وكأن الإدارة الأمريكية لا تري ولا تسمع ولا تريد أن تتكلم عن العربدة الإيرانية في المنطقة العربية, وكأنها لا تعلم كل تفاصيل دس طهران لأنفها في شئون دول الجوار من العراق إلي سوريا واليمن وليبيا وتوفيرها لكل أنواع المساعدات العسكرية من سلاح وتدريب وتمويل للميليشيات الإرهابية هنا وهناك, ولا تري في كل السياسة الخارجية الإيرانية سوي البرنامج النووي والصاروخي الذي تحرز فيه كل يوم تقدما يزيد من تغولها وعدوانيتها ورغبتها في الهيمنة علي المنطقة بأسرها, وربما يكون السبب الرئيس وراء انزعاج واشنطن من برنامج طهران النووي رغبتها في ضمان بقاء إسرائيل كقوة نووية وحيدة في المنطقة. وكأن المسئولين في الإدارة الأمريكية ليس لديهم خبر عن الصراعات الدامية الجارية في اليمن وسوريا والتي تلعب فيها إيران الدور الأكثر تأثيرا! وحتي علي مستوي محاولة الحد من القدرات النووية للجمهورية الإسلامية لا تبدو جادة في مناقشة الأمر واتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الصدد. فقد انتهت مهلة الستين يوما التي منحها المسئولون الأمريكيون للكونجرس من أجل إقرار قانون عاجل لمراجعة الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمه الرئيس السابق باراك أوباما مع طهران, بينما تعقد اللجنة المشتركة التي أنشئت بموجب هذا الاتفاق اجتماعها ربع السنوي, حيث حل موعد رفع التقرير الجديد للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش حول تطبيق قرار مجلس الأمن رقم2231 بشأن إيران في الوقت الذي يستبعد فيه المراقبون أي مستجدات في هذا الإطار. والمعروف أنه بموجب قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني, يمكن لرئيس الأكثرية أو الأقلية في كل من مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين أن يطرح قانونا خاضعا لصلاحية التعجيل الصارمة, من دون أي تأجيل من خلال مداولات اللجنة أو النقاش المطول, وذلك في غضون ستين يوما من صدور قرار رئاسي بسحب المصادقة علي الاتفاق, ولو أقر هذا القانون لأعاد فرض عقوبات قانونية علي إيران وحظر أي إعفاء أو تعليق أو تخفيض أو أي تخفيف إضافي بمقتضي الاتفاق النووي. أو إعادة فرض بعض العقوبات. الرئيس ترامب أعلن أنه لن يعيد التصديق علي الاتفاق النووي خلال خطابه الذي ألقاه في13 أكتوبر الماضي ولم ينته الكونجرس من إصدار القانون حتي الساعة! بعض الجمهوريين في الكونجرس يميلون إلي أن يحظي القانون المقترح بتأييد ساحق, إلا أن أن الديمقراطيين لا يريدون التلميح إلي أن الإنجاز الكبير الذي حققه الرئيس السابق أوباما علي صعيد السياسة الخارجية بتصديقه علي القانون مشوب بالعيوب, بينما لا يريد الجمهوريون المصادقة علي خطة العمل الشاملة المشتركة. والخلاصة أن أحدا في مجلس الشيوخ لا يبدو مستعدا لنسف الاتفاق كما يريد ترامب, فيما يظهر قانون العقوبات الصادر في يوليو إمكانية التوصل إلي توافق بين الحزبين بشأن إيران, ولذلك, يتعين علي الأطراف التي تريد الحفاظ علي الاتفاق بشكل أو بآخر أن ترتقي بالعملية إلي مستوي أعلي. علي الجانب الآخر لن يكتفي تقرير جوتيريش بالتطرق إلي الاتفاق النووي بين مجموعة خمسة+ واحد مع إيران الذي يرفض ترامب المصادقة عليه فحسب, بل سيتناول أيضا جوانب أخري من القرار2231 الذي يدعو إلي وقف برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية منها تعليمات لطهران بموجب المادة41 من ميثاق الأممالمتحدة( المدرجة في الفصل السابع التي تعطي مجلس الأمن الحق في إملاء شروطها علي الدول) في حال انتهاكها لتلك التعليمات منها حظر عمليات النقل المرتبطة بالأسلحة إلي إيران, حيث اكتشفت السلطات الأوكرانية في يناير2017 أسلحة مخبأة علي متن طائرة متجهة إلي إيران, وحظر عمليات نقل أسلحة من إيران, حيث تم اعتراض شحنات أسلحة في سفن شراعية قبالة الساحل اليمني, وكذا حظر سفر بعض المسئولين الإيرانيين إلي الخارج من بينهم قائد فيلق القدس قاسم سليماني. ورغم أن القانون الدولي لم يمنح إيران الحق في اختيار ما يعجبها في القرار, مما يلزم المسئولين الأمريكيين وحلفائهم بإعلان إدانتهم الصريحة لكل الانتهاكات الإيرانية المتواصلة بشكل مباشر وصريح, إلا أن واشنطن تبدو متلكئة في هذا الشأن, بسبب أن الكثير من الانتهاكات الإيرانية( لاسيما ما يتعلق منها بالتدخل في شئون دول الجوار الخليجية وغيرها مما يؤثر مباشرة في أمنها القومي) تأتي علي هوي المسئولين في الإدارة الأمريكية. ولأن الدول التي شاركت في مفاوضات خمسة زائد واحد مع إيران توقعت ظهور خلافات في تطبيق الاتفاق, لذا اتفقوا علي إنشاء لجنة مشتركة تكون مهمتها معالجة الخلافات المتعلقة بتنفيذ الاتفاق النووي إلا أن المسئولين الإيرانيين المشاركين في أعمال اللجنة ألمحوا لرغبتهم في التركيز علي مخاوف البنوك الدولية من التعامل مع إيران بسبب العقوبات الأمريكية, وهو المطلب الذي كرره وألح عليه المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمال فندي في4 ديسمبر الجاري مع اقتراب موعد انتهاء خطة العمل مع فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية في يناير المقبل. فهذه الهيئة الحكومية الدولية المؤلفة من37 عضوا علقت توصياتها بتدابير مكافحة الأنشطة الإيرانية لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب في يونيو2016, إلا أنها قد تطلب قريبا من البنوك والحكومات إعادة فرض هذه التدابير. وفي نوفمبر حثت فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية إيران علي المضي سريعا في طريق الإصلاح من أجل ضمان تنفيذ خطة العمل بشكل كامل ودقيق قبل حلول موعد الاجتماع المقبل للمنظمة في فبراير. من هنا تتكشف حالة من التباطؤ الأمريكي والدولي في معاقبة إيران علي انتهاكاتها الكثيرة بما فيها عدم احترامها لما اتفقت عليه في الاتفاق النووي, مع النظر في طلباتها فيما يتعلق بالتسهيلات المالية التي حصلت عليها بعد الاتفاق النووي التي قد تجعل من مسألة العقوبات إجراء شكليا غير مؤثر علي الإطلاق بالشكل الذي لن يردعها عن مواصلة انتهاكاتها وتطوير برنامجها النووي وصواريخها الباليستية وتبييض الأموال وتمويل الجماعات الإرهابية وزعزعة استقرار دول المنطقة, بما قد يشير إلي أن الغرب علي وجه العموم والولايات المتحدة علي وجه الخصوص يكافئ إيران علي تجاوزاتها وانتهاكاتها وليست لديها رغبة جادة في تطبيق نصوص القانون عليها للحد من طموحاتها السياسية والعسكرية, ودورها السلبي علي أمن واستقرار المنطقة, وأنه يمكن القول أن طهران في أسوأ الظروف تحظي بمعاملة تفضيلية من جانب واشنطن بصرف النظر علي التلاسن والتهديد بفرض عقوبات اقتصادية وغيرها.