اهتمت الشريعة الاسلامية بالزواج باعتباره حجر الزاوية في بناء الأسرة التي هي النواة الأولي في المجتمع حيث جعلت حزمة من الإجراءات الوقائية في حالة ظهور ما يهدد هذه العلاقة بأي نوع من الفشل حفاظا علي مستقبل الابناء من التشرد وجعلت الطلاق أبغض الحلال إلي الله كحل أخير إذا استحالت العشرة ولكن المتأمل في الأحوال الاسرية يفاجأ بأرقام مدهشة لأطفال الشوارع بسبب التفكك الأسري, مصر المرتبة الاولي عالميا في ارتفاع نسب الطلاق حيث وصلت ل40% خلال الخمسين عاما الأخيرة ليرتفع عدد المطلقات إلي ثلاثة ملايين مطلقة مما يهدد سلامة المجتمعات. وحول مغبة الحلف بالطلاق علي الاسرة والمجتمع وكيفية العلاج والحفاظ علي النواة الأولي في المجتمع. إن الحياة الزوجية لا تخلو من مشكلات تحدث يوميا ربما لأتفة الأسباب والعاقل الذي يتغلب عليها ويعالجها بهدوء لتسير عجلة الحياة الزوجية ولتستمر كما أرادها الخالق ولذلك جعل الله للزوج حق القوامة لقولة تعالي الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم( النساء/34 نزلت في سعد بن الربيع وقد نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد وكان سعد من النقباء وهما من الأنصار فلما نشزت عليه لطمها فانطلق أبوها معها إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها فقال النبي: لتقتص من زوجها فانصرفت مع أبيها لتقتص من زوجها فقال النبي صلي الله عليه وسلم: ارجعوا هذا جبريل أتاني فأنزل الله: الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم( النساء/34) فقال النبي صلي الله عليه وسلم أردنا أمرا فأراد الله أمرا والذي أراد الله خيرا ورفع القصاص وهي معناها قيادة رأي ومشورة لأن قيادة الأسرة تحتاج إلي حزم وعزم والمرأة لا تصلح لذلك والذي جعل هذا هو خالق البشر سبحانه وتعالي الذي يعلم ما فيه الخير للجميع وجعل علاج النشوز الذي قد ينشب بسبب خلاف بين الزوجين أو قد تنحرف المرأة عن الصواب جعل الإسلام له علاجا لتستمر الحياة الزوجية علي المودة والسكن كما أرادها الله عز وجل أن تكون لقوله تعالي: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون( الروم/21). فإذا ما حدث الخلاف قدم القرآن العلاج الناجح في قوله تعالي: الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ والله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن اهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا( النساء34/4). عبدالناصر بليح: الشريعة عالجت النشوز بالوعظ والهجر والضرب ولم تبدأ بالانفصال يقول الشيخ عبدالناصر بليح- وكيل أوقاف الجيزة- إن الحياة الزوجية لاتخلو من مشكلات تحدث يوميا ربما لأتفه الأسباب- والعاقل الذي يتغلب عليها, ويعالجها بهدوء لتسير عجلة الحياة الزوجية, ولتستمر كما أداءها الله تعالي علي المودة والسكن لقوله تعالي ومن آياته أن خلق لكم بين أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون( الروم21). والاسلام قدم طرقا للمعالجة قبل أن تحيد الزوجة فبمجرد خوف الرجل من نشوز زوجته قبل أن تحيد أو تميل واللاتي تخافون نشوزهن ولم يقل واللاتي نشزن بالفعل لأن النشوز إذا وقع كان من العسير ومن الصعب معالجته إلا بعد وقت طويل يحتاج إلي مجهود كبير وقد جعل الله العلاج علي ثلاث مراحل وعظ ثم هجر ثم ضرب موضحا أن القرآن الكريم حين شرع الضرب كعلاج إنما قصد الضرب الرحيم لمجرد التأديب وإحساس المرأة بخطئها..لا ضرب التشفي والإذلال ولا الذي يحدث بها عاهة قد تستديم, إنه ضرب لمجرد الطاعة فإن أطاعت فلا شيء عليها ويجب أن يوقف هذا العلاج فورا وقد سئل الرسول صلي الله عليه وسلم: هل تضرب المرأة يا رسول الله فقال: اضربوا ولن تضرب خياركم ونهي عن الضرب لمجرد الضرب فقط فقال صلي الله عليه وسلم: لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم( البخاري). ويضيف بليح إذا احتدم الخلاف بين الزوجين ولم تنفع طرق العلاج الثلاث الأولي الوعظ والهجر والضرب وأصبحت الحياة الزوجية مهددة بالخطر لابد من اللجوء لأهل الزوج وأهل الزوجة من العقلاء الذين إذا اطلعوا علي الأسرار حفظوها صارت مهمة الحكمين مهمة شاقة فإنهما يجب عليهما أن يختليا بالزوج ويتعرفا أسباب الخلاف ويذكراه بمصير الأولاد وحسن العشرة بينهما وبالمصاهرة وبالفضل الذي بينهما وعلي الحكم من أهل الزوجة أن يختلي بها ويشترط أن يكون من المحارم ويتعرف منها أسباب الخلاف وأن يذكرها بالله وحسن الصحبة وكل شيء حسن فعله الزوج معها إن كانت قد نسيت بطبيعتها وكفرت بالعشرة كما يذكرها نتيجة الطلاق وما فيه من متاعب ونظرة المجتمع للمطلقة ومصير الأولاد إن كان بينهما أولاد كما ان الحكمين إذا أرادا صلحا وأخلصا النية لله كان توفيق الله حليفهما وكانت هداية الله لكل من الزوجين أما إذا أراد طرف والطرف الآخر لم يرد إلا الطلاق فليس هناك توفيق بينهما. ويوضح بليح أن للصلح بين الزوجين أساليب منها التلطف في العبارة واختيار أحسن الكلم في الصلح. - استحباب الرفق في الصلح وترك المعاتبة إبقاء المودة, لأن العتاب يجلب الحقد ويوغر الصدور. والابتعاد عن الأساليب التي قد تكسب الجولة فيها وينتصر أحد الطرفين علي الآخر لكنها تعمق الخلاف و تجذره: مثل أساليب التهكم والسخرية, أو الإنكار والرفض, أو التشبث بالكسب, وفي بدء الحوار يحسن ذكر نقاط الاتفاق فطرح الحسنات والإيجابيات والفضائل عند النقاش مما يرقق القلب ويبعد الشيطان ويقرب وجهات النظر وييسر التنازل عن كثير مما في النفوس, قال تعالي( ولا تنسوا الفضل بينكم) بجانب وعظ الزوج بضرورة التحلي بالصبر علي الطبائع المتأصلة في المرأة مثل الغيرة كما قال صلي الله عليه وسلم الرضا بما قسم الله تعالي فإن رأت الزوجة خيرا حمدت, وإن رأت غير ذلك قالت كل الرجال هكذا, وأن يعلم الرجل أنه ليس الوحيد في مثل هذه المشكلات. د. علي الله الجمال: الصيغة القولية الأصل.. والتوثيق الفرع ويقول الدكتور علي الله الجمال من علماء وزارة الأوقاف إن الطلاق الشفوي يقع منذ أن يتلفظ به الإنسان وهذا باتفاق الأئمة الأربعة, وذلك لأن الصيغة القولية في الطلاق هي الأصل والتوثيق هو الفرع وإنما حدث التوثيق ضمانا للحقوق عندما خربت الذمم مشيرا إلي ان القول بإنكار الطلاق الشفوي, وإيجاب التوثيق حفاظا علي الأسر من الانهيار, يعد بمثابة تعديل علي الشريعة, وهذا اتهام للشريعة بأنها قاصرة وعاجزة, فالشريعة التي أمرت بتوثيق الديون, لم تأمر بتوثيق الطلاق في ذاته الوقت, ألم يكن من الأولي أن تأمر بتوثيق الطلاق؟ لأن المحافظة علي كيان الأسرة مقدم علي حماية المال. والصواب أن الشريعة لم تأمر بتوثيق الطلاق لأنه واقع إذا توافرت أسبابه, سواء بالتوثيق أم بالقول, ولو جحده أحد الزوجين فهو مسئول أمام الله. كما أنه لا يجوز قياس توثيق عقد النكاح علي الطلاق, لأن من شروط عقد الزواج الإشهار, والإعلان, وليس من شروط الطلاق الإشهار, بل الستر فيه أولي. ويترتب علي إيجاب التوثيق بطلان الطلاق الشفوي المعمول به منذ عهد النبي حتي الآن, وهذا يترتب عليه ضياع حقوق المطلقات شفويا كالميراث مثلا لو أوجبنا توثيق الطلاق لترتب عليه ألا يراجع الزوج زوجته أثناء العدة بعد الطلقة الأولي إلا بعد توثيق الرجعة أيضا, وهذا من شأنه المصادرة علي حق شرعي منحه الشرع للرجال, وهو إمكان مراجعة الزوجة في فترة العدة, هذا بالإضافة إلي الأثر السيئ المترتب علي إيجاب التوثيق, وهو اعتقاد أهل الزوجين انتهاء الحياة الزوجية, لأن الطلاق الشفوي في كثير من الأحيان يقع بين الزوج وزوجته, ثم يراجعها, دون علم الأهل, أما في حالة إيجاب التوثيق فلابد من مشاركة أهل الزوجين, وهنا تزيد عقدة الخلاف, لأنهم سيعرفون الأسباب الداعية للطلاق ويضيف الجمال كان من الأولي أن تتم معالجة أسباب الطلاق, لأن الخطأ لا يعالج بتعطيل حدود الله وأن إنكار الطلاق الشفوي, يترتب عليه الاستهتار بحدود الله, حيث تصير كلمة الطلاق علي لسان كثير من الناس, وهذا فيه لعب بالدين, ولذا أكد النبي خطورة التلاعب بكلمة الطلاق في قوله:( ثلاث جدهن جد,وهزلهن جد,النكاح, والطلاق, والرجعة) كما أن فيه أيضا اعتداء علي الحرية الشخصية التي احترمها الإسلام, فليس من الممكن أن تستمر الحياة الزوجية في حالة رفض الزوجين للآخر, وأما عن وجوه التيسير في الطلاق فالفقه الإسلامي فيه ما فيه من التيسير الكبير في مسائل الطلاق كاختلاف الفقهاء في طلاق الغضبان والسكران, والطلاق المعلق, والطلاق البدعي وغير ذلك, فهناك أكثر من منفس ومخرج في الفقه الإسلامي حماية للأسر من التشرد. عبد العزيز النجار: الاهتمام بالتنشئة الأسرية يحد من الظاهرة يري الشيخ عبد العزيز النجار من علماء الأزهر- أن للطلاق أسبابا منها ما هو اجتماعي واقتصادي, ومنها ما هو عدم توافق في الطباع والاحتياجات اليومية, وإذا نظرنا لدول كثيرة لوجدنا أن نسب الطلاق فيها أقل بكثير, وهذا مرجعه إلي ارتفاع نسب الدخل بالنسبة للأسرة مما يقلل من نسب الطلاق حيث انه يجعل الخلافات الأسرية محصورة في أمور لا ترقي لدرجة الطلاق, رغم أن الطلاق الشفهي يقع في هذه الدول, ومع ذلك النسب فيها قليلة مما يؤكد أن التوثيق ليس هو الحل الوحيد, وعلينا الاهتمام بالتنشئة الأسرية, ونشر ثقافة التعايش بين الأفراد مع الحد من تدخل الآباء والأمهات في حياة أبنائهم, خاصة في العلاقة الزوجية من بدايتها حتي لا تضيق المحاكم بالقضايا من أجل إشباع رغبة الأهل في الانتقام من الطرف الآخر وتأديبه, كما أن الجهات التعليمية والمؤسسات الدينية لابد أن تركز في كيفية تعامل الزوج مع زوجته والزوجة أيضا مع زوجها من اليوم الأول. و ما نراه الآن من سجال يساعد علي الانفصال, وكأننا نعلم الزوج كيف ينفصل عن زوجته بشكل شرعي وقانوني مما يزيد من حالات الطاق, ويساعد علي الهجر والكره البغضاء التي ترتد إلي الأسرتين مؤكدا ضرورة الأشغال بكيفية الإصلاح بين الزوجين بنشر ثقافة التسامح والعفو حتي تستر الحياة, وتقل حالات الطلاق فإذا ما عرف الزوجين ما عليهما من واجبات, وما لهما من حقوق والتزم كل طرف بتلك المواثيق ساد الحب والوئام, وهو ما فعله شريح القاضي مع زوجته حيث قال منذ عشرين عاما لم أر من زوجتي ما يغضبني إلا مرة واحدة, وكنت لها ظالما فلابد من وضع المواثيق احترامها حتي تصل سفينة الحياة إلي بر الأمان. د. محمد الشحات الجندي: التوعية بخطورته مسئولية الخطاب الديني وطالب الدكتور محمدالشحات الجندي أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بمزيد من التوعية بخطورة الطلاق في الخطاب الديني سواء في المسجد أو في الدروس الأسبوعية أو البرامج التليفزيونية باعتبار انها مهمة الخطاب الديني في جميع الوسائل حتي يفهم الازواج أن الطلاق ليس حقا لهم وإنما هو رخصة لا يتم استخدامها إلا إذا تعذرت الحياة بينهما وأصبحت مستحيلة ولا سبيل امامهما إلا الطلاق, وهذا يتسق مع المفهوم الذي أرسته السنة النبوية في قوله صلي الله عليه وسلم إن ابغض الحلال عند الله الطلاق لما يترتب عليه من تفسخ للرباط الأسري وتشريد الأبناء, وهذا يتطلب توعية دائمة لتصحيح الفكر المغلوط لدي كثير من الرجال بشأن استخدامه خاصة بعد أن بلغت نسبة الطلاق في المجتمع40%. موضحا أن حسن الاختيار عند الزواج لكلا الطرفين طبقا للضوابط الشرعية يساهم كثيرا في الحد من نسب الطلاق بالإضافة لمعرفة الطرفين حق كل منهما وواجباته تجاه الآخر.