قرن وعقدان من الخطر والخوف من البشائع والترهات, قرن وعقدان من الدموية والغطرسة والاستعلاء, من فكر القوة, من البارانويا والكاريزما, قرن من السادية حصاده ثورة الكراهية العاصفة بالمنظومة الكونية دون استثناء يذكر, قرن من أطياف الطيش السياسي والسقوط الاستراتيجي وضياع الرسالة الحضارية. وليس ذلك أو بعضه يعد رصدا لدقائق تلك التجربة الأمريكية علي امتداد اشواطها أو خوضا في تحليل نماذجها وأنماطها أو فتونا لبريقها وإنما هو اكتفاء خالص يقوم علي قناعات ثقافية وفكرية تعتمد علي عمق التأمل المعرفي لتلك البؤرة المشعة أو اللحظة الحاضرة التي تكمن داخلها جميع التراكمات التاريخية, ممثلة بذلك إفرازا منطقيا لتلك الأطوار لكنها وفي أهون صورها تعد مجسدة بالفعل لتجليات الورطة البشرية! ولعل هذه هي سطور قلائل تسجل خواطر معرفية وانطباعات موضوعية حول الظاهرة الاستعمارية الغاربة أو طوفان التاريخ الأمريكي وارتطامه مع الأطياف البشرية راصدة مشاهد بكائية الحضارة المعاصرة ولحظات ارتدادها وانسحاقها امام ذاتها حين تنصرف بالسهم الزمني في اتجاه سلبي معاكس يطيح بطبيعة الفعل الخلاق والمنجز الإبداعي المتفرد الذي هو محصلة الحركة التطورية للشغف الإنساني نحو الارتقاء والتحليق فوق ركام الأحداث. ولعل المنطلق المباشر كان من اعتبار وحيد وأوحد هو ان التاريخ علي إجماله لا يعدو إلا ان يكون ظاهرة ثقافية تتجاوز أعلي درجات التمرد علي المنطق السردي للأحداث والوقائع وتتسامي علي تصنيفات أخري ربما يستهدف من ورائها تطويع التاريخ وتفسيره تفسيرا مخلا منقوصا وهو ما يسمح بالانحراف به نحو متجهات تجعله صورة شوهاء أو مسخا باليا وتكرس كذلك مبدأ ثقافة الأسئلة الحائل بذاته دون شيوع توجه القصور في التسبيب ومن ثم الفساد في المنهج وهو ما يحول بالضرورة حتي دون بلوغ أذيال الحقيقة وهو أيضا ذلك المبدأ الغائب بكليته عن المناخ العربي العام رغم انه الشارح لمفردات اللحظة المعاصرة باعتباره مبدأ حضاريا يسمو كلي كل مبادئ حركة التقدم. ولعل كل تجليات الكيان الأمريكي المعاصر تذكرنا ببعض المأثورات لحكماء التاريخ ورموزه التي تمثل هذه التجليات أشد التمثيل وأقواه منها ما قاله نابليون:إن أكثر ما استحسنه في هذا العالم هو عجز القوة عن إرساء أي شيء فلايوجد سوي قوتين قوة السيف وقوة العقل ولطالما هزم السيف العقل علي المدي, أو ما قاله هيجل من أن الدول التي يتم حرمانها من أعداء لن تتواني ان تصبح عدوة نفسها أو تلك الترجمة الفعلية لذلك التاريخ التي ارتأي مارك توين خلالها ان تصبغ الخطوط البيضاء في الراية الأمريكية باللون الأسود وتستبدل النجوم فيها بجمجمة وعظمتين متصالبتين! رابط دائم :