من تأمل الشريعة الإسلامية وجد أنها اعتنت بمعايش الناس, وجعلت قضية الطعام ذات بال في حياتهم وأرزاقهم, وأولتها عناية عظيمة, فسدت كل طريق لاحتكار الطعام, أو التضييق علي الناس فيه, وفتحت كل طريق يؤدي إلي إطعام الطعام وبذله, ورتبت عليه الأجور العظام. ولهذا كان إطعام الطعام شعيرة من شعائر الإسلام تدل علي كريم معدن الإنسان, وتحمي المحرومين وتمنع من المهالك. يقول الدكتور عبدالتواب محمد عثمان بكلية الدراسات الإسلامية و العربية جامعة الأزهر: إن اختلالها وضياعها يؤدي إلي الاضطراب والفتن وذهاب الأمن, والتاريخ القديم والمعاصر يدل علي ذلك; فكثير من الاضطرابات علي مر التاريخ نتجت بسبب البطالة, والفقر والجوع. ولمراعاة ذلك أمر الله, تعالي, بإطعام الطعام في كتابه الكريم, فقال:{ والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون}, الحج:36]. وقد كان هذا من أول ما عرف عن النبي, حتي قبل البعثة الكريمة, ولذلك فإن خديجة رضي الله عنها لما رأت ما أصاب النبي, بعد لقاء جبريل لأول مرة واسته بقولها: كلا أبشر, فوالله لا يخزيك الله أبدا; والله إنك لتصل الرحم, وتصدق الحديث, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين علي نوائب الحق, البخاري ومسلم]. وبين, أن إطعام الطعام من أفضل الأعمال وأجل القربات عند الله, تعالي, عن عبدالله بن عمرو بن العاص, رضي الله عنهما, أن رجلا سأل رسول الله,: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام, وتقرأ السلام علي من عرفت ومن لم تعرف, وقال,: أحب الأعمال إلي الله, عز وجل, سرور تدخله علي مسلم, تكشف عنه كربة, أو تطرد عنه جوعا, أو تقضي عنه دينا. وأخبر, أن خيار هذه الأمة من يطعم الطعام في سبيل الله, تعالي, ولا يقصر في ذلك ولا يتواني عنه, قال رسول الله,: خياركم من أطعم الطعام. وليست خيرية إطعام الطعام في الأمة في الدنيا فقط, وإنما أجرها عظيم عند الله تعالي, وثوابها جزيل يوم القيامة, كما أخبر بذلك المصطفي,, عن عائشة, رضي الله عنها, أن رسول الله, قال: إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة, كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله, حتي يكون مثل أحد. وعن أبي هريرة] قال: قال رسول الله,: إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني. قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. ويشير د. عبدالتواب إلي أن من أعظم أسباب دخول الجنة ذلك التراحم بين الخلق المتمثل في إطعام الطعام وبذله لمن يحتاجه في الدنيا ابتغاء للأجر من المولي تبارك وتعالي, فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله,: اعبدوا الرحمن, وأطعموا الطعام, وأفشوا السلام, تدخلوا الجنة بسلام, وعن البراء بن عازب] قال: جاء أعرابي إلي رسول الله, فقال: يا رسول الله, علمني عملا يدخلني الجنة, قال: أعتق النسمة وفك الرقبة, فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن. وفي مقابل هذه الصورة الطيبة الجميلة لإطعام الطعام ذكر الله لنا في كتابه الكريم أن منع الطعام عن المحتاج إليه سبب للعذاب في الآخرة, فعن أبي هريرة] قال: قال رسول الله,: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة, ولا ينظر إليهم, ولا يزكيهم, ولهم عذاب أليم, رجل علي فضل ماء بفلاة يمنعه ابن السبيل, يقول الله له: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك. بل جعل القرآن الكريم عدم الحض علي إطعام الطعام لغير المستطيع موازيا لمن يمنع طعامه عن المحتاج, فقال تعالي في صفات من يؤتون كتابهم بشمالهم: خذوه فغلوه* ثم الجحيم صلوه* ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه* إنه كان لا يؤمن بالله العظيم* ولا يحض علي طعام المسكين, الحاقة30-34]. ويقول الدكتور عبد الله أبو الفتح بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين جامعة الأزهر بالقاهرة: إن إطعام الطعام من أهم صفات المؤمنين الصالحين الذين يستحقون الثناء في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة, يقول الله سبحانه وتعالي مادحا المطعمين الطعام: ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا* إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا* فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا, الإنسان:8-11], ولهذا قال بعض الصالحين: إني لأستحب للعاقل المداومة علي إطعام الطعام والمواظبة علي قري الضيف; لأن إطعام الطعام من أشرف أركان الندي, ومن أعظم مراتب ذوي الحجي, ومن أحسن خصال أولي النهي, ومن عرف بإطعام الطعام شرف عند الشاهد والغائب, وقصده الراضي والعاتب, وقري الضيف يرفع المرء وإن رق نسبه إلي منتهي بغيته ونهاية محبته, ويشرفه برفيع الذكر وكمال الذخر. ولهذا رغب الرسول الكريم, في إطعام الطعام في كثير من الأحاديث فعن عبد الله بن سلام] قال: سمعت رسول الله, يقول: يا أيها الناس: أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, وصلوا بالليل والناس نيام; تدخلوا الجنة بسلام وعن صهيب] قال: سمعت رسول الله, يقول: خياركم من أطعم الطعام. وأول من يجب علي الشخص أن يعتني بإطعامهم والإنفاق عليهم هم: أولاده وزوجته ومن يعولهم كالأب والأم إذا كانوا محتاجين, لأن إطعامهم واجب لوجوب نفقتهم, والواجب كما هو معلوم أفضل من المستحب, وعليه أن ينوي القربة إلي الله عز وجل في ذلك; فإنه إذا نوي القربة إلي الله بنفقته علي أهله أثيب عليها, وهذه النية يغفل عنها كثير من الناس. ويضيف د.عبدالله: لا يختص إطعام الطعام بالفقير والمحتاج دون غيرهما, بل يكون أيضا للجيران والأصدقاء وجميع الأقارب وغيرهم حق في ذلك الإطعام والإكرام وإن كان قليلا, وفي ذلك قال الرسول, لأحد أصحابه: إذا طبخت مرقة, فأكثر ماءها, وتعاهد جيرانك ويدخل في ذلك إكرام الضيف والقيام بحقه, وقال,: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر; فليكرم ضيفه, ولهذا كان سيدنا إبراهيم صلوات الله تعالي وسلامه عليه إذا أراد أن يتغدي, ولم يجد من يتغدي معه, سار الميل والميلين في طلب من يتغدي معه, فسمي عليه السلام بسبب ذلك أبو الضيفان. وأفضل أنواع إطعام الطعام: الإيثار مع الحاجة كما وصفه الله تعالي بذلك الأنصار رضي الله عنهم فقال: ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة, الحشر:9], فقد صح أن سبب نزولها أن رجلا منهم أخذ ضيفا من عند النبي يضيفه, فلم يجد عنده إلا قوت صبيانه, فاحتال هو وامرأته حتي نوما صبيانهما, وقام إلي السراج كأنه يصلحه فأطفأه, ثم جلس مع الضيف يريه أنه يأكل معه ولم يأكل, فلما غدا علي رسول الله, قال له,: لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما البارحة ثم نزلت هذه الآية..