أظهرت زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للقاهرة حالة الجدل التي باتت تصاحب كل الأحداث الكبري التي نعيشها وقد ذهب البعض في الترحيب والحفاوة بالضيف الي الدعوة لتطبيق النموذج التركي.. فيما أعاد البعض الآخر للذاكرة مساوئ الاستعمار القديم وخطايا الامبراطورية العثمانية المنهارة. وبين هذا وذاك تقف الحقيقة عند منتصف الطريق, وبدون تهوين او تهويل لابد أن نعطي الزيارة قدرها وأهميتها القصوي بالنظر الي توقيتها والمواقف الشجاعة لهذا الزعيم وللدولة القادم منها, وكما ذهبنا قبيل وصولة بالقول ان التاريخ سوف يذكر له السبق في الحضور واعلان المساندة والدعم في لحظة فارقة تخوض فيها مصر معاناة التحول الديمقراطي وتواجه العقبات والأزمات المصاحبة لها, وبالتالي يكون علينا ان نسجل لاردوغان رصيدا متصاعدا ليس فقط علي خلفية حرصه علي البدء بزيارة القاهرة خلال جولته العربية, وانما ايضا لمواقفه الواضحة والمتشددة ازاء السلوك الاسرائيلي الخارج علي القانون الدولي وقيامه بمراجعة شاملة لعلاقات بلاده بالدولة العبرية.. فيما يعد درسا قاسيا وصفعات متتالية علي وجه حكومة نتانياهو. وهنا تحديدا تكون المقارنة خاطئة تماما عندما يحاول البعض المزايدة بالموقف التركي علي حساب ماتتخذه مصر من خطوات تجاه اسرائيل, فنحن نتحدث عن تاريخ واضح لايقبل الجدل بالنظر الي الحروب المتتالية التي خاضتها مصر دفاعا عن فلسطين والقضايا العربية وقدمت خلالها عشرات الآلاف من الشهداء الابرار الذين ارتوت بدمائهم رمال سيناء ومدن القناة وبقية المناطق المصرية, كما استنزفت تلك الحروب الموارد الاقتصادية علي مدي عقود من الزمان, وفي المقابل لم تدخل تركيا حربا واحدة ضد إسرائيل بل انها اقامت معها علاقات عسكرية معروفة ومعلنة وتبادلا تجاريا تصل ارقامه الي عشرة مليارات دولار في العام الواحد. لانقول ذلك للادانة وانما للتذكرة وبدون الانتقاص من الخطوات التركية الاخيرة التي جمدت التعاون العسكري مع تل أبيب وسحبت سفيرها من هناك ووجهت إنذارا واضحا بضرورة السماح مستقبلا للسفن بالوصول الي غزة لانها ستكون تحت حماية البحرية التركية. وبالتالي هناك فارق كبير بين الترحيب بالصداقة مع تركيا وفتح صفحات جديدة بالشراكة والتعاون معها في كل المجالات, وكذلك الترحيب بخطواتها المتصاعدة تجاه اسرائيل, وبين المقارنة والمزايدة علي مادفعته مصر وماتقوم به من خطوات مدروسة ومحسوبة حيث تخضع القرارات المصيرية لمقاييس واستراتيجية لا مجال فيها للقرارات الانفعالية.