من يعصم العالم المتحضر من شبح الإرهاب؟..وما هي طبيعة الهوية الارهابية؟..والي أي مدي ستتسع دائرة الفعل الإرهابي؟. وما هو مستقبل العالم في ظل طوفان الإرهاب المقتحم لكل البؤر؟..وما هي دوافع العمليات الإرهابية لدي القائمين بها؟..وما هي دوافعها أيضا لدي أقطاب التنظير لتلك العمليات؟..ومن هو المخطط الفعلي للخرائط الإرهابية؟..وهل تم استبدال الحروب الباردة والساخنة بالفعل الإرهابي؟..وهل تتنوع مصادر تمويل الإرهاب أم تتوحد؟..وكيف لم يقف العالم وحتي اللحظة علي الفاعل اللولبي؟..وما هي طبيعة الفكر الآخر لذلك الفاعل؟ إنه وابل من التساؤلات الجادة التي تعصف بالعقل المعاصر وتضعه موضع الحيرة والدهشة والشك إذا أراد تشخيص المشكلة وتحديدها وإقامة الدلائل علي المجهولات! ولقد أكدت كل المتغيرات علي الساحة السياسية وبكل معني إنه لم يعد التطرف الفكري أو الديني هو الدافع الأوحد لتحريك العمليات الإرهابية وتطويقها لجنبات العالم بأسره, فحين تختلف الأهواء وتتصادم المصالح وتتضارب الاستراتيجيات يكون موقع الفعل الارهابي وتبدأ مسيرة الاستفهام عن الجاني الفعلي..هويته..جنسيته..أدوات الجريمة..دوافعها..آثارها..نتائجها..التدابير الواجبة لمقاومة الفعل الارهابي مستقبلا. ولقد كانت فرنسا مؤخرا هي الهدف الاستراتيجي للفعل الارهابي المقيت الذي توالت علي أثره تلك البكائية الدولية المعتادة مستنكرة متعاطفة مشاركة متضامنة لكن دون الوقوف علي الجوهر الأصيل ودون إعلان عن اتفاق دولي لإستئصال جذور الارهاب والكشف عن مكامن قنواته والافصاح عن الداعم الأوحد له والرامي إلي إحداث إضطراب كوني دائم. إن رصد بيوغرافيا الاعتداءات علي فرنسا إنما يحمل معاني ودلالات كثيرة.. وتتصدر تلك المعاني والدلالات أن فرنسا التي هي قلب أوروبا قد صارت إحدي ضحايا المنظومة الإرهابية, كذلك فان الآلة الإرهابية بسطوتها الطاغية قد تطول الدول والأنظمة والشعوب مهما كانت وضعيتها السياسية والاستراتيجية والحضارية, وأن العالم المعاصر قد نجح بالفعل في التوحد عبر المنظومة الإليكترونية لكنه قد أخفق وبجدارة في تحقيق الوحدة الانسانية. ولعل الدافعية التي أنتجت تلك الدلالات إنما تتمثل في إعتدالية المسار السياسي الفرنسي في المعيار الاستراتيجي وإعوجاجه نسبيا أو كليا في رؤية ذلك الذي يستعدي كل كيان لا يتوافق مع سياساته, ومن نفس المنطلق سوف تتحول بؤرة الارهاب إلي بقعة أخري تمارس سياساتها حسبما تقتضي مصالحها لكنها لا تخضع أو تذعن لسياسات الآخر, من ثم تكون العقوبة الرادعة بتحريك الآلة الارهابية. وفي هذا الاطار تظل فرنسا أسيرة لذكريات قومية مريرة تستوجب منها نشوء أفعال وتعظيم ردود أفعال إتساقا مع كرامتها وهيبتها التاريخية ووضعيتها التي لا تسمح أن تكون مستهدفة بهذه الدرجة القصوي إستدلالا بتوالي الاعتداءات وتكرارها وهو ما يجعلها بالضرورة نهبا للمطامع وموطن للمكائد. إن فرنسا تتعرض لمؤامرة خفية تحاك خيوطها بشكل متجدد وهو ما يطرح إشكالية كبري تتمثل في مدي إحتدام الذاكرة التاريخية الحافلة بالمآثر والبطولات وتلك الذاكرة المعاصرة التي تتلاطم فيها الخيبات وتخيم عليها أطياف العجز السياسي والفشل الاستراتيجي لا سيما بعد أن أعلن ذلك التنظيم الأخطبوطي المسمي داعش مسئوليته عن هجوم نيس في تحد وإستفزاز بل إنه قد مجد الهجوم الدامي وإعتبره عملا مقدسا إستهدف النيل من رعايا دول التحالف. لكن القضية المستحيلة بحق إنما تتجسد في موقف مجلس الأمن الدولي الذي أعربت دوله الأعضاء عن تعاطفها العميق وتعازيها للحكومة الفرنسية وعائلات الضحايا, ذلك في إطار تأكيده علي أن الارهاب بكل أشكاله وأنماطه إنما يمثل أحد أخطر التهديدات والأمن الدوليين وأن كل عمل إرهابي هو عمل إجرامي غير مبرر موصيا بضرورة أن تكافح كل الدول ذلك التهديد الارهابي بكافة السبل لكن في إطار القوانين الدولية.