الدولة الأقدم في التاريخ, لم تتغير حدودها منذ توحيدها سياسيا وإداريا, قبل أكثر من خمسة آلاف عام, وقد حال انسجام النسيج المصري كثيرا دون وقوع ثورات داخلية ودائما يأتي الخطر من الأطراف حين يضعف قلب الدولة, فتتداعي علينا الجيوش. مرة أخري أتانا الغزو من الغرب, من ليبيا, في فترات متأخرة, لكن الخطر الدائم يأتي من الشرق, عبر بوابة سيناء, المساحة التي يظن الاستعمار دائما أنها أرض رخوة, يطل منها علي مصر, وآخرها الغزو الذي استمر أكثر من23 قرنا منذ الإسكندر الأكبر سنة332 قبل الميلاد, حتي ثورة يوليو1952. وكل يوم تمدنا اكتشافات أثرية بجديد عن طريق حورس الحربي, الممتد من غرب سيناء إلي الشمال, بلاد الشام عبر فلسطين, وهو درس ينبغي استعادته والتذكر به, إذ استقر في وعي المصري القديم أن يقيم مجموعة من القلاع والحصن علي هذا الطريق, حماية للبلاد من الغارات الشرقية, ويعود هذا الطريق إلي عصر الدولة الحديثة التي وضع أسسها أحمس, والشهيرة بعصر الإمبراطورية( نحو1567 1085 قبل الميلاد). ولعله لهذا السبب كان زهو جولدا مائير كبيرا بنجاح أرييل شارون في صنع الثغرة في حرب1973, إذ نسيت رئيسة الوزراء الإسرائيلية العار الذي لحق بجيشها الذي لا يقهر, وقالت: إن لنا الآن جنودا يحاربون في إفريقيا متجاوزين سيناء إلي العمق المصري. لم تحظ منطقة مصرية بعدد من الكتب, والدراسات, والتفجيرات الإرهابية, والأزمات الدبلوماسية, والحروب العسكرية, مثل سيناء, والكتاب المرجع عنها ألفه نعم بك شقير قبل نحو قرن, وعنوانه تاريخ سينا القديم والحديث وجغرافيتها.. مع خلاصة تاريخ مصر والشام والعراق وجزيرة العرب وما كان بينها من العلائق التجارية والحربية وغيرها عن طريق سيناء من أول عهد التاريخ إلي اليوم, والمؤلف بحكم عمله في قلم المخابرات البريطانية في مصر, كان له دور فاعل في بعض الوقائع, كشاهد عيان, لهذا كتب في كثير من المواضع بصيغة المتكلم دعاني فلان.. حكي لي فلان.. أخبرني.. أثبته في يوميتي. الطريف أنه يثبت أن سيناء مجهولة عند عامة المصريين, لكنها حصن طبيعي لمصر, وأن أول ما يجب علي طالب السفر إليها الحصول علي إذن الدخول إليها من مدير المخابرات في نظارة الحربية بمصر القاهرة, ويقول: إن المصريين أصحاب سيناء قلما يزورونها, أو يعلمون شيئا من أمرها مع أن الإفرنج يدخلونها أفواجا كل سنة, قصد السيد والنزهة وزيارة الدير أو البحث عن المعادن, أو التنقيب عن الآثار. ويسجل تحت عنوان الجمعية الصهيونية في رفح حضور بعض رجال الجمعية الصهيونية إلي رفح عام1908, حيث اشتروا من أهلها بعض الأراضي بقصد تأسيس مستعمرة لهم هناك, وكان بعض تلك الأراضي الحكومية وبعضها منازع علي ملكيته, فلم يثبت لرجال الجمعية من الأرض ما يكفي لإنشاء مستعمرة فوقف عملهم. الدكتور صبري أحمد العدل محقق الكتاب يري أن هذه المحاولة الصهيونية, سبقتها محاولات أخري أهمها مشروع العريش الذي تبناه تيودور هرتزل عام1903, حيث جاء هرتزل(1860 1904) مؤسس الحركة الصهيونية إلي القاهرة في مطلع القرن العشرين, بعد أن أصدر عام1895 كتابه الدولة اليهودية, وطالب أغنياء اليهود في مصر بمساعدته في الحصول علي موافقة الخديو عباس حلمي الثاني(1892 1914) علي منهح سيناء وطنا قوميا لليهود. منطقة طابا وحدها كانت مسرحا لثلاث أزمات حدودية في أقل من100 عام, ففي عام1892 تفجرت أزمة فرمان تولي الخديو عباس, وفي عام1906 قامت قوة عثمانية باحتلال طابا, ووجهت بريطانيا إنذارا إلي الباب العالي, وتمت تسوية أزمة كان نعوم بك شقير شاهدا عليها كسكرتير لجنة وقعت اتفاقا أنهي احتلال القوة العثمانية لطابا التي شهدت أزمة ثالثة عام1988 بين مصر وإسرائيل, لخلاف حول علامات حدودية, وأيدت هيئة التحكيم الدولية وجهة نظر القاهرة باعتبار طابا أرضا مصرية. المحاولة الصهيونية الأولي يسجل الدكتور صبري أحمد العدل في كتابه سيناء في التاريخ الحديث1869 1917) أن أول محاولة لإقامة مستوطنة يهودية في المنطقة قام بها عام1891 المغامر البروتساتنتي الألماني بول فريدمان, إذ أقدم علي مغامرة عسكرية تهدف إلي إقامة مستوطنة يهودية في أرض مدين شرق مدينة العقبة التي كانت تحت السيادة المصرية, وقد منحته بريطانيا موافقة علي إقامة مشروعة, وسهلت له إدخال مدافع وذخائر ومتطوعين هربوا في المجر والنمسا, وذهب إلي منطقة شرمة بالقرب من طور سيناء ليبدأ التوجه إلي مدين, ومن هناك بدأ فريدمان يدرب المهاجرين اليهود علي الفنون الحربية, لكن المشروع فشل حيث تمرد كثير من أتباعه, بسبب صرامة النظام الذي فرضه عليهم, وجري طرد المتمردين من المستوطنة, فتاهوا في الصحراء ولقي بعضهم حتفه, واضطر للجلاء عن المنطقة, بعد أن فشل في تأسيس مستعمرته, نتيجة الخلافات بين الدولة العثمانية ومصر. كما يسجل أن هرتزل صاحب المحاولة الثانية كان يطلق علي سيناءفلسطين المصرية, وقد سعي لدي بريطانيا لتمكنه من توطين اليهود في يناء تمهيدا لإقامة دولة يهودية تتمتع بالحكم الذاتي في نطاق الإمبراطورية البريطانية تحت إغراء أن تتولي الدولة اليهودية حماية الضفة الشرقية لقناة السويس, وعز لمصر عن الولايات العربية في غرب آسيا, وأجري هرتزل عام1902 مقابلات مع وزير المستعمرات جوزيف تشمبرلين, وعرض عليه حلا لمشكلة تدفق اللاجئين اليهود إلي الأراضي البريطانية بتحويل الهجرة إلي مكان آخر, مقترحا تأسيس الشركة اليهودية الشرقية برأسمال قدره خمسة ملايين جنيه, للاستيطان في سيناءوالعريش. كانت سيناء, من وجه نظره, المكان المناسب لدولة المستقبل اليهودية, وأرسل هرتزل بعثة استكشافية إلي سيناء لمعرفة مدي صلاحيتها لتكوين المستعمرة اليهودية, وضمت البعثة علماء يهودا متخصصين في الزراعة والهندسة المعمارية وهندسة المناجم, وسعي للحصول علي امتياز موقع من الحكومة المصرية لإقامة المستعمرة, وضمن موافقة الحاكم البريطاني اللورد كرومر, كما استطاع أن يستميل بطرس غالي ناظر الخارجية المصرية, وفي العام التالي(1903) اضطر للمغادرة بعد أن فشل في إقناع الحكومة المصرية. حدود مصر وأمنها القومي أما أحدث كتاب عن سيناء فهو تاريخ تطور حدود مصر الشرقية وتأثيره علي الأمن القومي المصري1892 1988), وصدر عن دار الشروق, وتسجل مؤلفته الدكتورة ألفت أحمد الخشاب أن سيناء مازالت جزءا من الأهداف التوسعية لإسرائيل, بل يراها الإسرائيليون جزءا من إسرائيل. وتستعرض المؤلفة تاريخ الحدود بين مصر وفلسطين التاريخية تحت الانتداب البريطاني عبر نحو100 عام, وأربع حروب, ومفاوضات آخرها تخص نقطة طابا الحدودية المطلة علي خليج العقبة, حيث أعلن عام1988 حكم قضائي نهائي ملزم, أن طابا مصرية بحكم التاريخ والجغرافيا والقانون. وتؤكد المؤلفة أن طابا إحدي جولات الصراع العربي الإسرائيلي, لكنها لن تكون الأخيرة, إذ قال: إن أول رئيس وزراء لإسرائيل دافيد بن جوريون إن حدود إسرائيل حيث يصل السلاح الإسرائيلي, كما تسجل أيضا أن جولدا مائير أعلنت عام1971 أن الحدود الدولية لإسرائيل تتحدثث حيث يتوطن اليهود, وهذا يعني أن التوسع الإسرائيلي يهدف إلي زحزحة الحدود الشرقية لمصر, وصنع واقع جغرافي وديمقراطي جديد: لابد أن نعي وندرك جيدا أن لدي الشعب الإسرائيلي قناعة قومية بأن شبه جزيرة سيناء جزء من إسرائيل وقدرها أن تضم إلي أرض إسرائيل. إن هذه العقيدة راسخة وأكيدة في الوجدان والفكر, وليست مجرد تهديدات وهل تحتل أولوية كبيرة لدي الرأي العام الإسرائيلي. باختصار فإن التهديد الحقيقي الذي يواجه الحدود الشرقية المصرية, هو وجود إسرائيل نفسها, ككيان غريب وسط المنطقة العربية المتصلة جغرافيا, وككيان له طموحات توسعية إقليمية.