" صوت الأمة " تنشر أهم التوصيات الصادرة عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية    برعاية وزارة التضامن، صناع الحياة توزع 50 ألف وجبة ساخنة في يوم عرفة    روسيا: فرصة أخرى لوقف الدماء والمجاعة في غزة تضيع بسبب الفيتو الأمريكي    ترامب يكشف تفاصيل محادثته الهاتفية مع رئيس الصين    وزير الخارجية الألماني يجدد مطالبته لإسرائيل بالسماح بدخول المساعدات إلى غزة    إيطاليا واليونان تبحثان تعزيز التعاون الدفاعي البحري في إطار الناتو    نادي قطر يعلن انتهاء إعارة أحمد عبد القادر ويوجه الشكر لبيرسي تاو    ليفربول يرفض بيع لويس دياز لبرشلونة في الصيف الحالي    التشكيل - سالم الدوسري يقود هجوم السعودية أمام البحرين للحفاظ على الأمل الأخير    الإحصاء السعودي: 1.7 مليون حاج يؤدون الفريضة هذا العام    المتعافون من الإدمان يشاركون فى تزيين مراكز العزيمة استعدادًا لعيد الأضحى .. صور    حمادة هلال يوجه رسالة لجمهوره أثناء أدائه فريضة الحج    ماحقيقة إعلان توبته ؟.. أحمد سعد يرتل القرآن الكريم في المسجد النبوي.. شاهد    إعلام إسرائيلى: مقتل جندى إسرائيلى متأثرا بجروح خطيرة أصيب بها فى غزة قبل 8 أشهر    الشيخ العطيفي: اكتمال أركان الدين لا يمنع الاجتهاد وتجديد الخطاب الديني    رفع درجة الاستعداد بمستشفيات سوهاج الجامعية خلال إجازة عيد الأضحى    طريقة عمل لحمة الرأس بخطوات سهلة ومضمونة    خلال اتصاله بنظيره الرواندي.. وزير الخارجية يشدد على أهمية تحقيق التهدئة في منطقة البحيرات العظمى    قصور الثقافة تطلق احتفالات عيد الأضحى بالقاهرة الكبرى    "لو لينا عمر" أغنية لآمال ماهر بتوقيع الملحن محمدي في أول عمل يجمعهما    وزير قطاع الأعمال يلتقى وفدا من "Global SAE-A" الكورية لبحث فرص التعاون    الدعاء من العصر حتى المغرب.. ننشر أعظم الأعمال في يوم عرفة    الرجل الثاني في الكنيسة الأرثوذكسية.. من هو الأنبا يوأنس سكرتير المجمع المقدس؟    نادي قطر يُعلن نهاية إعارة أحمد عبد القادر وعودته للأهلي    بيراميدز يقطع الطريق مبكرا ويجدد عقود الثلاثي رسميا    انسحاب الوفد العمالي المصري والعربي من مؤتمر جنيف رفضًا للتطبيع    في إجازة عيد الأضحى.. حدود السحب والإيداع القصوى من ماكينات ATM    محافظ الدقهلية أثناء استقبال المهنئين بعيد الأضحى: مصر قادرة على تخطي أي تحديات    «الجيل»: ما يدور عن «القائمة الوطنية بانتخابات الشيوخ تكهنات تثير لغط»    أمين البحوث الإسلامية مهنِّئًا بحلول عيد الأضحى: فرصة لتعزيز المحبَّة والرحمة والتكافل    تظهر على اليدين والقدمين- 4 أعراض لارتفاع حمض اليوريك احذرها    «بعتنا ناخده».. رسالة نارية من أحمد بلال ل هاني شكري بعد «سب» جمهور الأهلي    "يجب أن يكون بطلًا دائمًا".. كوفي يوجه رسالة للزمالك قبل نهائي الكأس    المسرح النسوي بين النظرية والتطبيق في العدد الجديد لجريدة مسرحنا    تهنئة أول أيام عيد الأضحى برسائل دينية مؤثرة    نائب وزير المالية ورئيس مصلحة الجمارك فى جولة ميدانية بمطار القاهرة: حريصون على تسهيل الإجراءات الجمركية للعائدين من الخارج    «حلوان» و«حلوان الأهلية» تستعرضان برامجهما المتميزة في «نيجيريا»    تنبيه بخصوص تنظيم صفوف الصلاة في مصلى العيد    س وج.. كل ما تريد معرفته عن خدمات الجيل الخامس "5G"    رئيس إيران يهنئ الرئيس السيسى بعيد الأضحى ويؤكدان أهمية تجنب التصعيد بالمنطقة    تشيفو يقترب من قيادة إنتر ميلان بعد تعثر مفاوضات فابريغاس    تقديم الخدمة الطبية ل1864 مواطنًا ضمن قافلة علاجية بعزبة عبد الرحيم بكفر البطيخ    استعدادا ل عيد الأضحى.. رفع درجة الاستعداد داخل مستشفيات دمياط    زلزال بقوة 4.6 درجة على مقياس ريختر يضرب بحر إيجة    3 أبراج تهرب من الحب.. هل أنت منهم؟    كيف تؤدى صلاة العيد؟.. عدد ركعاتها وتكبيراتها وخطواتها بالتفصيل    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    أجمل صور يوم عرفة.. لحظات تتجاوز الزمان والمكان    كل ما تريد معرفته عن جبل عرفات ويوم عرفة    مفاجأة.. ماسك طلب تمديد مهمته في البيت الأبيض وترامب رفض    قبل عيد الأضحى.. حملات تموينية بأسوان تسفر عن ضبط 156 مخالفة    مصرع عامل في حادث انقلاب دراجة نارية بالمنيا    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    أسعار البقوليات اليوم الخميس 5-6 -2025 في أسواق ومحال محافظة الدقهلية    موقع الدوري الأمريكي يحذر إنتر ميامي من خماسي الأهلي قبل مونديال الأندية    «مسجد نمرة».. منبر عرفات الذي بني في مكان خطبة الوداع    مسجد نمرة يستعد ل"خطبة عرفة"    أرخص 10 سيارات مستوردة إلى مصر بدون جمارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلمي شعراوي مدير مركز الدراسات العربية والإفريقية:
ندفع فاتورة 40 عاما من تجاهل إفريقيا

دخل قادوس السياسة صغيرا, وفي عمر لم يتعد الثانية والعشرين عاما, كان مسئولا عن التنسيق بين23 منظمة تحرير إفريقية, أمام الرئيس جمال عبد الناصر, وكان نشاطه بشكل مباشر أو غير مباشر محل صراع دولي, نتجت عنه عدة حروب ومأس, حروب لا أقول غيرت وجه التاريخ فقط, بل غيرت العالم, وأعطت لمصر مكانتها التي تستحقها, فقد كانت حرب الجزائر وحركات التحرير الإفريقية سببا في تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي علي مصر, لتخرج مصر من تلك الأزمات وهي أكثر شموخا وقوة, بفضل جهود ونضال أبنائها المخلصين.
لكن يعكس الزمان دورته, وتتغير الظروف بموت عبدالناصر وقدوم السادات, ويتغير اتجاه الدفة بتغير القائد ويفضل ضيفنا عدم الاستمرار وينسحب من المشهد بعد أن رأي القيادة الجديدة تعطي ظهرها لحركات التحرر الإفريقية, بل وتدعم موسيفيني ضد حركة التحرر في أنجولا, ويترجل الفارس ويفضل الانتقال لمركز نضالي آخر في الجمعية الإفريقية وشئون جنوب السودان ومنظمة الأليسكو في تونس, وعندما يوقع السادات معاهدة كامب ديفيد يصبح أمينا للجنة الدفاع عن الثقافة الوطنية بمشاركة المثقفين المصريين, لينتقل النضال إلي ضفة أخري.
هو حلمي شعراوي مدير مركز الدراسات العربية والإفريقية الذي نقف في هذا الحوارعلي شهادته في زيارة إلي التاريخ لمرحلة غيرت وجه العالم.
هناك محطات أساسية في مشوارك شهدت أحداثا عظيمة, واقتربت من رجال كبار أمثال عبد الناصر ونهرو وتيتو وكل القادة الأفارقة.. كيف بدأت, وإلي أي مصير انتهي مشوارك؟
بدأت منسقا لحركات التحرر الإفريقي وعمري22 سنة وعملت نائبا لمحمد فائق مساعد الرئيس جمال عبدالناصر وكان عمره أيضا29 عاما, وبقيت في هذا العمل إلي أن رحل عبد الناصر وجاء السادات, وانتهت هذه المرحلة باعتقالي في مايو1971 وبعد أن أفرج عني تفرغت للجمعية الإفريقية في الزمالك, وانتقلت لوزارة الدولة لشئون السودان في مصر, وكنت مساعدا للأمين العام في السبعينيات, وعندما زادت المعوقات خرجت للتدريس في جامعة جوبا في جنوب السودان مع بداية حركة التمرد, ولكن لم أسلم من التضييقات في السودان في عهد النميري الذي كان صديقا للسادات, فذهبت لمنظمة الأليكسو في تونس, المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وبقيت هناك خمس سنوات عملت فيها مستشارا للثقافة العربية الإفريقية, ورجعت من تونس لأنشئ مع آخرين مركز الدراسات العربية والإفريقية بالقاهرة.
وشهد عقد السبعينيات مرحلة تصفية الاستعمار بفضل نضال حركات التحرير في موزمبيق وأنجولا حيث تم تحرير معظم الدول الإفريقية التي ساندتها مصر حتي الاستقلال, ومع توقيع معاهدة كامب ديفيد أسسنا لجنة الدفاع عن الثقافة القومية برئاسة د. لطيفة الزيات وحلمي شعراوي أمينا عاما وعضوية محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس ورضوي عاشور وأمينة رشيد, وكان لها دور واضح في مقاومة التطبيع, وكان أول نشاط لنا مقاومة الجناح الإسرائيلي في معرض الكتاب ومنعناه بالفعل, واعتقلت مع آخرين وسجنت شهرا علي أثر تلك الأحداث.
كان لمصر وجود طاغ في إفريقيا لا تنازعها فيه دولة أخري, فكيف دخلت مصر الساحة الدولية عن طريق إفريقيا؟ وكيف تأسست العلاقات المصرية الإفريقية؟ وكيف تعود مصر إلي إفريقيتها من جديد؟
لمصرعلاقات تاريخية معروفة مع إفريقيا, حيث كنا عبر السودان والصومال علي تواصل مستمر مع دول منابع النيل ويحكم ذلك المصالح المشتركة لمصر وللأفارقة معا, وكان طريق الحجاج الأفارقة يمر من مصر لآلاف السنين, فكل حجاج غرب ووسط إفريقيا كانوا يمرون بالقاهرة, ويبقون فيها لأيام يتزودون بمؤونة السفر, فضلا عن العلاقة الروحية التي تربطنا بالصوماليين وهي علاقات قديمة عميقة بعمق التاريخ, فكان كل هذا تأسيسا لعلاقات مصر القوية مع الدول الإفريقية.
وعندما كان حزب الوفد يشكل الحكومات لكونه حزب الأمة صاحب النفوذ المؤثر في الحياة المصرية السودانية قبل ثورة يوليو وكانت سياساته قائمة علي أن السودان قطعة من مصر, وتربطهما مصالح ومصير واحد, وفي سنة1954,1953, كانت مصر تتفاوض مع بريطانيا للخروج من باقي قواعدها في مصر, فتمسكت بريطانيا بخروج مصر من السودان, وكان من غير المعقول أن نتمسك بخروج الإنجليز وتتهم مصر باحتلال السودان.
ولكن ألم تكن تلك المساعدات من مصر لإفريقيا من أجل مكايدة بريطانيا وفرنسا, ومظاهرة لفرد العضلات أمام العالم؟
الفكرة في موضوع انفتاح مصر علي إفريقيا لم يكن من أجل المكايدة أو المباهاة أو التظاهر, ولكن لإدراك الرئيس عبدالناصر في وقت مبكر جدا ضرورة تأمين حوض النيل بأي شكل, وأشهد بأنه استدعي الأستاذ محمد فائق وقال له نريد إستراتيجية للتعامل مع دول حوض النيل لأن الإنجليز ينوون حصارنا أساسا في حوض النيل, وهذا هو ما يتم تنفيذه الآن أن يتم حصارنا في السد وحوض النيل, وكان يعطي لهذا الموضوع أهمية كبري, ووقتها اكتشفنا أن إثيوبيا بها أكبر قاعدة أمريكية للمراقبة الفضائية خارج أمريكا تسمي كان يو ستيشن, وهذا يعني أن الأمريكان أيضا وليس الإنجليز والفرنسيين فقط لهم النفوذ الكامل في قلب إفريقيا, وكان الإنجليز متحكمين في سد أوين رغم أن مصر شاركت فيه ماليا وهندسيا أثناء بنائه في أوغندا, وحتي الآن يوجد مهندس مصري مقيم, وكنا شركاء ولكنهم يمسكوننا من رقبتنا, ومن ناحيتنا قلنا سنرد عليهم من خلال حركة الماو ماو بقيادة جوموكينياتا في كينيا, وبسرعة انتقلنا إلي دعم نفوذ لومومبا في الكونغو.
إذن مصر كان همها المحافظة علي علاقات طيبة بدول حوض النيل بعيدا عن أي مشروعات حتي لا نفاجأ بمن يهددنا في أمننا المائي, ودائما ما أقول إن مصر تبدأ وعليها دائما بحوض النيل, وأنا أفرق هنا بين وادي النيل وحوض النيل, وأسميها هوية, بحثا عن هوية لحوض النيل, حفاظا علي صلة الرحم والقرابة بيننا وبين هذه الشعوب, لأنه توجد شعوب متعددة كالمصاي والتوتسي بالذات يقولون بأن أصولهم مصرية.
كيف صاغت مصر علاقتها بدول آسيا خلال فترة حكم الرئيس عبدالناصر؟
مشاركة مصر في صياغة حركة باندونج والتي بدأت ب29 دولة لم يشترك فيها من إفريقيا إلا ثلاث دول فقط وهي: مصر وإثيوبيا وليبيريا, وكان السودان مراقبا, ووضح لقادة العالم أن عبدالناصر هو الزعيم الشاب والفتي الأسمر القادم من القارة الإفريقية, من هنا أخذ مكانته في ذلك الوقت, ومع العدوان الإسرائيلي علي منطقة العوجة خطا عبدالناصر خطوة شجاعة في تنويع السلاح في عام1955, وكما يقول المؤرخون اكتشف عبدالناصر آسيا, والقادة الآسيويون أمثال شواين لاي ونهرو اكتشفوا هذا الشاب الذي ظل لمدة ثلاث سنوات الكولونيل عبدالناصر أي رجل عسكري يحكم مصر, اكتشفوا فيه رجلا سياسيا يتطلع للمستقبل, ومساعدة الدول المستقلة في الحصول علي استقلالها, ومن هنا أبرم صفقة تنوع السلاح مع التشيك التي حولت تاريخ مصر, وبدت مصر تملك قرارها في نظر العالم كله..
ثم جاءت باندونج كنقطة تحول, حيث توسط شواين لاي لدي السوفييت الذين أعطوا الموافقة للتشيك للموافقة علي صفقة السلاح, ومن هنا حدث التحول المهم الذي بموجبه تستطيع مصر مواجهة إسرائيل بعد اعتداء العوجة.
وبهذه الخطوة بدأ الرئيس عبدالناصر التفكير في تأميم قناة السويس, وتحولت الدنيا كلها في ذلك الوقت ودخل السوفييت علي الخط, وخرجت أوروبا من المنطقة بعدوان1956, ودخل الأمريكان كطرف محايد في البداية والنصح والتهديد لدول أوربا بالانسحاب, ليطرحوا بعد ذلك نظرية أيزنهاور بملء الفراغ, هذه النظرية التي عادت بقوة الآن علي الساحة الدولية بعد احتضان الرئيس الأمريكي الجديد ترامب لها, هذه النظرية التي تهدف لهيمنة وفرض الوجود الأمريكي بالعالم وملء الفراغ بدون سيطرة واحتلال.
وبعد1956 جاء الرئيس الهندي نهرو والرئيس الإندونيسي إلي مصر وقرروا مع الرئيس عبدالناصر تحويل حركة باندونج الحكومية إلي حركة شعبية, وتم عقد معاهدة حركة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية, وهي مؤتمر شعبي عقد بجامعة القاهرة بتاريخ أول يناير1958 وحضرته كل حركات التحرير من آسيا وإفريقيا, وكان ثمرة تعاون بين مصر وإندونيسيا والهند بالأساس ثم جاءت الصين بعد ذلك.
وكان هذا المؤتمر بداية دخول مصر لدول العالم الثالث, ثم جاءت فكرة عدم الانحياز بعد أن تعزز مركز مصر عالميا, وانضم إليهم الرئيس اليوغسلافي تيتو وأصبحت حركة عدم الانحياز قوة جديدة في العالم الثالث.
وكانت مصر في حالة تعبئة ودعم كامل للثورة الجزائرية, كثورة كبيرة هزت العالم لكونها ثورة ضد الاستيطان وفلول الاستعمار في العالم العربي والإفريقي, وعندما أحلل الموقف أقول إن مصر كانت ملتزمة بموجة التحرير, وجاءت كل من فرنسا وبريطانيا لتبادلنا العداء, واحتلوا شبه جزيرة سيناء بالاتفاق مع إسرائيل العدو التاريخي لمصر, فكان رد مصر بضربهم في المستعمرات, وجاء إلي مصر قيادات كبيرة من حركات التحرر الوطني, لدرجة أننا كنا نسمي منطقة الزمالك بالمستعمرة الإفريقية, وكنت في عمري الصغير أنسق بين23 حركة وطنية في إفريقيا موجودة بمكاتبها في الزمالك, وعندما تتحرر الدولة يتحول مكتبها إلي سفارة, وتنتهي علاقتي السياسية بها كمنسق لحركة تحريرها.
ولم يكن دورنا دور المشاغب, بل كنا نساعدهم للتحرر من الاستعمار وكانت رسالة عبد الناصر لهم, أن احتضاننا لكم في القاهرة للتواصل مع العالم من خلال الاتصالات والسفارات الموجودة بالقاهرة لنصرة قضاياكم, فمثلا دولة مثل أنجولا كانت محتلة من البرتغال وكان المحتل يفرض علي الأنجوليين حصارا باطشا رهيبا, ولم يكن لهم فرصة التواصل مع العالم إلا من خلال القاهرة, فكانت القاهرة هي الرئة التي تتنفس منها حركات التحرير في إفريقيا, والعين التي تنظر منها علي العالم, ما ربط مصر بحركة التحرير من ناحية, وبالدول الكبري من ناحية ثانية, وكانت مكاتب الحركات هي التي ترشح مذيعيها بالبرامج الموجهة التي تبث من القاهرة من خلال30 برنامجا, وبما لا يقل عن عشرين لغة, وترشح شخص آخر ينوب عنها في منظمة التضامن الأفرو آسيوي, وكان أمينها العام يوسف السباعي.
لكن ماهي الفائدة التي عادت علي مصر من كل هذا العناء والعداء الذي بذلته ضد الدول الإمبريالية في العالم؟
مصر قوية بدورها, ومصر قوية في عيون العالم رغم محاولة البعض أن يجعلها ضعيفة في عيوننا, وكان لوجود منظمة الوحدة الإفريقية التي أنشأتها مصر بتنازلاتها مع خمس دول إفريقية أخري, وكانت بداياتها من دول حوض النيل حتي الانطلاق لكل دول إفريقيا, وبرغم أن هذه المنظمة كان تأسيسها في أديس أبابا, لكن أول اجتماع لها كان في القاهرة سنة1964, وكان أول قمة لمنظمة الوحدة الإفريقية,
وكانت أيضا بمثابة مؤسسة الحضور المصري في إفريقيا, فقامت شركة النصر للاستيراد والتصدير بتنظيم مكاتبها في كل أنحاء إفريقيا, وقامت إدارة الوافدين بتنظيم المنح الدراسية للطلاب الأفارقة الذين بلغ عددهم أكثر من30 ألف طالب, وبلغ عدد سفارات مصر في إفريقيا أكثر من30 سفارة, فكان مأسسة أخري للقوتين الناعمة والخشنة معا, وعن طريق البعثات التعليمية تسربت الثقافتين العربية والإسلامية لكل دول إفريقيا, والتدريب العسكري لحركات التحرير من ناحية ومساندة لجنة التحرير في دار السلام بتنزانيا من ناحية أخري, وإدخال بعض طلاب الدول المناضلة للتحرر بالكلية الحربية من ناحية ثالثة, فأنت إذن أقمت مؤسسات لحماية العلاقات, وهذا هو الدرس الذي يجب أن نعيه هذه الأيام من أجل بلدنا,
وأقول الزيارات الرسمية والاحتفالات لا تؤسس علاقة, تأسيس العلاقة يكون من خلال وزارة التجارة الخارجية, وكانت شركة النصر تقوم بهذا الدور بالنيابة عنها حتي يتم تأسيس العديد من الشركات الأخري, وكان لمصر أسطول تجاري علي اتصال بكل الدول الإفريقية, وكان لإفريقيا دور كبير في تحسين الميزان التجاري لمصر مما ساعد علي رفع مستوي المعيشة للمصريين.
هذا التجاهل لإفريقيا, ألم تكن من نتائجه قيام إثيوبيا ببناء سد النهضة دون اعتبار لحقوق مصر التاريخية في مياه النيل؟
أربعون عاما من التجاهل انتهت بنا إلي هذا المأزق الجديد, وكان طبيعيا أن يتم تجاهلك في المقابل من قبل إثيوبيا وغيرها من الدول الإفريقية, خاصة بعد اعتمادهم علي إثارة أفكار قديمة مثل: مصر بنت السد العالي بدون إذن, فلماذا تستأذن إثيوبيا, مع أنهم لم يذكروا أننا بنينا خزانا وسدا بالاتفاق المشترك مثلا, وعند بناء السد العالي لم نتفاوض مع الأفارقة لأن السد بيننا وبين السودان والمياه تأتي بقوة دفع من النيل الأزرق ولن نحجزها عن دولة أخري, أيامها احتجت كل من إثيوبيا وتنزانيا التي لم تكن قد استقلت بعد.
الحجة الثانية أنه مشروع أسست له أمريكا بحثيا منذ عام1964 لمناكفة مصر, وكانت هذه بداية التحرش, وأري أنه قبل التفاوض لحل هذه المشكلة أن تتم معالجة موقف السودان أولا, وأن نري هل أمريكا معنا أو ضدنا؟ وباقي أن السودان كانت عامل جذب لرأس المال العالمي والخليجي الذي رأي في السودان سلة غذاء للعالم, ولكن ضيع السودانيون الفرصة, وتحول رأس المال إلي إثيوبيا وكينيا,
ومع ثورة زيناوي بدأ الاقتراح ببناء سد, وكان مشروعا صغيرا كانوا يطلقون عليه سد الحدود, ثم تطور لمشروع كبير فسموه سد الألفية, وبعدها سموه سد النهضة, وهذه أسماء مبهمة, ولكنها تعطي رمزية كبيرة, وإثيوبيا لا تستطيع أن تسميه مشروعا غربيا, لأنه يمول برأسمال إيطالي, ثم صيني وهندي وخليجي, أنت إذن أمام مشروع جاذب لرأسمال كبير, وأقول إذا كان مشروعا للطاقة فمصر والسودان طرف أساسي في حاجة للطاقة, وإذا كان للزراعة فهذه مشكلة لأنك ستخزن كميات كبيرة من المياه, والخبراء يقولون إن الزراعة تعتمد بالأساس علي الأمطار وليس علي مياه النيل.
وكيف يكون دورنا فيما يتعلق بسد النهضة والدول الممولة له؟
دورنا يكون من خلال علاقتنا مع الدول الممولة للسد وتحسين علاقتنا بدول إفريقيا, ويجب ألا يزعجنا هذا كثيرا فهناك مشروع الكونغو يعادل مشروع سد النهضة عشر مرات, ولا بد من تحسين العلاقات والاستفادة من المشروع, ومن أكبر مخازن المياه جنوب السودان, ومطلوب أيضا أن تكون علاقتنا بجنوب السودان دائما طيبة سواء رضيت السودان الشمالية بذلك أم غضبت, جنوب السودان مليئة بالمستنقعات لو تم عمل تجميعات لها لتصب في بحر الجبل أو بحر الغزال تكفي احتياجاتنا المائية, وهذا مطروح أيضا, ولذلك أنا لست من أنصار من يلطمون الخدود في مصر خوفا وهلعا من موضوع سد النهضة, فالخبراء يؤكدون أنه يمكن ترتيب توفير15 مليار متر مكعب مياه من داخل مصر نفسها, وماهو منتظر من جنوب السودان يتكلم عن كمية تبدأ من8 مليارات متر مكعب وصولا إلي15 مليارا, يعني نستطيع مواجهة إثيوبيا وعدم الخضوع لإثيوبيا, والمسألة فيها قدر من الكبرياء والكرامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.