للفتوي دور كبير في استقرار المجتمعات وإحداث نقلة نوعية في جميع مناحي الحياة وإذا كانت شاذة كان أثرها السلبي علي المجتمع بالغ الخطورة الأمر الذي يتطلب من مؤسسات الدولة اتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية التي تضمن قصر الفتوي علي المتخصصين فقط. حول كيفية السيطرة علي عشوائية الفتوي؟ وأهم الضوابط والآليات والعقوبة التي تضمن الردع الكافي لكل من يتصدي للفتوي دون علم, جاءت آراء العلماء في الأسطر التالية: د. مفيدة إبراهيم: يشترط في المفتي التصور والإحاطة الشاملة بالمسألة قبل الحكم فيها تشير الدكتورة مفيدة إبراهيم علي عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر إلي أن هناك غراما بالاستفتاء فما من شخص يتبوأ مكانة في الجرأة وشيء قليل من العلم والمعرفة إلا وتجد الناس يتسارعون إلي استفتائه في كثير من المسائل التي ربما سبق أن استفتوا فيها عددا غير قليل من أهل العلم. ولا يستغرب مع هذه الحال أن يوجد خلاف شديد وتناحر بين من يستفتون كل من هب ودب ومما زاد من خطورتها كثرة الأحداث, وتعدد القضايا التي ليس لها نظير في حياة سلفنا يقاس عليه, أو لها نظير ولكن تغيرت علل الأحكام بسبب تغير الظروف مما يستلزم معه تغير الحكم.. حتي لا تطلق هذه الفتاوي التي تزعزع الثقة برجال الدين, وتشغل الناس عن أمور الدين الصحيح بغير وعي, بما ستحدثه من أثر سلبي. وهذا كله يستلزم أن يكون المفتي علي قدر تام من التصور والإحاطة الشاملة بالمسألة قبل الحكم فيها حتي يكون الاجتهاد صوابا أو قريبا من الصواب وإلا أفسد علي الناس دينهم وحياتهم ودفعهم علي ارتكاب المعاصي من حيث لا يشعرون, وباء هو بإثمهم جميعا إلي يوم الدين. ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي, أو حلل شيئا مما حرم الله, أو حرم شيئا مما أباح الله, بمجرد رأيه وهذا مرتع خطير لابد من وضع حد له, فإن الإفتاء بغير علم ينبغي أن يعاقب عليه القانون عقوبة رادعة بأولئك الذين يتصدون للإفتاء قبل تمكنهم من أدواته وعلومه الضرورية. وفي هذا العصر يتطلب الأمر الابتعاد قدر الإمكان عن الإفتاء الفردي والارتجال في الإفتاء خاصة في المسائل التي تعم بها البلوي ويمكن أن يترتب علي الخطأ فيها تشتيت شمل الأمة, أو إيقاع شبابها في فتن لا مخرج لهم منها, وقد تصطلي الأمة كلها بنيرانها ومن هنا تتجلي أهمية الاجتهاد الجماعي لكونه مما يقلل الخطأ, ويدرأ شبهة اتباع الأهواء. وإذا تعارضت المصالح والمفاسد, والحسنات والسيئات, أو تزاحمت, فإنه يجب ترجيح الراجح منها, فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة, فينظر في المعارض له, فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر, لم يكن مزمورا به, بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته.. لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد يكون بميزان الشريعة. وعلي الإعلام أن يتنحي عن هذا الدور السلبي في التباري لجذب أعلي نسبة إثارة ومشاهدة لكل ما يضر بالوطن فما وحدنا إعلاما يقدم بلده بهذه الصور السيئة إلا إعلامنا للأسف, عليه ان يتجاهل هذه الفتاوي التي من شأنها زعزعة واستقرار أمن الوطن. د. صابر مشالي: حصر علماء الشريعة وإجازتهم للإفتاء من هيئة متخصصة يقترح الدكتور صابر مشالي عميد كلية دار العلوم بجامعة الفيوم علي دار الإفتاء حصر أساتذة الشريعة الذين لا يتجاوز عددهم100 أستاذ علي مستوي الجامعات المصرية لإجازتهم بالإفتاء من هيئة متخصصة ولا تعطي الإجازة إلا لمن حصل علي درجة الأستاذية في الشريعة الإسلامية, ويعقد اجتماع لهم بصفة دورية مع مفتي الجمهورية لرسم سياسة الافتاء. ويضيف مشالي أن الفتوي والافتاء إعلام بالحكم الشرعي وإبلاغه ولابد من توافر فيمن يقوم بالإعلام عن الحكم الشرعي الشروط المؤهلة لهذه المهمة الخطيرة وأولها التمكن من اللغة العربية التي تشكلت منها نصوص الشريعة بالإضافة للعلم بمقاصد الشريعة, والعلم بالمقاصد لن يتوافر إلا لمن تمكن من العلم بالقرآن ودلالات ألفاظه وبالسنة وعلومها وأصول الفقه. الشيخ فكري إسماعيل: 70% من أئمة المساجد يحتاجون للتأهيل يوضح الشيخ فكري إسماعيل وكيل أوقاف الاسكندرية سابقا أن مشكلة الفتاوي ستظل مستمرة طالما أئمة المساجد غير مؤهلين للفتوي حيث إن70% يحتاجون للتأهيل خاصة في الظروف التي يعانيها المجتمع من أمية دينية وانفلات أخلاقي فقد يتوقف علي الفتوي صلاح الدنيا والآخرة ومعرفة الحلال والحرام, وهي تحتاج من المفتي أن يكون عالما بالمسألة التي يفتي فيها تأسيسا لا تقليدا ويمتلك القدرة علي الترجيح والنظر المستقل في اجتهاد السابقين لتغير الأحداث والقضايا من عصر لعصر. د. مجدي عاشور: ميثاق لمنع غير المتخصصين أوضح مجدي عاشور المستشار العلمي لمفتي الجمهورية أن عشوائية الفتوي نتجت عن تصدر غير المتخصصين المؤهلين للفتوي, ويمكن التغلب علي هذا السبب بقصر الفتوي علي أهلها من المؤهلين الذين لم يدرسوا الشريعة فقط بل تدربوا علي الإفتاء خاصة في القضايا العصرية التي تخص الأمة وهذا لن يتحقق إلا بالتنسيق مع مؤسسات الدولة وعلي رأسها دار الإفتاء ووسائل الإعلام لوضع ميثاق للمسئولية لقصر الكتابة والحديث في وسائل الإعلام في الفتوي علي أهل التخصص, وهذا ليس دور المؤسسات الدينية وحدها ولكن دور مؤسسات الدولة, وفي مقدمتها المؤسسات الدينية والإفتاء والإعلام ووزارات الشباب والتربية والتعليم والتعليم العالي والثقافة وقصورها ومراكز الشباب بالمحافظات أصبحت السلاح الأوحد للجماعات الإرهابية الذي نستخدمه لإرهاب المجتمعات وتكفير الناس وبث الفرقة وإباحة دماء الإنسان والتعدي علي حرمات الأديان. د. عبدالله عزب: وضع آليات لردع من يتصدون لها وإحالة المخالفين للتحقيق يقول الدكتور عبدالله عزب وكيل كلية أصول الدين: إن السيطرة علي فوضي الفتاوي يمكن تحقيقه من خلال مجموعة ضوابط وآليات تضعها دار الإفتاء بحيث لا يتصدر للفتوي إلا كل من حصل علي تصريح أو تفويض بالافتاء سواء في المساجد أو وسائل الإعلام فما حدث في الآونة من صدور فتاوي شاذة قامت وسائل لإعلام بتضخيمها والاستفادة منها إعلاميا لجذب مزيد من المشاهدين والإعلانات علي حساب الدين فضلا عن أن أصحاب تلك الفتاوي لم يصدورها من عندهم بل أتوا بآراء ضعيفة من كتب التراث ولم يراعوا الظرف الزمني للمجتمع علما بان التعامل مع كتب التراث يقتضي الدقة وعدم العشوائية فمثل المسائل أو ما يطلق عليه فتاوي شاذة كانت موجودة في كل زمان لكنها كانت مقصورة علي العلماء وإثارتها الآن في ظل التقدم الهائل لوسائل الاتصال يسهم في نشر الكلمة في لحظات محذرا من خطورة تلك القضايا علي الامة انطلاقا من قوله تعالي إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون. ويضيف عزب يجب علي العاملين في المجال الإعلامي الحذر من تناول ما يثير البلبلة بجانب وضع آليات لردع من يتصدون للفتوي من خلال التنسيق بين الأزهر والإفتاء بإصدار تصاريح للمخول لهم الإفتاء في وسائل الإعلام وإحالة المخالفين للتحقيق كما حدث مع من أفتوا بفتاوي شاذة اججبت المشاعر في المجتمع وهي آراء رجعية لا صلة لها بالفكر الإسلامي المعتدل حتي لا تنجح الحرب الممنهجة ضد الأزهر والإسلام.