قليلة هى موجات المصارحة والمكاشفة فى عالمنا المعاصر, وكثيرة هى فخاخ التآمر والصراع والاستعداء, التى طالت الثقافة و الفنون والآداب وشيء من ضروب العلم. ذلك بعد أن كانت مكونا محوريا لخلايا السياسة وبؤر الاستراتيجية وفنون التطاول والتسلط. وليس جديدا ولن يكون أن تنبرى أصوات غربية عاقلة دفاعا عن الحقيقة واستنفارا للعالم العربى والإسلامى القابع فى سراديب الخيال والمتدثر بهالات الوهم، ذلك أملا فى إحداث صحوة فعلية تحقق نوعا من التوازن بين عالمين متناقضين أشد التناقض وأقواه، هما ذلك الشرق الفنان والغرب المادى وبينهما تندثر قضية العدالة الانسانية, وهو ما يؤرق ضمائر الكتاب والمفكرين الذين تمثلت آخر صيحاتهم فى الألمانى "يورجن تودنهوفر" صاحب كتاب (لماذا تقتل يا زيد) والذى أحدث دويا هائلا فى بانوراما السياسات العالمية وقدمه نموذجا فكريا رائدا للعالم الاسلامى . نموذجا ينطوى على حقائق يمكن ايجازها فى الآتي: ان الغرب هو أكثر عنفا من العالم الاسلامي، إذ أن ملايين المدنيين كانوا من ضحايا الحقبة الاستعمارية التى عاناها هذا العالم وأن معاداة السياسة الغربية تجاه هذا العالم أيضا إنما مرجعها للجهل بأبسط الحقائق، كما أن كل سياسات تجار الحروب الغربيين قد جعلت من غير المستغرب تزايد وتضخم كتلة المتطرفين المنتسبين للإسلام. وكذلك فالمسلمون ليسوا أقل تسامحا من اليهود أو المسيحيين وكان اسهامهم الأكبر فى تدشين الحضارة الغربية. وهناك ضرورات كثيرة تستوجب على الغرب معاملة العالم الاسلامى بعدالة كما تعامل اسرائيل، فالمسلمون ذوو قيمة وأهلية وأن كل الارهابيين المرتدين عباءة الاسلام قتلة وكذلك كل الذين يشنون الحروب المنتهكة للقانون الدولي. ان حب الله وحب الغير هى تعاليم جوهرية فى كل الكتب المقدسة وأن وضعية العالم الاسلامى المعاصر انما تستوجب على المسلمين الاقتداء بنبيهم لنشر الاسلام الداعى الى التقدم والتسامح، من ثم فعليهم تجريم كل من يستخدم الدين كقناع. وعلى ذلك فهناك حقيقة كبرى تستوجب التأكيد لاسيما فى لحظات التأزم والاستكراه تلك التى يعيشها العالم الاسلامى ويتجرع مرارتها وهى أن الوحدة الروحية قد تمزقت فى أوروبا وأن الثورة التى يمكن أن تخلصها من هذا التبدد لا يمكن أن تأتى إلا عن طريق الشرق . هكذا تحدث "فريدريك شليغل"، كما أن هناك صيغة استراتيجية -تمثل المعادل الموضوعى للبطش السياسى والعسكرى لتلك الأنظمة المطيحة بقيم العدالة والحرية والمنفلتة من دائرة السواء- قد أفرزتها قريحة "تشرشل" عبر تجارب الامبراطوريات ومسار حركة التاريخ وهى أنه عندما تكون الأمم قوية لا تكون عادلة وعندما ترغب فى أن تكون عادلة تكون قد فقدت قوتها. ويختم "تودنهوفر" وصاياه مؤكدا أن فن السياسة قد صارت له أولوية كبرى على فن الحرب فى عالم اليوم، وأنه لا شيء مطلقا يمكن أن يدعم الارهاب أكثر من حروب الغرب على الارهاب، وهذه الحروب ليست أكثر الأعمال خسة ودناءة وإنما هى الطريق الأقل ذكاء فى مواجهة الارهاب!. تلك بعض من النداءات المخلصة "لتودنهوفر" أراد بها إعلاء وضعية العالم الاسلامى المستضعف وزجر العالم الغربى المتجبر. فهل نستفيق؟!.