أثارت الاستقالة الجماعية التي تقدم بها أعضاء لجنة الدراما, بالمجلس الأعلي للإعلام الكثير من الجدل والتساؤلات حول دور هذه اللجنة غير الواضح, والتي اعترض عليها الكثير من المبدعين, واعتبروها وسيلة جديدة لتقييد حرية الإبداع, وكان من الأولي البحث عن وسائل للارتقاء بالمستوي الفني وتطوير صناعة الدراما, وفي ظل هذا الجدل توالت مؤخرا الاعتذارات عن عضوية اللجنة في التشكيل الجديدة الذي كان من المفترض أن يعلن عنه المجلس الأعلي للإعلام منذ الأسبوع الماضي, حيث اعتذر الكاتب يسري الجندي والناقد يوسف شريف رزق الله عن تولي رئاستها, وأكد الجندي في تصريحات له أن اختصاصات اللجنة ودورها غير واضح, متسائلا هل دورها رقابي أم تطويري. وعلي الجانب الآخر, أصدر المخرج الكبير محمد فاضل, رئيس اللجنة السابق بيانا بموافقة جميع الأعضاء يتضمن تفاصيل عمل لجنة الدراما, خلال الأشهر الستة الماضية والمهام التي قامت بها منذ بداية تشكيلها وحتي إعلان الاستقالة, بالإضافة إلي أسباب قرارهم وتوصياتهم, حيث عقدت اللجنة20 اجتماعا خلال فترة عملها واجتمعت برؤساء الشبكات والمشرفين علي قنوات الدراما وعدد من المنتجين بغرفة صناعة السينما, وأصدرت معايير الدراما المصرية وتمت مناقشتها مع أعضاء لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب ثم أصدر المجلس الأعلي قرارا بها, بجانب العديد من الدراسات والأبحاث الخاصة بكل جوانب العمل الدرامي. وردت اللجنة المستقيلة في بيانها علي بعض الانتقادات التي وجهت إليها مؤخرا ومن بينها أنها اهتمت بالألفاظ الخادشة والمشاهد الخارجة فقط دون الاهتمام بجودة العمل الدرامي نفسه, وأشارت في بيانها إلي أن توصياتها لم تقف عند الألفاظ والمشاهد الخارجة فقط, بل إن تركيزها كلجنة متخصصة لديها الخبرات الكافية كان علي المحتوي في العمل الدرامي, ودارت معظم الأعمال حول فكرة الانتقام وأخذ الحق باليد بعيدا عن سلطة القانون سواء كان المنتقم مجرما أو ضابط شرطة, مع الإشارة إلي تأثير ما يتضمنه هذا المحتوي من خطر داهم علي عقول الشباب والصبية, بالإضافة إلي سيادة مشاهد العنف علي الشاشات المصرية وامتلائها بالمدافع الرشاشة والمسدسات والانفجارات والحرائق وأنهار الدماء والابتكارات في وسائل التعذيب ليس للمتحاربين فقط بل أيضا للمشاهدين, أما عن مشاهد المخدرات فلم تكتف اللجنة بمتابعتها بنفسها بل اعتمدت بشكل أساسي علي مرصد متخصص تابع لصندوق مكافحة الإدمان والتعاطي الذي طالب في خطاب رسمي موثق بأسطوانة مدمجة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة, طبقا للبروتوكول الموقع بين المجلس الأعلي والصندوق. وأشارت اللجنة إلي أنها أدت دورها باستصدار قرار من رئيس المجلس لاتخاذ إجراء قانوني ضد أحد المسلسلات, ولكن القرار لم يتم تفعيله, وأكد أعضاء اللجنة في بيانهم إلي أن اللجنة استشعرت أن جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية التابع لوزارة الثقافة عاجز عن أداء دوره بالكامل, بسبب عشوائية الآليات التي يجري بها الإنتاج الدرامي,الأمر الذي لا يمكن هذا الجهاز من مشاهدة الأعمال الفنية قبل بثها أو حتي قراءة السيناريوهات كاملة قبل بدء التنفيذ, ولهذا طالبت بضرورة التنسيق مع هذا الجهاز إعمالا للبند الأول من المادة الخامسة من قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام الذي ينص علي إجراء الحوار البناء مع المؤسسات المعنية ومؤسسات الدولة من أجل تحسين بيئة العمل الصحفي والإعلامي. وأشار أعضاء اللجنة في بيانهم إلي عدد من التوصيات الأخري المتعلقة بضبط نسبة الإعلانات التي تعرض علي الشاشة لاستياء المشاهدين من كثرتها وطول مدة الفواصل الإعلانية التي أفسدت متعة المشاهدة, وتوصية أخري بتأسيس مهرجان قومي للدراما التليفزيونية أسوة بمهرجاني القومي للسينما والقومي للمسرح لتشجيع الأعمال الإبداعية المتميزة واقترحت إقامته في شهر نوفمبر من كل عام, بالإضافة إلي ضرورة الاستعانة بجهاز أو جهة موثوقة لقياس الرأي العام بمصداقية بعيدا عن البيانات المضللة, وضرورة مراجعة المسلسلات التي عرضت في رمضان قبل إعادة عرضها لتلافي المخالفات التي رصدتها اللجنة في العرض الأول. وأكدوا أنه علي الرغم من مضي بضعة أشهر علي بعض التوصيات وأكثر من نصف الشهر علي توصيات دراما رمضان إلا أنه لم يتم تنفيذ أو مناقشة أي منها, الأمر الذي استشعرت معه اللجنة أنها غير قادرة علي الاستمرار في عملها واختتمت اللجنة بيانها بمناشدة مجلس النواب عند إصداره القوانين والتشريعات المتعلقة بالثقافة والفنون والإعلام بضرورة توفير آليات التنفيذ تضمن تحقيق الأهداف التي من أجلها شرع القانون وحتي لا تتحول المسائل إلي إنشاء مجالس ولجان تتفرع منها لجان تنبثق منها لجان تصدر توصيات لا تنفذ ولا يجني المواطن أي شيء. وفي الوقت الذي أصدرت فيه اللجنة المستقيلة بيانها يستعد المجلس الأعلي للإعلام لإعلان عن التشكيل الجديد للجنة الدراما خلال الساعات القليلة المقبلة, والتي ستواجه المشكلة نفسها المتعلقة بمدي إمكان تفعيل توصياتها علي أرض الواقع, إلي جانب مواجهة رفض وانتقادات عدد من المبدعين الذين يرفضون وضع قيود جديدة علي الإبداع. ويري الكاتب مجدي صابر أن تشكيل لجنة الدراما من أساسها كان خطأ, مضيفا مع احترامي الكامل لكل أعضاء اللجنة لكن تشكيلها من الأساس خطأ لأنه لا يحق لهذه اللجنة مراقبة الدراما وصناعها, بما أن هناك جهات قانونية منوطة بهذا الدور مثل الرقابة علي المصنفات الفنية ولجان القراءة والمشاهدة الخاصة بالقنوات التليفزيونية, وهي لجان لديها من الخبرة والمرونة الكافية للتعامل مع صناع الدراما, فإذا كانت هذه اللجان تقوم بدورها وتشاهد الأعمال وترقبها فما الحاجة لتشكيل لجنة جديدة. وأضاف أن هناك تضاربا بين عمل هذه اللجنة واختصاصات الرقابة علي المصنفات الفنية, مشيرا إلي ضد استخدام الألفاظ الخارجة في الأعمال الدرامية, ولكن من الذي يحدد إذا كان هذا اللفظ خارجا أم لا, وإذا كان مشهد ما مسيئا أم يصلح للظهور علي الشاشة; إن هذه الأمور مختلطة ولا يمكن تحديدها بشكل دقيق, بالإضافة إلي أنه من الصعب التحكم فيها في ظل زمن القنوات والسماوات المفتوحة. وأكد أنه لا يعتقد أن المجلس الأعلي للإعلام سيعيد تشكيل لجنة الدراما بأعضاء جدد أو ببعض الأعضاء السابقين, لأنه قد ثبت بالفعل فشل التجربة, مشيرا إلي أن لجنة الدراما تقدمت باستقالة مسببة ومن بين الأسباب التي دعت أعضاءها للاستقالة الجماعية أن توصياتها وقراراتها لم تفعل ولم يتم العمل, مؤكدا أن تفعيل مثل هذه القرارات أمر في منتهي الصعوبة, خاصة فيما يتعلق بفرض عقوبات مالية علي استخدام الألفاظ الخارجة والذي أثار جدلا كبيرا. وأشار إلي أنه يعتبر فكرة فرض لجنة الدراما لموضوعات محددة علي الكتاب وصناع الدراما لمناقشتها ضد حرية الإبداع وحرية الرأي, فالكاتب لا يعمل بتوجيه وإنما أعماله نابعة من وحي خياله وضميره المهني وإحساسه بمجتمع ولا ينتظر توجيها من أحد, مضيفا أنه عندما اجتمع وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف بكتاب الدراما في أثناء فترة حكم حسني مبارك لكي يطالبهم بعدم إظهار شخصية رجل الأعمال في الأعمال الدرامية علي أنه فاسد, رفض كل الكتاب طلبه ولم يستمع إليه أحد, لأن المهن التي تعتد علي الكتابة والقلم مثل الصحفي والكاتب لا بد أن تكون حرة دون قيود لأنها محكومة بضمير الكاتب ولا تحكمها لجان أو قواعد من أحد. وقال المنتج محمد العدل: إنه لا أحد يفهم دور هذه اللجنة حتي الآن, مشيرا إلي أنه يعتقد أن أعضاءها أنفسهم الذين استقالوا مؤخرا لا يعرفون دورها, وربما يكون هذا أحد أسباب تقدمهم بالاستقالة, فعملهم يتداخل مع دور الرقابة علي المصنفات الفنية, والتي تعتمد في عملها علي وجود عمل فني يعرض عليها, أما هذه اللجنة فهي تشاهد الأعمال بعد إنتاجها وتضع عليها المحاذير, وهو ما لم نر من قبل إلا في القنوات والمحطات التليفزيونية السعودية في الماضي والتي كانت تضع المحاذير علي الأعمال المعروضة. وأضاف أن هذه اللجنة اختراع لا يفهمه حتي صناعه, واكتشف أعضاؤها مؤخرا أنهم بلا دور وربما لهذا استقالوا رغم أنهم لم يعلنوا عن أسباب الاستقالة مباشرة وأجلوا إعلان الأسباب بعض الوقت, في حين أنهم لم يعلمونا بأسباب تأسيس اللجنة من الأصل والدور المنوط بها حتي يعلنوا الآن أسباب انسحابهم. وأشار إلي أن الكثيرين اعترضوا علي هذه اللجنة منذ بداية تأسيسها ولم يكن الاعتراض علي شخص الأعضاء فيها وإنما علي السلوكيات التي انتهجوها والآراء التي طرحوها من خلال هذه اللجنة, بالإضافة إلي تداخل دورها مع الرقابة, مؤكدا أن الدولة عليها احترام الرقابة علي المصنفات الفنية التي تعتبر واحدة من مؤسساتها. وقال: إنه يعتبر الجدل الذي أثير حول استخدام ألفاظ في الأعمال الدرامية وما قيل في هذا الشأن عيب كبير وشيء مخجل أحرجنا أمام العالم, مضيفا أن رئيس اللجنة نفسه المخرج محمد فاضل يدرك أنه إذا كانت هذه اللجنة موجودة منذ فترة وتعمل بالفكر نفسه الذي تدار به الآن لكانت نصف أعماله قد رفضت ومنع إنتاجها من الأساس. وقال الناقد د.وليد سيف: إن فكرة اللجان أصبحت مشبوهة وعندما نسمعها نتحسس مسدسنا, والمطلوب من أي لجنة أن تكون اختصاصاتها واضحة للجميع ولا يكون الشكل المباشر لها هو أنها اتجاه يسير مع التيار الحالي الذي يحد من حرية الفن, مضيفا أنه كان من الأفضل لمثل هذه اللجنة أن يكون دورها متعلقا باختيار الأعمال الفنية الأنسب من حيث المستوي الفني, فتكون عبارة عن لجنة قراءة وتوصيات للاهتمام بالفن والإبداع. وأضاف أن فكرة اهتمام هذه اللجنة بالأخلاق يعتبر مفهوما ضيقا جدا وليست له علاقة بالفن والإبداع, فالفن الجيد هو بالتأكيد فن يرتقي بالأخلاق والحضارة ويدفع نحو التقدم حتي لو كان البعض يري غير ذلك, مؤكدا أنه عندما نبحث عن التطور يجب أن يكون تشكيل لجنة مثل هذه يهتم بالتنوع والتخصصية لقراءة السيناريوهات وتطويرها واختيار أعمال ذات مستوي فني راق, فتضم اللجنة كتابا ومخرجين ونقادا ملمين بكل النواحي الفنية ومسئولين عن الإنتاج والتوزيع, ويتم اختيارهم بشفافية ويكون الهدف الأول والأخير لهذه اللجنة هو الارتقاء بالمستوي الفني وليس أي شيء آخر. ورفض المخرج حسني صالح التعليق علي عمل لجنة الدراما, مؤكدا أن من اعتاد علي تقديم عمل جيد سيظل يعمل في هذا الإطار ويقدم أفضل ما لديه علي الشاشة أيا كانت الظروف ومن اعتاد علي تقديم السيئ سيظل سيئا, فالأمر يعتمد علي ضمير المبدع. وقال أحمد جمال سليم الأمين العام للمجلس الأعلي للإعلام: إن المجلس يستعد لإعلان التشكيل الجديد للجنة الدراما اليوم أو غدا علي أقصي تقدير; حيث تم ترشيح العديد من الأسماء والتي يجري حاليا التنسيق معها, للإعلان عنها قريبا بعد موافقة الطرفين, مشيرا إلي أن التشكيل يضم نقادا وفنانين وكتابا وبالإضافة إلي ممثلين عن النقابات الفنية تقوم هذه النقابات بترشيحهم. وعن قرارات وتوصيات اللجنة السابقة أشار سليم إلي أن التوصيات التي صدرت بها قرارات رسمية من المجلس الأعلي للإعلام سيتم تفعيلها, أما التوصيات التي لم يصدر بها قرار بعد فسيعاد النظر فيها ومناقشتها مرة أخري مع أعضاء اللجنة الجديدة للبت فيها. وعارض سليم الانتقادات الموجهة للجنة بأن عملها يتعارض مع الرقابة علي المصنفات الفنية مؤكدا أن الرقابة لها توجه مختلف وتتبع وزارة الثقافة ومعنية بشكل أساسي بالأفلام السينمائية, بينما تضع اللجنة التابعة للمجلس الأعلي للإعلام معايير للدراما ومعنية بشكل أساسي بالتعامل مع الشاشات التليفزيونية.