ما تعرضت له آثار مصر في أعقاب ثورة25 يناير من سلب ونهب ونبش وسرقة وبيع بالجملة وبالقطاعي أمر خطير لا يمكن السكوت عليه ولا تجاهله, بل يجب بحث التدابير اللازمة لاستعادة ما تمت سرقته ومحاسبة اللصوص والمسئولين الذين قصروا في حماية هذا التراث الإنساني الهائل. ولكن قبل التفكير في استعادة الآثار المنهوبة يجب أولا حسم الجدل الدائر بشأن الكيان المسئول عن آثار مصر كلها وهل تكون وزارة مستقلة مسئولة عن كل شئونها أم هيئة تابعة لمجلس الوزراء, وما هي المخاوف والمزايا من وراء كل اختيار؟ علما بأن الآثار تعد ثاني مصدر للدخل القومي في مصر بعد قناة السويس. يقول الدكتور مختار الكسباني مستشار الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار مدافعا عن الاتجاه الثاني: الآثار يجب أن تعامل مثل قناة السويس باعتبارهما أهم مصادر الدخل القومي المصري فالقناة لاتتبع أي وزير ويجب كذلك بالنسبة للآثار. محذرا من أن أي أهمال في حق التراث الأثري سيخضع مصر لعقوبات دولية لكونه مسجلا ضمن التراث الإنساني العالمي الأمر الذي دعا إلي اقتراح تولي مسئولية الآثار مجلس أعلي أو هيئة عامة تتبع رئيس مجلس الوزراء بشكل مباشر. وطالب الكسباني بتعديل قانون الآثار خاصة الأجزاء المتضمنة صلاحيات وزير الثقافة في الأمور الإدارية مشيرا إلي أن من يتولي العمل في الأمور الفنية داخل المجلس الأعلي للآثار هي اللجان العلمية بما يجعل أمين عام المجلس أو رئيس الهيئة المقترحة منسقا بين القطاعات المختلفة الأمر الذي يتطلب أن يكون فنيا يجيد العمل الإداري. ومن جانبه أكد الدكتور أسامة عبد الوارث مدير متحف النوبة أن العمل الأثري يجب أن يبتعد عن تقلبات السياسة محذرا من تأثير التغيرات الكثيرة علي طبيعة العمل الذي يحتاج استقرارا نظرا لأنه يعتمد علي خطط طويلة المدي مثلما الحال بالنسبة لمشروعات انقاذ آثار النوبة الذي يجري العمل في بعضها منذ الستينيات وحتي اليوم الأمر الذي يتطلب نظاما إداريا مستقرا له صلاحيات واسعة وفقا لطبيعة العمل. وأشار عبد الوارث إلي ارتباط العديد من المشروعات الأثرية الكبري في مصر بالجهات الدولية نظرا للدعم الدولي من منظمة اليونسكو وغيرها أو الحملات العالمية الأمر الذي يتطلب استقرارا وعدم التقلبات في القرارات المحلية أو الجهات الإدارية المشرفة لعدم حدوث تخبط يعيق استمرار الدعم. وطالب عبد الوارث بضرورة استثمار الأحداث بسلبياتها وايجابياتها فيما يتعلق بحماية الآثار مشيرا إلي أن الانفلات الأمني وما صاحبه من نهب وتدمير للآثار يجب أن يزيد الحذر حولها في حين أن حماية الشباب للمتحف المصري يجب أن يتم استثماره كصورة ايجابية عن حماية الشعب المصري لآثاره وزيادة الوعي الأثري لدي المصريين بهذا الشأن. فيما يدافع الدكتور محمود مرسي أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة عن إنشاء وزارة مستقلة للآثار معتبرا ذلك هو الوضع الطبيعي والأساسي لما تتميز به من ثقل علي المستويين التاريخي والاقتصادي الأمر الذي يتحتم معه استمرارفصلها عن وزارة الثقافة وعودتها كوزارة مستقلة لشئون الآثار أو دمج وزارة السياحة معها لتكون وزارة واحدة مسئولة عن الآثار والتنشيط السياحي باعتبار أن السياحة الأثرية هي الجزء الأكبر من النشاط السياحي في مصر. وطالب مرسي القائمين علي شئون الآثار المصرية بالبعد عن الصراعات الشخصية لمصالح أطراف معينة وتغليب المصلحة المصرية العامة فيما يتعلق بأمور التراث الأثري المصري وإدارته قائلا: الآثار ملك المصريين فيها تاريخهم واقتصادهم ويجب مراعاة ذلك فمصر لا تقف علي شخص مهما كان شخصه أو موقعه الأمر الذي يعني اعلاء الحفاظ علي تراثها قبل الحديث عن الهيكل الإداري المسئول.