قانون تنظيم الفتوي العامة التي انتهت لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب من مناقشته مازال يثير الجدل علي الساحة الدينية حيث حدد أربع جهات منوط بها إصدار الفتوي وهي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ودار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية وإدارة الفتوي بوزارة الأوقاف مما جعل بعض المتخصصين والدارسين للفقه والشريعة يتخوف من إصدار فتوي حتي لا يقع تحت طائلة القانون وتطبق عليه العقوبة الجديدة. "المساء الديني" ناقش أبعاد هذا القانون ورأي العلماء فيه وكانت هذه تعليقاتهم يقول د. أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء إن المسائل التي يستفتي فيها قسمان الأول مسائل بسيطة لا تحتاج إلي إجماع العلماء كنواقض الوضوء والأشياء التي يعلمها معظم الناس أما القضايا الكبري كالزواج والطلاق والميراث وغيرها لابد فيها من أخذ رأي دار الإفتاء أو مجمع البحوث أو العلماء المتثبتين. أشار إلي أن القانون الجديد خطوة في طريق القضاء علي فوضي الفتاوي بغير علم وتطبيقا لقوله سبحانه وتعالي "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعملون" حيث إن الفتوي لا تؤخذ من أي إنسان وإنما يستفي العلماء الثقاة .. لذلك فإن هذا القانون يعيد التخصص لأصحابه بحيث يكون أهل الذكر هم أهل الفتوي. فتاوي شاذة د. محمد نجيب عوضين أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة والأمين العام السابق للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية يري أن مشروع القانون الجديد للفتاوي كان لابد منه بعد أن عمت فوضي الفتاوي في وسائل الإعلام المختلفة عن طريق أناس ليست لهم علاقة بالأحكام الشرعية حتي تسببوا في إثارة الفتن ونشر مفاهيم خاطئة عن طريق أحكام غريبة وفتاوي شاذة ليست لها مرجعية دينية صحيحة .. ومن هنا كان لابد من أن تتدخل اللجنة الدينية في البرلمان لتحجيم هذه الظاهرة بعد أن استفحل خطرها عن طريق مشروع قانون يحدد فيمن له الحق في الحديث عن أمور الفتوي ووضع عقوبات لمن يخالف نصوص هذا القانون أو ما يسهل له ذلك. أضاف د. عوضين أنه ليس معني صدور مثل هذا القانون أنه سوف يحجم من عمل المختص بالإفتاء وإنما الاستيثاق من قدرته وعلمه لأن المسألة ليست مجرد إظهار رأي وإنما هي مسألة فنية وعلمية تبني عليها الفطرة الصحيحة. أكد أن القانون يغلق الباب علي الأدعياء الذين ظهروا في الفترة الأخيرة وقلدوا أنفسهم في وظائف مزعومة كمصطلح الباحث أو المفكر الإسلامي أو الباحث في مجال الفكر الإسلامي والباحث في أمور آخر الزمان وغير ذلك من المصطلحات مثلهم مثل بعض أصحاب المهن الذين لا هم لهم إلا كسب شهرة ويجدون في هذا المجال طريقا سريعا. كما أنه يغلق الباب علي بعض الطوائف المنسوبة إلي فئات سياسية معينة كبعض السلفيين أو المتشددين الذين شوهوا علي الناس فكرهم في قضايا لا تحتاج إلي كل هذا الجهد ولا تؤثر في سلامة الأديان كالحديث عن مشروعية الاحتفال بعيد الأم أو تهنئة غير المسلمين بأعيادهم فهي أحكام بسيطة وواضحة في الفقه الإسلامي وهنا يكون قد قضينا علي كثير ممن لا يستفيد من ترجيح الآراء الفقهية عند تعددها في بعض قضايا المجتمع ولا تترك بلا ضوابط لهؤلاء حتي يسيطروا عليها. قانون أبتر أشار د. عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر إلي أن هذا القانون الهدف منه استئصال أفراد في المجتمع يعدون علي أصابع اليد الواحدة فهو قانون مغرض لم يقصد به تنظيم الفتوي كما يفيد ظاهره وإنما قصد به حصر هذه الفتوي علي أفراد المؤسسات الدينية ومعلوم أن هؤلاء منهم من يجيد الفتوي ومنهم من لا علاقة له بها لا من قريب أو بعيد. أضاف د. إدريس أنه من الغرائب والعجائب أنه ورد في مشروع القانون أن من يريد ممارسة الفتوي وبيان الحلال والحرام لابد وأن يحصل علي تصريح من الجهات الأربع التي وردت في المشروع التي قصرت عليها الفتوي دون غيرها فإذا علمنا أن علماء من غير هذه الجهات الأربع لهم كعب عال في مجال الفتوي في أمور الحلال والحرام عبادة ومعاملة بما لا يساميهم أحد من هذه الجهات الأربع المذكورة في المشروع فإن المقصود من صدور هذا القانون هو حرمان الناس من استفتاء هؤلاء العلماء والاستفادة من علمهم وفضلهم. يضاف إلي هذا أن القانون وضع ضوابط لمن يمنح رخصة في الإفتاء ومن يحرم منها كما لم ينص المشروع علي آلية منح الرخصة هل سيعقد اختبار لمن يريد الحصول علي هذه الرخصة ومن الذي سيختبره في هذه الجهات الأربع وفي أي شيء يختبرونه وكيف يكون التقييم وإذا كان المقصود من المشروع هو حجب أناس عن الظهور في وسائل الإعلام حتي لا يفتوا في مسائل الدين علي خلاف الشرع كما يدعي ممن اقترح مشروع هذا القانون فهل إذا أفتي أحد من هذه الجهات بما يخالف الشرع أو أفتي من منح رخصة بما يخالف الشرع فما هي العقوبة التي تقع عليه وما الإجراء الذي يتخذ في شأنه ؟. إن هذا المشروع خلا من ذلك وهذا يبين مدي العشوائية في إصدار قانون يعتمد علي هذا المشروع الأبتر وذلك لأنه قانون سيتم تمريره وتلبيته لفرد أو أفراد معينين بغض النظر عما فيه من عوار قد يترتب عليه مفسدة في هذا المجتمع لا تتحملها ظروفه الراهنة أو المستقبلية. قيمة الفتوي تقول د. آمال عبد الغني أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة المنيا إنه من المعلوم أن قيمة الفتوي وسمو مكانتها أنها توقيع عن رب العالمين وكما يقول العلماء إن المفتي مخبر عن الله كالنبي وليس كل من لديه دراية بالعلم الشرعي لدية القدرة علي الفتوي فالعبرة ليست فيمن يحمل العلم ولكن فيمن لديه أدوات تمكنه من الإفتاء .. فالقانون المقترح بادرة طيبة وجهد مشكور قد يساعد في تنظيم بعض المشكلات المتعلقة بالفتوي. والتناقض والتضاد فيها لدي من يتصدي للإفتاء العام . وقد يحد من نشر الفتاوي الشاذة التي تسبب الحرج والبلبلة والتخبط مما يؤدي إلي اهتزاز الثقة فيمن يتصدي للفتوي . ولكن قصر الفتوي علي بعض الجهات قد يؤدي إلي الوقوع في الحرج الشديد لكل من لديه المؤهلات العلمية والثقافية والتدريبية من أهل الدراسات المتخصصة في الشريعة والفقه العامة كدار العلوم والحقوق والدراسات الإسلامية وغيرها. تتساءل د. آمال هل يضبط القانون الفتوي علي شبكات التواصل الإجتماعي حاليا والتي تنتشر انتشارا هائلا وواسعا ولها أثر كبير في نشر الكثير من الفتاوي المخالفة والشاذة التي تنافي صحيح الدين ؟.. وهل يعالج الفتاوي العامة أم الخاصة والضوابط للمجامع الفقهية والنوازل وغيرها ؟.. حقيقة نحن في حاجة إلي تأهيل من يتصدي للفتوي وتأسيس قاعدة الربانية أنه مخبر عن الله وكيف كان السلف يتحرجون في الفتوي وليس الأصل فيها الراتب والمنصب . أيضا نحن في حاجة إلي ضبط الكثير من المصطلحات التي تستخدم في الفتاوي ومراعاة البيئات والأعراف . كذلك نحن في حاجة إلي إعلام يتحمل مسئولية نشر الفتوي ووضع ضوابط له أو ميثاق شرف للفتوي . بل في أشد الحاجة إلي الإعداد العلمي والعملي والنفسي والمجتمعي والثقافي لمن يتصدي للفتوي مع إحالة النوازل العامة بالأمة إلي الاجتهاد الجماعي عبر المجامع الفقهية المتخصصة . كذلك التركيز علي فقه الواقع المحيط بنا والتطور الهائل في شبكات المعلومات. ضرورة ملحة الشيخ خالد أبوعيد الهاشمي القيادي الدعوي والنقابي بالصعيد مما لاشك أنه قد تزاحم في الآونة الأخيرة كل من نصب نفسه عالما علي الفتوي بدون علم ومن هنا كان مشروع قانون تنظيم الفتوي الجديد ضرورة ملحة ومطلبا شرعيا ولا نبالغ إذا قلنا إنه قد تأخر كثيرا لأنه يعد نقلة كبيرة للقضاء علي فوضي الفتاوي وقصر الأمر علي الجهات المنوطة بالفتوي .. فنحن نعلم أن خطورة الإفتاء لا تقف عند القول فقط وإنما أصبح لها أضرار كبيره تعود علي الفرد والمجتمع فكان لابد من ضبط الفتاوي الشاذة التي تطلع علينا من هنا وهناك وفرض عقوبات علي من يفتي دون علم وتخصص .. فلو نظرنا إلي الأديان الأخري نجد أنه لا يفتي فيها إلا المسئولون عنها أما نحن المسلمون فعلي العكس نفتي دون علم أو دراسة .. لذلك جاء مشروع قانون تنظيم الفتوي في موضعه تمامًا ليقضي علي الفتن في المجتمع.