أكد الفنان الكبير عزت العلايلي أن السينما ليست مجرد عمل تصرف عليه أموال, لكنها وعي وفهم ومسئولية, ويؤخذ علي مصر عدم توجهها لتنشيط هذه الصناعة المهمة, ففي الخارج لا يقوم بإنتاج الأفلام أشخاص, لكن البنوك تتولي هذه المسئولية, بينما أسلوب الإنتاج الذي يحدث في مصر انتهي من العالم كله لأن السينما اقتصاد وفكر ومادة, ولكي يكون مجتمعنا صحيا يجب أن يكون الفن جزءا منه فنحن في مجتمع به سلبيات وأمراض لن يعالجها إلا الفن, وأقصد بالفن ما هو ذو قيمة عالية وليس فن الأغنية والراقصة. جاء ذلك خلال الندوة التي أقيمت أمس في معرض الكتاب تحت عنوان عبد الرحمن الشرقاوي والسينما بمشاركة المخرج مجدي أحمد علي, وأدارها الناقد عصام زكريا, وبدأت الندوة متأخرة عن موعدها45 دقيقة مما أثار استياء الحضور. وأضاف العلايلي أتوجه إلي شباب مصر ومفكريها بالشكر علي ما شاهدته في المعرض من حشود من مختلف الأجيال خاصة الشباب الذين ملأوا أرجاء المكان وهذا دليل علي أننا أمة خلفيتها أدبية تبحث عن الأفضل والأقيم والأرفع باستمرار, مشيرا إلي أن الشرقاوي أثبت وجودا عظيما بفنه الأدبي خاصة إذا تحدثنا عن أعمال مثل جميلة بوحريد والحسين شهيدا أو الأرض أو من خلال مقالاته الصحفية فخلفيته المتنوعة تغني عن أن أتكلم عن هذه القامة, فكنت من مريديه وسعيت باستمرار إلي أن أتواجد في الأماكن التي يحاضر فيها أو في جريدة روز اليوسف مشيرا إلي أنه عرف الشرقاوي عن قرب أكثر أثناء كتابة سيناريو فيلم الأرض, فعندما تعرفت علي يوسف شاهين دعاني لحضور جلسات كتابة العمل في منزله, بحضور الشرقاوي وحسن فؤاد, وكرم مطاوع أحد مساعدي يوسف شاهين في هذا الوقت وهو المسرحي العظيم والمفكر وهو صاحب فكرة أن يتم سحل محمود المليجي في نهاية فيلم الأرض. وأوضح انه أثناء كتابة السيناريو كنا نتعرض لبعض المواقف السياسية في هذا الوقت خاصة أن السيناريو كتب بعد حدوث النكسة بأشهر, واستفدت كثيرا كشاب مازال في أول حياته بأنهأجلس مع تلك القامات الفكرية والفنية فكانت من أغني فترات عمري التي عشتها, وصورنا الفيلم في الفيوم, وكنا دائما بعد التصوير نجتمع ونتناقش وكان يحضر من القاهرة أدباء وكتاب وصحفيون نتسامر حتي ساعات متأخرة من الليل, لذلك ونحن نصور العمل كان في خلفيتنا الذي حدث في مصر والعالم فما كنا نقدمه في الفيلم هو سياسة بمعني الكلمة. وأكد العلايلي أنه رغم أن الزمن تغير والأجيال توالت لكن يظل وعي الفنان شيئا مطلوبا ولا يولد الوعي مع الفنان لكنه يأتي بالتدريج وبالبحث عن المعلومة. وقال المخرج مجدي أحمد علي إن اختيار هيئة الكتاب ولجنة المعرض لعبد الرحمن الشرقاوي ليكون شخصية هذا العام هو اختيار موفق ومتميز, لأنه آخر جيل كبار الموسوعيين والمفكر المهموم بوطنه وانعكس ذلك في الأعمال التي قدمها في جميع أنواع الفنون فكان موهبة حقيقية, وأتذكر معركته مع التيارات المتشددة بعد منع عرض مسرحية الحسين شهيدا فكانت قامته كبيرة ولديه كارزما, وهذا النوع من المفكرين اختفي ومع متابعة ما قدمه من قضايا سنجد أن ما تناوله مازال موجودا وقضايا نشتبك معها حاليا. وأشار إلي أن فيلم الأرض يعد أخر فيلم قدم عن الفلاحين وأصبحت صورة الفلاح موجودة في بعض الأعمال التليفزيونية ولكن بفكرة فولكلورية تافهة في الأغلب, فأصبحنا لا ننتج أفلاما عنهم ولا توجد دور سينما يدخلونها في المحافظات فيجب أن تذهب لهم السينما لأنها ثقافة. وأوضح مجدي أن مشهد سحل محمود المليجي مشهد نادر الوجود يجب أن نحيي يوسف شاهين والمليجي عليه, وهذا المشهد له دلالة علي أن مثل هذه المشاهد هي الأهم والتي تكون تاريخ السينما, ويذكرني بأحد المشاهد التي لا تنسي في تاريخ السينما وهو مشهد فتح الهويس في فيلم شيء من الخوف. وأكد أن المعارك التي خاضها الشرقاوي مازالت معاركنا, ودفع من وقته وحريته من أجلها, فمازلنا حتي الآن نناضل من أجل ظهور الحسين شهيدا علي المسرح او في السينما, وتجسيد هذه الشخصيات لا يضر أحدا إلا ضائق الأفق فهم يحرموننا من تناول هذه الظواهر والشخصيات لإثراء الروح والتنوير علي كل المستويات الدينية والسياسية والروحية, لكن ما بشر به عبد الرحمن وكل التنويريين مازلنا نكافح في معركته ومازال لدينا أمل أن ينتصر التنوير وتنتصر روح عبد الرحمن الشرقاوي. وقال مجدي أحمد علي إن صناعة السينما صناعة مركبة جدا, وثقيلة فالصناعة تبدأ بالإنتاج فكيف أقنع منتجا بأن يقدم فيلما عن الفلاحين إذا كان الفلاح لن يشاهده بسبب عدم وجود دور عرض, لأن الدولة تعامل السينما علي أنها ملاه ليلية في كمية الضرائب المفروضة عليها, وإذا عرض الفيلم المعمول عن الفلاح في سينما المولات لا أتوقع أن جمهور هذا المكان سيتحمس لمشاهدته, فالدولة المتحملة الأولي لانهيار الصناعة لابد أن تعفيها من الضرائب, إلي جانب الرقابة علي الموضوعات, فلا يوجد تجريب أو إنتاج سينما جديدة لأنه من يدعم ذلك, وهذه قضايا أثارها الشرقاوي من قبل فنبخل علي السينما بالدعم والاعتراف والحرية. وتابع: لا أدعو هنا الدولة لكي تنتج ولكن أتحدث عن إتاحة مناخ ثقافي ينمو فيه الإبداع منها أن يكون في المدارس مسرح ومكتبة وموسيقي وعرض سينمائي وحينها شكل البلد سيتغير, فمصر بكل ما لها وبعدد سكانها الكبير لديها500 دار عرض وإذا اهتممنا بهذه الصناعة ستدر دخلا كبيرا فهي صناعة إستراتيجية وستقاوم التطرف العدو الأساسي للبلد. ومن جانبه قال الناقد عصام زكريا إن الشرقاوي أحد المفكرين والأدباء والسياسيين الكبار في التاريخ المصري ولم ينل ما يستحقه من دراسة ونشر لفكره الغزير في المجالات المختلفة, وأعتقد أن معرض الكتاب هذا العام فرصة للأجيال الجديدة أن يتعرفوا علي قيمته وقامته الكبيرة وأتمني أن تكون هذه الندوات بداية لقراءة أعماله ودراسته مستقبلا, وأهم ما يميز الشرقاوي في كل كتاباته الوعي السياسي الحاد والدقيق, ويتضح ذلك في فيلم الأرض الذي اتسم بالدقة العلمية لتكوين المجتمعات والأفراد وينتمي العمل للواقعية الاجتماعية فهو من أهم الأعمال التي جسدت هذا المذهب ليس محليا فقط ولكن بشكل عالمي, فبجانب الجودة الفنية هناك رصد للتفاصيل ورسم الشخصيات والحياة الاجتماعية في الريف واتسم بالفهم السياسي لنظرية الصراع الطبقي وتأثير السلم الاجتماعي الذي يقف عليه كل فرد ويتأثر سلوكه وفقا لمكانته عليه.