سيناء منه, وحدوتته ومدي حقيقة أو أكذوبة إتجار البدو في المخدرات والبانجو والأفيون؟ تساؤلات عديدة تبحث لها عن إجابة وما بين التساؤلات والإجابات نفتح هذا الملف لمنطقة فريدة في كل شيء ومواطنين قالوا لا في وجه كل من قالوا نعم.