يعد صندوق النقد الدولي من أكثر المؤسسات المالية العالمية إثارة للجدل في الأوساط الاقتصادية, وتعاني تلك المؤسسة المالية من سمعة سيئة للغاية في الدول النامية. اذ طالما وصمت بانها الذراع الاقتصادية الباطشة للقوي الرأسمالية الكبري في العالم, فغالبا ما تتهم القروض التي يقدمها الصندوق للدول الفقيرة بأنها مشروطة بتنفيذ روشتة اقتصادية قاسية تتضمن امورا مثل إلغاء دعم السلع الاساسية وبيع القطاع العام, وترك النشاط الاقتصادي للدولة لقوي السوق. جوع وفقر ومن ثم فإن سياسات الصندوق متهمة ضمن عوامل اخري بالمساهمة في زيادة عدد الجياع في العالم إلي نحو مليار جائع, وفي ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلي نحو مائتي مليون شخص في شتي ارجاء الدنيا. ويواجه صندوق النقد الدولي في خضم البيئة الاقتصادية العالمية الراهنة معضلة هيكلية كبيرة, خاصة بعد الازمة المالية العالمية التي عصفت بالمشهد المالي والاقتصادي وحتي السياسي والاجتماعي الدولي في خريف عام الفين وثمانية, اذ عجز الصندوق عن التنبؤ بهذه الازمة, كما فشل في التجاوب السريع معها ليصبح مطالبا الآن بتبني تغييرات جذرية في الطريقة التي يمارس بها دوره خاصة فيما يتعلق بمنهج التعامل مع مشكلات الدول النامية والاسلوب الذي تدير به القوي الكبري الاقتصاد العالمي. هذه المعضلة دفعت الدول ذات الاقتصاديات الواعدة مثل الصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا وحتي السعودية إلي المطالبة بتغيير عملية صناعة القرار في هذا الصندوق وذلك بتغيير نظام التصويت علي القرارات داخل تلك المؤسسة, وهي العملية التي تعطي أوروبا حصصا تصويتية ضخمة, وتمنح الولاياتالمتحدة حق النقض( فيتو) ضد اي قرار لايروق لها داخل الصندوق. كما تطالب هذه الدول ايضا بتغيير الطريقة التي يجري بها اختيار رئيس هذه المؤسسة وكذلك رئيس مؤسسة البنك الدولي, اذ جري العرف علي ان يكون رئيس الصندوق أوروبيا علي ان يكون رئيس البنك الدولي أمريكيا, وقد أعلنت تلك الدول رسميا تمردها علي هذه الصيغة السائدة منذ اربعينيات القرن المنصرم وبدأت تدعو إلي استبعاد مبدأ الجنسية من عملية الترشيح لهاتين المؤسستين. العالم يقول لا كما ان المطالبة بنسف هذا النظام الجائر لم تأت فقط من حكومات الدول ذات الاقتصاديات الصاعدة فحسب, وانما دعت إليها ايضا منظمات المجتمع المدني في شتي ارجاء العالم تقريبا, فعلي سبيل المثل طالبت قبل ايام أكثر من مائة من منظمات المجتمع المدني في انحاء مختلفة من العالم بانتخاب المدير العام المقبل لصندوق النقد الدولي بنظام الاغلبية المزدوجة, بحيث يحصل علي موافقة اغلبية ال187 دولة الاعضاء في هذه المؤسسة الدولية, وذلك بالاضافة إلي غالبية حصص التصويت التي ترجح وزن الدول الأكثر ثراء في العالم في مجلس إدارة الصندوق. وشددت هذه المنظمات في رسالة إلي مجلس محافظي صندوق النقد الدولي علي هذا المطلب باعتباره افضل وسيلة لضمان تمثيل اصوات دول العالم المختلفة بشكل اكثر عدالة وعلي نحو يحد من هيمنة الدول الكبري علي عملية صناعة القرار في الصندوق. وتشمل المنظمات التي تقدمت بهذا المطلب منظمات شهيرة مثل اوكسفام, وشبكة العالم الثالث المعروفتين بدفاعهما عن قضايا دول العالم الثالث. وقد ذكرت اوكسفام علي سبيل المثال ان الدول الأوروبية ممثلة بشكل مبالغ فيه للغاية في مجلس المحافظين الخاص بهذه المؤسسة الدولية وهو بمثابة مجلس إدارتها, ودعت إلي تغيير النظام العتيق في عملية التصويت البالية علي حد قولها عند اتخاذ القرارات داخل الصندوق وعند اختيار مديره العام. معركة خليفة ستروس كان: وقد تم نشر رسالة منظمات المجتمع المدني العالمية فيما تحتدم معركة تعيين خلف جديد لستروس كان وهي المعركة التي بدأت مع اعتقاله في شهر مايو الماضي في نيويورك بتهمة الاعتداء الجنسي علي خادمة في فندق شهير واستقالته لاحقا, وتصاعدت تلك المعركة ايضا مع اعلان المكسيك انها سوف ترشح محافظ البنك المركزي المكسيكي لهذا المنصب. ويعد محافظ البنك المركزي المكسيكي الذي شغل منصب نائب مدير صندوق النقد الدولي لمدة ثلاث سنوات, واحدا من اقوي المرشحين عن كبري الاقتصاديات الواعدة ومن بينهم مرشحون من الهند والبرازيل وجنوب افريقيا, وسنغافورة وكوريا الجنوبية. إلا ان صندوق النقد الدولي حدد وزيرة المالية الفرنسية كريستين لاجارد ومحافظ البنك المركزي المكسيكي كأفضل المرشحين لرئاسته, واستبعد ضمن من استبعد محافظ البنك المركزي الإسرائيلي ستانلي فيشر نظرا لتقدمه في العمر واحتمال ألا ترضي عنه الدول العربية والإسلامية. هيمنة غربية فاضحة. وتحظي اوروبا مجتمعة بحصة تصويتية داخل الصندوق تبلغ نسبتها نحو ستة وثلاثين في المائة من مجموع حصص الاصوات, في حين تتمتع الدول الاسيوية بما فيها الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية, بنحو عشرين في المائة منها فقط. وعلي الرغم من أن الصين تسهم بنحو13% من الانتاج العالمي, فإن حصتها في التصويت حاليا تقل عن اربعة في المائة, اي اقل من حصة اليابان البالغة ستة في المائة وذلك علي الرغم من ان الاقتصاد الصيني قد تجاوز نظيره الياباني منذ نحو عامين ليصبح ثاني اكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأمريكي. اما الولاياتالمتحدة صاحبة اكبر اقتصاد في الدنيا, فتملك نحو17 في المائة من حصص التصويت ما يعني انه في حالة عدم التوصل إلي توافق في الاراء, وهو من غير المرجح ان يحدث, فستسود القوة التصويتية لاوروبا والولاياتالمتحدة مجتمعة. ومع ذلك فلم تشر إدارة الرئيس باراك أوباما حتي الآن إلي انها ستصوت تلقائيا لصالح مرشح أوروبي كما فعلت في الماضي, ويعتقد العديد من المحللين ان موقف واشنطن سوف يكون حاسما في المناورات الجارية علي منصب مدير الصندوق. ولقد كتب مويسيس نعيم, المدير التنفيذي السابق في البنك الدولي عن فنزويلا, في مقال له في صحيفة واشنطن بوست, قائلا حان الوقت لقلب نظام صندوق النقد الدولي الاستعماري, ساخرا من الحجة التي تقول أن أوروبيا فقط يمكنه التعامل مع الازمة المالية الحالية التي تجتاح القارة الشقراء وذلك في إشارة إلي ازمة الديون السيادية التي تعصف بالقارة الأوروبية. واضاف من المضحك حقا انه لم يجر النظر لمثل هذا الاعتبار عندما عانت اسيا وامريكا اللاتينية من الازمة المالية في تسعينيات القرن المنصرم, وشكا من رائحة الاستعمار التي تفوح حول صندوق النقد الدولي في الوقت الراهن. علي حد وصفه. تاريخ الصندوق وقد تبلورت فكرة انشاء صندوق النقد الدولي اثناء مؤتمر عقدته الاممالمتحدة في بريتون وودز بولاية نيو هامبشير الأمريكية في شهر يوليو من عام الف وتسعمائة واربعة واربعين. وقد كانت الحكومات الخمس والاربعون التي جري تمثيلها في هذا المؤتمر تسعي إلي وضع إطار للتعاون الاقتصادي الدولي يحول دون دخول العالم في حرب عملات دولية جديدة بعد تلك التي تسببت في حدوث الكساد الاقتصادي الكبير في ثلاثينيات القرن المنصرم. ومن ثم فان هذا الصندوق الدولي يستهدف في الاساس ضمان استقرار النظام النقدي الدولي والعملات الدولية وذلك من أجل دعم النمو الاقتصادي العالمي بشكل مستديم ورفع مستويات المعيشة, والحد من الفقر. وفيما يلي بعض الحقائق الخاصة بالصندوق الاعضاء187 بلدا المقر: العاصمة واشنطن المجلس التنفيذي:24 مديرا تنفيذيا يمثلون بلدانا أو مجموعات بلدان الموارد البشرية: نحو2500 موظف من160 بلدا مجموع الحصص المالية للاعضاء:376 مليار دولار أمريكي الموارد الاضافية المتعهد بها أو المرصودة600 مليار دولار اكبر المقترضين: اليونان والبرتغال وايرلندا الأهداف الاصلية: تنص المادة الأولي من اتفاقية تأسيس الصندوق علي الأهداف الاساسية التالية: تشجيع التعاون الدولي في الميدان النقدي تيسير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية العمل علي اقامة نظام مدفوعات متعدد الأطراف اتاحة القروض بضمانات كافية للبلدان الاعضاء التي تمر بأزمات مالية عاصفة.