نشأ حمادة بين أحضان أسرة ظاهرها الفقر وباطنها التعفف الذي لم يكن ذريعة لأي من أفرادها لكي يسلك طريق الحرام, فالأب كان رجلا مكافحا طيب القلب, يخرج منذ الصباح الباكر للعمل في مزارع القصب التي تحيط بقريته داخل مركز كوم أمبو من أجل أن يوفر لقمة العيش لأفواه جائعة من بينها حمادة الذي ظهرت عليه علامات التمرد ورفض الأمر الواقع عليه منذ الصغر. ولأن الأب كان مشغولا بعمله الذي غالبا ما يبدأ بعد صلاة الفجر وينتهي قبل المساء بقليل, تولت الأم رعاية وتربية أولادها الذين شذ عنهم وكما كان يحلو لها أن تناديه هذا العفريت الصغير, الذي كان دائم المشاكل مع أطفال القرية بعنفه ومحاولاته فرض السيطرة عليهم أو كما يقولون بالقري فرض الزعامة! اعتقدت الأم بأن تدليلها للولد الشقي فترة من العمر وستمر, لكن اعتقادها خاب بعد أن دخل في أخطر مراحله السنية وهي مرحلة الوهم بالرجولة المعروفة بالمراهقة, لتبدأ سلسلة من الشكاوي تصل إليها حول تصرفاته وهي تتكتم علي الأمر حتي قررت إبلاغ أبيه بما يحدث لينفجر الأب في وجه الجميع مقررا اصطحابه معه في العمل لإنقاذ مايمكن إنقاذه. لم يكن حال هذا العمل يعجب حمادة علي الإطلاق لرغبته في أن يقفز كل السلالم دفعة واحدة وصولا إلي مجد المال الزائف حتي لو علي حساب الحرام, وفي جلسة جمعته بصديق تسامرا خلالها سويا في الحديث عن تجارة الكيف كأسهل طريق لجمع الأموال, بدا الاثنان كأنهما يفكران بعقلية واحدة, مما سهل علي حمادة استهلال طريقه في الاتجار بطلقات البانجو التي منها كان يدبر أحواله ومن خلالها يحصل أيضا علي كيفه ومزاجه. ولأنه وبطبعه كان دائم التمرد علي الأمر الواقع لم يكن هذا الحال حاله يروق لرغباته أو طموحه, فأخذ يفكر ويفكر في كيفية تطوير تجارته, خاصة في الفترة التي كان فيها الأمن غائبا بعد يناير2011, ومرت الأيام والشهور وشهرة حمادة وتجارته تزداد تألقا ورواجا, ومعها كان طموحه وغروره بلا حدود, حتي عندما أبلغه صديقه القديم بأن صيته وصل إلي رجال المباحث لم يعط الأمر اهتماما وظل علي نهجه الإجرامي كما هو, حتي سقط في قبضة رجال الأمن في سيناريو مثير بدأ بتعقبه في كل خطوة عن طريق رجال الشرطة السريين بمركز كوم أمبو, والغريب أن سقوطه الخائب وبعد كل هذا المشوار الإجرامي جاء في شحنة لا تتعدي الكيلو جرامات الأربعة من البانجو, فكما بدأ صغيرا سقط أيضا صغيرا في حملة ضمن حملات تطهير مركز كوم أمبو من المخدرات.