كل الناس تحيرهم فكرة السعادة, فهم لم يتوصلوا إلي كنهها, فتارة يظنون أنها في مكان بعيد لا يعرفونه, حتي يصلوا إليها, وتارة أخري يظنون أنها مجرد وهم, لأن الإنسان خلق في كبد, وبالتالي لم يخلق لكي يكون سعيدا, ولو حدث, فستكون سعادة لحظية للغاية, والبعض يردد أن السعادة إحساس بداخلنا, والآخرون يقولون إن السعادة قدرة علي التكيف مع الحياة والناس, أما أنا فأقول إن السعادة قرار. فالإنسان وحده هو من يستطيع أن يسعد نفسه أو يشقيها, فهو صاحب القرار في ذلك, ولا يمكن لأحد أن يراجعه مهما بلغت قوته أو قدرته, فلكي نتخذ قرار السعادة, علينا أن نؤمن أولا بأن السعادة ليست حالة دائمة, فهي حالة مرتبطة بمفردات معينة, وعدم توافرها في بعض الأحيان أمر منطقي للغاية, فدوام الحال من المحال, وليس من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالسعادة طوال الوقت, فهي مثل الحب والمرض والانشغال والألم والمرح, كل هذه المفردات لا تدوم, فحياة الإنسان عبارة عن رحلات طويلة أو قصيرة, ولكنها لابد أن تمر بجميع المفردات; حتي يكون لها معني وقيمة, ولكن علي الرغم من أننا جميعا ندرك ذلك, إلا أننا نأتي عند موضوع السعادة ونتوقف, وكأنها إما أن تكون موجودة أو غير موجودة, في حين أنها مثل بقية الأحاسيس, أحيانا تكون متوافرة وبكثرة, وأحيانا تتلاشي وتتواري تماما. والغريب أن السؤال الذي يتبادر إلي ذهن أي شخص, عندما يلتقي بإنسان لا يعرفه, هو أنت سعيد؟؟ فهو لا يسأل هل أنت غني, ناجح, مثقف, صادق, أو أي معني آخر, ونجد دائما الشخص الآخر يفكر كثيرا قبل أن يجيب, وكأن الإجابة مستحيلة, فالمنطق يقول إن الإجابة هي, أحيانا أشعر بالسعادة, وأحيانا أخري لا أشعر بها, ولكن من يرد أن يشعر بها فسيجدها, فهي قرار سيادي, لا يقبل الجدل أو النقاش. وهناك قصة تحكي عن توأم, كانا يعيشان في مدينة هادئة, حياة هانئة مع والديهما, وبينما كان أحدهما متفائلا جدا, يحدوه الأمل دائما, كان الآخر شديد التشاؤم, يائسا وحزينا, يري الحياة سوداء ومملة, فقرر الوالد عرضهما علي طبيب نفسي, ليري سبب اختلاف طباعهما, فقال الطبيب للوالد: في يوم عيد ميلادهما, افصل كل منهما في غرفة منفصلة عن الأخري; كي يفتح هديته, وقدم للطفل المتشائم أجمل الهدايا, أما المتفائل فقدم له علبة بداخلها علف حيوانات, ونفذ الوالد النصيحة, وأخذ يراقب رد فعل كل منهما, فوجد الطفل المتشائم يصرخ بأعلي صوته, ويقول: لا يعجبني لون هذا الحاسب, وهذه السيارة, صديقي لديه مثلها, وجلس حزينا كعادته, أما الطفل المتفائل, فأخذ يلقي بالعلف في الهواء بطريقة مرحة, وهو يضحك, وقال لوالده: من أين لك بهذا العلف؟ لابد وأن حصانا أبيض صغيرا بانتظاري في الخارج كهدية لعيد ميلادي. فذهب الوالد وأخبر الطبيب بما حدث, فقال له الطبيب: السعادة والتفاؤل خيار من خيارات الحياة, وليس من الضروري أن يكون الشخص السعيد هو الشخص الذي تحالفه الحظوظ والظروف دائما, بل هو من يمتلك طرقا وأفكارا مبتكرة وجديدة, تبعث في نفسه السعادة والأمل, رغم الظروف الصعبة, وبالفعل بعد عدة جلسات مع هذا الطفل المتشائم, بدأ يغير نظرته للحياة, وينظر لها بتفاؤل. وعليه, فعلينا أن نتيقن أن السعادة قرار لا يتخذه أو يصدره سوي الشخص القوي, فهو وحده من يستغل كافة العناصر والظروف المتاحة; لكي يحقق ولو جزءا يسيرا من سعادته; لأن السعادة ليست في تحقق ما نأمله, ولكنها تكمن في قدرتنا علي الاستمتاع بما نملكه, وباقتناص الفرص التي تتيحها لنا الحياة, لكي نسعد قدر طاقتنا, فالسعادة قرار سيادي