هي الست الشقيانة التي تمد يد العون لزوجها وقت الحاجة, هي السيدة المعيلة التي تتولي مسئولية أسرة كبيرة دون كلل أو ملل في سبيل تدبير لقمة العيش, وهي التي تتخلي عن أنوثتها وكل معالم الضعف فيها لمواجهة أعباء قد لا يتحملها بعض الرجال. في يوم المرأة المصرية تحتفي الأهرام المسائي بسيدات جسدن صورة حية للصبر والكفاح في مواقع مختلفة ومن أجل مهمات متعددة ولكن في سبيل هدف واحد هو تأمين حياة أسرة. البداية مع الحاجة بشري أحمد مندور التي عاشت حياتها تعمل سايس للسيارات رغم أنها بلغت من العمر أرذله, تلك المهنة التي ورثتها عنها ابنتاها سهير وصفاء من أجل أشقائهما الخمسة الذين يعيشون بالجراج ولكنهم لا يعيشون وحدهم بل يشاركهم السكن عشرون قطة تجتمع حول كنبة الحاجة بشري كما يطلقون عليها حيث تجلس عليها دائما وأمامها وابور الجاز. بدأت الحاجة بشري حديثها قائلة: أنا نسيت حياتي قبل ما أكون سايس مشيرة إلي أنها تزوجت من سائق منذ60 عاما يدعي سليمان عبده بمسقط رأسها قرية ميت أبو غالب بدمياط ورزقهما الله بسبعة أبناء أحدهم يعمل محاسبا و3 فتيات بالجامعة, وآخر يعمل سائقا بخلاف سهير وصفاء اللتين تشاركانها في عملها بالجراج, وأوضحت أنه بعد فترة لم يستطع زوجها الاستمرار في مهنته لمرضه وأشار عليه أحد رفاقه بالعمل في جراج بالمنصورة فانتقلوا إليه منذ أكثر من خمسين عاما. كانت تعمل مع زوجها في البداية بهدف المساعدة وتخفيف العبء عنه فأخذت علي عاتقها غسيل السيارات وتنظيف الجراج بل وتعلمت القيادة حتي تتمكن من صف السيارات بالجراج, وفسرت وجود عدد كبير من القطط معهم بسبب اعتيادهم منذ زمن طويل علي إطعام الحيوانات, وتشير إلي أنها تقيم بالجراج ليلا ونهارا وقامت بتربية أولادها وكانت حريصة علي تعليمهم علي حد قولها, مشيرة إلي أن لديها الكثير من الأحفاد وجميعهم تربوا من عائد عمل السايس, لتنهي حديثها بابتسامة راضية قائلة الجراج ده بيصرف علي15 بني آدم. والتقطت أطراف الحديث ابنتها سهير التي تبلغ من العمر58 عاما وتقول: بشتغل سايس من وأنا عندي9 سنين واتعملت اركب العربيات عشان اركنها في الجراج مشيرة إلي أن مرض والدها هو ما دفعها إلي ذلك حيث كان يستدعيه البعض لصف سياراتهم ولم يكن باستطاعته القيام بالأمر بمفرده, لتلتقط أنفاسها للحظات ثم تستكمل حديثها قائلة مكنتش بعرف ادوس بنزين عشان كنت لسه صغيرة. واستطردت بعد تذكر وفاة الوالد منذ سبع سنوات مؤكدة أن العمل الشريف والسعي وراء لقمة العيش لا يفرق بين رجل وامرأة وهو ما دفعها علي حد قولها لممارسة تلك المهنة التي تحتاج الكثير من الصبر ولكنها في نهاية الأمر اعتادت عليها حتي لو ظن البعض أنها مهنة رجال. وأشارت إلي أنهن تعرضن لبعض المتاعب في البداية نظرا لكونهن فتيات ولكن بعد فترة اعتاد الأهالي علي وجودهن وعملهن بالجراج, وتشير إلي أنها تستكمل الآن مسيرة والدتها. أما الابنة الصغري صفاء فتبلغ من العمر40 عاما وتعمل بنفس المهنة علي الرغم من حصولها علي بكالوريوس خدمة اجتماعية وزواجها إلا أنها لم تحاول البحث عن عمل آخر وقررت العمل مع والدتها, وتشير إلي أنهن يجتمعن كل يوم في الجراج ويعودن لبيوتهن في منتصف الليل, وتقول إن أصعب ما واجهته في هذه المهنة هو معاملة البعض ونظرتهم لسيدة تعمل سايس جراج حيث يخشي البعض علي سيارته ولكن هناك زبائن قدامي لا يثقون في غيرها هي وشقيقتها الكبري علي حد قولها. ومن سيدات الجراج إلي منطقة توريل الراقية حيث تقف أم هاشم عبده يوسف التي باتت من معالم المنطقة تكسب قوت يومها في سبيل تربية ابنها عقب وفاة زوجها ووالدتها, تلك السيدة التي رسم الزمن خطوطه علي ملامح وجهها حيث قاربت الستين عاما, وهي تعيش منذ الصغر مع والدتها علي الكفاف لذلك كانت تعمل والدتها كبائعة خضار بعد وفاة الوالد الذي كان يعمل حارس عقار, ولسنوات طويلة اعتادتا الذهاب إلي سوق كفر البدماص منذ الصباح الباكر لشراء الخضار بكميات بسيطة علي قدر المبلغ الزهيد الذي يتم تدبيره ثم تعودان للبيع لأهالي المنطقة. وأشارت إلي أنها قررت العمل بجوار والدتها علي نفس الفرشة التي بدأت عليها منذ عام1976 والآن تتمني أن يكون لها مكان آخر وتحلم بالحصول علي كشك يحميها من برد الشتاء وحر الصيف كما تتمني أن يستكمل ابنها عبد الرحمن تعليمه في المدرسة الفنية. ولم يختلف حال ناهد توكل التي تبلغ من العمر43 عاما كثيرا عمن سبقنها فقد أصابها القدر باختبار صعب عندما أصيب زوجها أثناء عملة إصابة تسببت في إعاقة مستديمة في بداية حياتها الزوجية وكان السبيل الوحيد لتربية أبنائها هو العمل لدي أحد الأسر فتقول ناهد إعاقة زوجي كانت سببا في عمله بالوحدة المحلية بقرية طناح ولكن راتبه بسيط جدا لا يكفي ولذلك وعلي الرغم من إصابتي بمشاكل في القلب إلا أنني لم أتمكن من التوقف عن العمل وقد مر ما يقرب من23 عاما علي عملي بمنزل أحد الأسر إلا أنني سعيدة باستمراري طالما سأوفر لأبنائي قوت يومهم.