يخطيء من يعتقد أن الصراع الموجود الآن في شبه الجزيرة الكورية بسبب السلاح النووي الكوري الشمالي هو صراع بين الكوريتان لأن الواقع يؤكد أنه صراع بين القوي الكبري في العالم وبالتحديد أمريكا واليابان من ناحية والصينوروسيا من ناحية أخري وبينهما الكوريتين رغم التصعيد العسكري والتوتر الشديد بين البلدين الجارتين منذ سنوات إلا أن ما شهدته الأيام الماضية من تكثيف وزيادة واضحة لهذا التوتر وزيادة الحشود العسكرية في الجانبين يؤكد أن المواجهة العسكرية بينهما بعيدة الحدوث وأن هذا التصعيد له أهداف أخري غير اعلان الحرب من أي من الطرفين. فعلي الرغم من وجود أكثر من28 ألفا و500 جندي أمريكي في كوريا الجنوبية واستمرار المناورات العسكرية المشتركة بين سيئول وواشنطن منذ سنوات وبالتالي رفع قوات كوريا الشمالية حالة الاستعداد للدرجة القصوي فإن التلويح من قبل بيونج يانج باستخدام السلاح النووي غير مطروح لعدة أسباب أهمها: أن استخدام السلاح النووي لن يدمر كوريا الجنوبية واليابان وجزءا من أمريكا فقط بل سيدمر جزءا من كوريا الشمالية أيضا, وعواقب استخدام السلاح النووي خطيرة عالميا وغير محسوبة بدقة وبالتالي من الممكن أن تؤدي إلي اندلاع حرب عالمية ثالثة ودمار كبير في العالم, بالاضافة إلي ذلك فإن الصين الحليف القوي لكوريا الشمالية ترفض تماما استخدام السلاح النووي كما ترفض بل انها حذرت واشنطن من توجيه ضربة عسكرية إلي بيونج يانج والسعي إلي المفاوضات السلمية لنزع فتيل الأزمة الحالية بين الكوريتين. ولذا فإن القول بان هناك بوادر حرب وشيكة بين الكوريتين غير صحيح إلي حد كبير خاصة أن هناك توازنات ومصالح استراتيجية لكل من واشنطن وبكين وطوكيو وموسكو في تلك المنطقة وأن الجميع لا يسعي لاندلاع حرب بل لتحقيق مكاسب من هذا التوتر خاصة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي خسر كثيرا من شعبيته في الداخل ويسعي إلي تحقيق أي انتصار خارجي علي غرار ما حدث في سوريا ليثبت ليس للعالم بل للناخب الأمريكي أنه الرجل الأقوي في العالم وانه يمتلك قرار الحرب ووقف الحرب أيضا بل إنه خفف لهجته الخطابية تجاه الصين وسعي إلي وصف دورها في حل الأزمة النووية الكورية بالمهم والمؤثر. وأيضا لا يمكن أن نتجاهل الضغوط القوية التي يمارسها ترامب علي روسيا بهدف اضعاف موقفها في سوريا وتحقيق أكبر قدر من المكاسب في هذا الملف المهم لواشنطن بالاضافة إلي التشابك الكبير في العلاقات بين واشنطن وبكين سواء تجاريا حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بينهما520 مليار دولار معظمها لصالح الصين إلي جانب التوتر في العلاقات علي خلفية دعم واشنطن لمنطقة تايوانالصينية عسكريا وأيضا دعمها لمنطقة التبت الصينية وهو ما يدفع الصين إلي استخدام الكثير من أوراق الضغط لديها ضد واشنطن وفي مقدمتها علاقاتها التاريخية والمتميزة مع بيونج يانج واستمرارها في الحفاظ علي تلك العلاقات رغم تحفظ واشنطن عليها. والمؤكد أن الفترة المقبلة شوف تشهد الكثير من التوازنات والموأمات السياسية بين القوي الكبري قد يكون بعضها علي حساب الملف النووي الكوري أو علي حساب مواقف بعض القوي الكبري تجاه ملفات في الشرق الأوسط في مقدمتها الملف السوري أو الليبي أو الأزمة الأوكرانية في أوروبا بالاضافة إلي سعي الجميع ليس إلي تحقيق التهدئة بين شطري الجزيرة الكورية بقدر سعيهم إلي تحقيق مكاسب من تلك الأزمة.