ما أبدع القيم الحضارية التي تصدرها مصر للعالم ركونا إلي ذلك الذخر الهائل من رصيد قواها الناعمة واحتشادا للحظة التاريخية العاصفة واتساقا مع مبادراتها الفاعلة دوما سياسيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وتوافقا مع طابع شخصيتها الرائدة التي يحاول المتربصون طمسها كممارسة أثيرة للحقد الأسود وتنفيسا للكبت الأزلي الذي استعبد تلك الفئات المستقوية بالكتلة المتسلطة. فتتويجا لتلك الروح الحضارية احتضنت مصر الشامخة منتدي شباب العالم ايمانا بفاعلية الذات المتوقدة شوقا لإجتياز المآزق المحدقة بالمجتمع الدولي بأسره والتي أحدثت تصدعات شتي علي صعيد العلاقات بين الدول والكيانات إنطلاقا من ذاتية المصالح وتأكيدا لحتمية السيادة علي الآخر والإستحواذ علي مقدراته, من ثم فقد باتت الساحة الإنسانية بوتقة صراعات ضارية أفرزت مخاطر تتطلب سرعة المواجهة والحسم. وكعادتها إنبرت مصر لإقامة جسور التواصل ونشوء حوارية ثرية بين مختلف الأفكار والرؤي والتوجهات بلوغا نحو قواسم مشتركة يمكن خلالها بلورة بنود إستراتيجية تصحح نسبيا مسار المنظومة الكونية المعاصرة التي شاخت إدارتها فكرا وفعلا!! ولعل منطلقات مصر وراء هذا المنتدي وفي إطار رسالتها التاريخية إنما قد جاء من واقع تفاقم التأزمات الكبري التي تطوق العالم مهددة لحاضره ومستقبله, من ثم فلابد من رفض الفكر التقليدي كآلية للتعامل وإعتماد منطق القناعة بأهمية إحياء الطاقات الخلاقة المبدعة لدي الشباب والقدرة علي توظيفها لكشف جوهر الحقائق الغائبة في تلافيف القضايا المحورية الشائكة بجانب محاولات تنقية العالم من سيادة أجواء الكراهية التي أطاحت بالكثير من القيم الإيجابية وهو ما لا يتسق بحال مع وضعية تيار الحضارة المعاصرة. ولعل ما مرت به مصر من تحولات جذرية علي الصعيد السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي إثر سنوات عجاف لم يجرها إلي الوراء ولم يغير من فحوي رسالتها, فهي ماضية منطلقة نحو ذاتها وإستعادة وضعيتها الإقليمية والدولية لتستقم مع مسيرة تاريخها التي تشير محاوره جميعها إلي مصداقية التوجه تلك التي دفعتها نحو الإستمساك بفكرة تدشين المعامل والمختبرات الشبابية لتبادل الخبرات الدولية التي تتجلي خلالها الكيفية المثلي لصناعة قادة المستقبل الذين يناط بهم النهوض بالمسئوليات الجسام وسحق التحديات وفك الشفرات المستعصية أملا في تحديث المفردات البالية التي جرت العالم إلي ويلات من حروب ومجاعات وعنصرية واضطهاد وإرهاب وفساد, والمتأمل في برنامج المنتدي يجد هناك رصدا دقيقا لكل القضايا المصيرية المؤرقة وإتساقا بين طبيعة هذه القضايا وما هو منها بمثابة المقدمة وما جاء كنتيجة لها, ولقد تصدرت قضية الإرهاب علي غيرها بإعتبارها الآلية المتصدرة في حصاد البشر وترويع الشعوب علي اختلاف وضعيتها الحضارية كذلك كانت قضية البيئة ومشكلاتها المتحدية والتي تعد قبل غيرها مهددة لفناء الكوكب الأرضي, وفي المقابل كانت قضية التنمية المستدامة بإعتبارها مطلبا حيويا في ظل الهيمنة الإليكترونية والتكنولوجية, ويتقدم ذلك في الأهمية أو يليه تلك الجدليات الفاعلة حول الثقافات والحضارات والهويات في ظل شيوع فكرة حرب الثقافات والصراعات العولمية وتهاوي المنظومة القيمية وتراجع أو إنمحاء الحاسة الذوقية وإنقراض بعض اللغات. إن مصر خاضت وما زالت تخوض تجربة رائدة وتقدم نموذجا يحتذي وتحقق نقلة نوعية في دعم الوعي لدي شباب العالم متواجهة بالحقائق كشفا لملحمة الأكاذيب والإفتراءات المستهدفة النيل من كيانها وتاريخها وحضاراتها وعقيدتها, وليس ذلك بغريب علي طبيعة رسالتها التاريخية التي دأبت طيلة قرون علي أن تنشر النور إلي العالم وتشيع أطياف السلام في النفس الإنسانية, فهي التي أيقظت وعلمت وأثارت وجعلت للتاريخ معني ومغزي, من ثم لابد لصفوة شباب العالم الذين إستظلوا بشعار( نتحد من أجل السلام) أن يرددوا في ختام منتداهم ما قاله شامبليون من قبل...( أنا شامبليون المصري خرجت من مصر وفي إحدي يدي مفتاح الهيروغليفية وفي الأخري مفتاح الحياة).