لم يجنوا شيئا سوي أنهم أبناؤنا, أبناء العجز والإهمال وقلة الحيلة.. كلنا فاسدون, ولا استثني منا أحدا, حتي بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة.. تلك الجملة التي هزت ساحات المحكمة, حين صرخ النجم الراحل أحمد زكي في وجه القضاة, خلال أحداث فيلمه السينمائي الشهير ضد الحكومة, منذ خمسة وعشرين عاما بعدما اكتشف أن ابنه ضمن المصابين في حادث قطار اصطدم بأتوبيس أطفال وقتل وأصاب العديد من التلاميذ, فأصر علي تطبيق العدالة علي المسئولين, وقام برفع دعاوي قضائية ضد وزير التعليم, ووزير النقل, ورئيس هيئة السكك الحديد, يتهمهم فيها بالإهمال الجسيم.. وبالمقابل فإن محامي الحكومة, والذي جسد دوره أبو بكر عزت يحاول أن يلقي اللوم كاملا علي الموظفين الصغار مثل سواق الأتوبيس وعامل التحويلة.. وعلي طريقة ما ذنب العنب بما يفعله الخمر.. طالب الكاتب بشير الديك, مؤلف الفيلم بمحاكمة عاجلة لرئيس الوزراء وحكومته, محملها نتيجة قتل الأطفال وقتل المستقبل, داعيا كل العقلاء للتشاور فيما بينهم ويخبروننا إلي أين نحن ذاهبون؟! المشهد السينمائي الذي صوره من خلف الكاميرا المخرج الراحل عاطف الطيب, وجسده أحمد زكي وكتبه بشير الديك, عام1992, لم يتغير عن مشهد يوم الجمعة المنصرم في حادثة تصادم قطاري الإسكندرية, والذي راح ضحيته العشرات وإصابة الكثيرين, وتبعه في اليوم التالي للواقعة مشهد الحريق المندلع في قطار أسوان, مع محاولات التعتيم القصوي, حفظا لماء وجه الوجه. ويذكرني مشهد الجمعة بمشهد مماثل وقع في يوم17 نوفمبر2012 حيث جاءت حادثة اصطدام قطار بأتوبيس مدرسي, بقرية المندرة التابعة لمركز منفلوط محافظة أسيوط, وأسفرت عن مقتل عشرات التلاميذ, وإصابة العشرات أيضا, ليدلل علي عدم تحرك الدولة خطوة للأمام, منذ خمسة وعشرين عاما,. بل استكانت وضعفت قوتها, واستسلمت للإهمال والفساد واللامبالاة, وأصبحت كالمرأة العاجزة, وأري أن الأولي للحكومة أن تفعل كعصافير الأشواك التي تنتحر عند عدم قدرتها علي الطيران. إن الحادثة مأساة, جناية وجريمة, كل لمحة فيها تجهش بالبكاء, علي مستقبل مجهول للدولة بصفة عامة, وللمجتمع والمواطن الذي تعمدت جميع الحكومات السابقة والحالية تهميشه, وشاركهم في هذا التهميش جميع وسائل الإعلام المضللة, من الذين حرصوا علي نقض غبار المساءلة, والجلوس تحت سماء الراحة. ولطالما عبرت مرافعة النجم القدير أحمد زكي خلال الفيلم, عن رأي الشارع ومطالب الجماهير في محاربة هذا الفساد, عندما بدأ المرافعة قائلا: أنا ابن هذه المرحلة والمراحل التي سبقتها, هنت عندما هان كل شيء, وسقطت كما سقط الجميع في بئر سحيقة من اللامبالاة, والإحساس بالعجز وقلة الحيلة.. لكني اصطدمت بحالة خاصة شديدة الخصوصية, جعلتني أراجع نفسي, أراجع موقفي كله أراجع حياتي وحياتنا.. اصطدمت بالمستقبل, رأيت فيه المستقبل الذي يحمل لنا طوق نجاة حقيقي, رأيت أننا نسحقه دون أن يهتز لنا جفن, نقتله ونحن متصورون أن هذه هي طبائع الأمور.. فكان لابد لي أن أقف وأصرخ, أن هذه جريمة, جريمة كبري, لابد أن يحاسب من تسبب فيها.. كل ما أطالب به أن نصلي جميعا واحدة, لإله واحد إله العدل الواحد الأحد القهار.. لست صاحب مصلحة خاصة, ليس لي سابق معرفة بالشخوص الذين أطلب مساءلتهم, ولكني لي علاقة ومصلحة بهذا البلد, لدي مستقبل هنا أريد أن أحميه, أنا لا أدين أحدا بشكل مسبق, ولكني أطالب المسئولين الحقيقيين لتلك الكارثة بالمثول أمام عدالتكم, لسؤالهم واستجوابهم فهل هذا كثير؟ أليسوا بشرا خطائين مثلنا!.. أليسوا قابلين للحساب والعقاب مثل باقي البشر؟!.. سيدي الرئيس.. أنا ومعي المستقبل كله نلوذ بك, ونلجأ إليكم, فأغيثونا. ويظل المشهد سبيلا للدفاع عن مستقبل أبناؤنا في ضرورة محاسبة المسئولين الحقيقيين عن تلك الكوارث, فحتي الآن يموت أبناؤنا علي الأسفلت, وتموت الضحايا علي السكك الحديدية, والشوارع والمزلقانات, والطرق بشتي أنواعها, بسبب الإهمال والفساد.. ويظل المسئولون والمقصرون دون عقاب أو رادع. أما رسالة الفاروق: أخاف أن تتعثر دابة في العراق فيسألني الله لم لم تمهد لها الطريق يا عمر.. هل سيهتز لها يوما جبين المسئولين؟!.. وهل سيفيد البكاء علي اللبن المسكوب؟ فحتي وإن اعتذرت الريح.. فسيبقي الغصن مكسورا.