دخل الأحنف بن شريك علي رسول الله صلي الله عليه وسلم, فوجده يقبل حفيده الحسن بن علي رضي الله عنهما, فتعجب الرجل, وقال: والله يا رسول الله إن لي عشرة من الأبناء ما قبلت أحدا منهم أبدا, فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم:( من لا يرحم لا يرحم) يروي لنا النبي صلي الله عليه وسلم قصة رجل غفر الله له, لأنه سقي كلبا عطشانا, فيقول صلي الله عليه وسلم:( بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فيها, فشرب, ثم خرج, فإذا كلب يلهث, يأكل الثري من العطش, فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي, فنزل البئر فملأ خفه( حذاءه) بالماء, ثم أمسكه بفيه( بفمه), فسقي الكلب, فشكر الله له, فغفر له). فقال الصحابة: يا رسول الله, وإن لنا في البهائم لأجرا؟ قال:( في كل ذات كبد رطبة أجر( يقصد أن في سقي كل كائن حي ثوابا) الرحمة هي الرقة والعطف والمغفرة والمسلم رحيم القلب, يغيث الملهوف, ويصنع المعروف, ويعاون المحتاجين, ويعطف علي الفقراء والمحرومين, ويمسح دموع اليتامي, فيحسن إليهم, ويدخل السرور عليهم. ويقول الشاعر: ارحم بني جميع الخلق كلهم وانظر إليهم بعين اللطف والشفقة وقر كبيرهم وارحم صغيرهم ثم ارع في كل خلق حق من خلقه يقول الله تعالي:( كتب ربكم علي نفسه الرحمة) ويقول الله تعالي:( فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) ونحن دائما نردد في أول أعمالنا:( بسم الله الرحمن الرحيم) ويقول النبي صلي الله عليه وسلم:( لما خلق الله الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي) فرحمة الله سبحانه واسعة, ولا يعلم مداها إلا هو, فهو القائل:( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون) ويقول النبي صلي الله عليه وسلم:( جعل الله الرحمة مائة جزء, فأمسك تسعة وتسعين, وأنزل في الأرض جزءا واحدا, فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق, حتي ترفع الدابة حافزها عن ولدها خشية أن تصيبه). والرحمة والشفقة من أبرز أخلاق النبي صلي الله عليه وسلم, وقد وصفه الله في القرآن الكريم بذلك, فقال تعالي:( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) وقال تعالي عن النبي صلي الله عليه وسلم:( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين, وقال تعالي: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك). وقال الرسول صلي الله عليه وسلم:( ارحم من الأرض, يرحمك من في السماء) وقال صلي الله عليه وسلم:( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم, مثل الجسد, إذا اشتكي منه عضو, تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي), والمسلم رحيم في كل أموره, يعاون أخاه فيما عجز عنه, فيأخذ بيد الأعمي في الطرقات ليجنبه الخطر, ويرحم الخادم, بأن يحسن إليه, ويعامله معاملة كريمة, ويرحم والديه, بطاعتهما وبرهما والإحسان إليهما والتخفيف عنهما. والمسلم يرحم نفسه, بأن يحميها مما يضرها في الدنيا والآخرة, فيبتعد عن المعاصي, ويتقرب إلي الله بالطاعات, ولا يقسو علي نفسه بتحميلها ما لا تطيق, ويجتنب كل ما يضر الجسم من أمراض, فلا يؤذي جسده بالتدخين أو المخدرات... إلي غير ذلك والمسلم يرحم الحيوان, فرحمة المسلم تشمل جميع المخلوقات بما في ذلك الحيوانات وحذر النبي صلي الله عليه وسلم من الغلظة والقسوة, وعد الذي لا يرحم الآخرين شقيا, فقال صلي الله عليه وسلم:( لا تنزع الرحمة إلا من شقي) وقال صلي الله عليه وسلم:( لا يرحم الله من لا يرحم الناس) وأخبرنا أن امرأة دخلت النار من أجل قسوتها وغلظتها مع قطة, فيقول صلي الله عليه وسلم:( دخلت امرأة النار في هرة( قطة) ربطتها, فلم تطعمها, ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض( دوابها كالفئران والحشرات) فهذه المرأة قد انتزعت الرحمة من قلبها, فصارت شقية بتعذيبها للقطة المسكينة التي لا حول لها ولا قوة. أما المسلم فهو أبعد مايكون عن القسوة, وليس من أخلاقه أن يري الجوعي ولا يطعمهم مع قدرته, أو يري الملهوف ولا يغيثه وهو قادر, أو يري اليتيم ولا يعطف عليه, ولا يدخل السرور علي نفسه, لأنه يعلم أن من يتصف بذلك شقي ومحروم. من علماء الأزهر