يخطئ من يعتقد أن مصر سوف تقلد نموذجا مستوردا مهما يكن ناجحا في بلده, وهذا لا يعني عدم التفاعل مع التجارب الأخري المميزة, كما هو الحال في تركيا.وقد تحدثنا أمس عن الجدل المثار عقب الزيارة المهمة لرئيس الوزراء أردوغان للقاهرة, وقلنا إن الترحيب الشعبي بالمواقف التركية تجاه إسرائيل والتأييد المطلق للشعب الفلسطيني وضرورة رفع الحصار عن غزة, هذا الترحيب لا يجيز مجرد المقارنة مع ما قدمته مصر للقضية الفلسطينية عبر التاريخ ومن خلال الحروب المتتالية التي سقط خلالها عشرات الآلاف من الشهداء وكانت السبب الرئيسي لتراجع الاقتصاد المصري طوال عقود من الزمان قبل أن تضاف لائحة قضايا الفساد!! واختصارا لهذا الجدل وحسما له, نقول إن المستقبل القريب سوف يشهد نموذجا فريدا لمصر تتباهي به أمام العالم أجمع, وليس بكثير علي أرض الكنانة التي أذهلت الدنيا بحضارتها وثورتها أن تقدم مثل هذا النموذج الذي تتفاعل الآن عناصره ليخرج إلينا مكتملا وناضجا علي مشهد السخونة الحالي. شعب مصر يستطيع الآن بعد أن تحرر من القيود والأنماط التقليدية أن يرسم ملامح النهضة القادمة التي تتفق مع القيم الأصيلة والسمات الواضحة لحضارة تمتد جذورها في أعماق التاريخ ولا يحتاج الأمر سوي إزالة الغبار العالق فوقها بفعل الاستعمار القديم, وعبث المتربحين والمتاجرين بالموارد والثروات الطبيعية. سيكون لمصر نموذجها الفريد ولن تلجأ لاستنساخ التركي أو الصيني أو الياباني, وغيره, وذلك لأن المصري إذا أتيحت له الأجواء المناسبة وترسخت عوامل العدالة والشفافية والحرية, فإنه يظهر عبقرية لا حدود لها, وقوة تحمل ومسئولية هي مضرب الأمثال في البلدان القريبة والبعيدة التي يعيش فيها الآلاف من المصريين الذين يحققون نجاحات تفوق الوصف. علينا فقط إنجاز المرحلة الانتقالية وتحديد خطوات العمل الواجبة وصولا لأهداف محددة يجب الالتزام بها والمحاسبة عليها بلا شبهة المجاملة والتربح والفساد. وصدقا نقول إن لمصر موارد متعددة وهائلة ولكن يبقي أهمها هو هذا الإنسان الذي عاني طويلا من الحرمان والقهر, وجري تعذيبه نفسيا للحصول علي رغيف الخبز وأنبوبة الغاز, وعندما يستشعر بالعدالة من حوله, فسوف يقدم للبشرية حضارة جديدة تنافس عهد الأهرامات, ولم لا وهو الذي صنع الأولي وقادر علي إنجاز الثانية لأنها هذه المرة من أجله وأبنائه وأحفاده.