غالبا ما يتبادر للذهن أن المقاطعة تتعلق بالاقتصاد وإن كانت هي الغالبة لكنها ليست الوحيدة فهناك المقاطعة السياسية وهناك الاجتماعية وهناك اللغوية وغيرها طبقا للباعث ومجال عمل المقاطعة. في كثير من الأحيان يدعو للمقاطعة فصيل سياسي أو دولة أو مجموعة دول كمقاطعة كوبا علي سبيل المثال من قبل الولاياتالمتحدة, وأحيانا يدعو لها مفكرون اتحدوا علي توجه معين بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية كمقاطعة بعض أساتذة الجامعات البريطانية للجامعات الإسرائيلية ردا علي جرائم الحرب التي تفعلها إسرائيل تجاه الفلسطينيين. وفي أحيان أخري يكون الباعث لها أمور اجتماعية كمقاطعة الأشخاص أو العائلات لبعضهم البعض كما يحدث في حالة نشوب نزاع لا يستلزم رد فعل عنيفا فتكون المقاطعة نوعا من أنواع الردع المستتر. كما تنشأ المقاطعة من أفراد أو جماعات تجاه فصيل آخر يبدي من الأفعال; في نظر الفرد أو الجماعة; ما يضر كيان المجتمع حين تقصر القوانين والقواعد الحاكمة للمجتمع عن التعامل مع تلك الأفعال والظواهر وحين لا تؤدي النصائح والنداءات إلي مبتغاها! ومن الأمور التي لا يلتفت إليها البعض ظاهرة كتابة الكلمات العربية بحروف أجنبية وهي توجه قديم نشأ إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر من بعض السياسيين تشبها بما أحدثه كمال أتاتورك في تركيا من استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي. وللأسف انجرف في هذا التيار بعض وجهاء القوم( حسب ما يروجه الإعلام) أمثال أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد ووزير الحقانية( العدل) عبد العزيز فهمي الذي وضع مرادفات للحروف العربية بالحروف اللاتينية ومن عجائب الأمور أن الدكتور طه حسين امتدح هذا التوجه في مجمع اللغة العربية المصري ولكن الأمور لم تسر حسب مبتغي هؤلاء الأفراد الأعلام فبقي الحرف العربي كما هو وإن ظهرت مناغشات بين الحين والآخر لأفراد بل ولشركات تدعو إلي هذا الفعل المستقبح الذي يمثل خطرا واضحا علي ثقافتنا حيث يؤدي إلي قطعنا عن تراثنا وهو ذات الغرض الذي أراده أتاتورك. والعجيب أن هناك من الأفراد من يروجون لهذا فعليا علي شبكات التواصل الاجتماعي بحجج ممجوجة لا منطق بها مثل الاعتياد علي ذلك الحرف ولكنها في الحقيقة ترسل رسالة مؤداها أن حرفنا العربي قاصر عن أن يفي بلغة الحوار وهو ما ينفيه المنطق وينفيه الواقع اللغوي للغات العالم التي صمدت لقرون فحرفنا العربي المكتوب أقدم الحروف المستخدمة علي الإطلاق. وحيث لم نسمع أية دعوات حكومية لاستهجان تلك الآلية لكتابة الحرف العربي علي مواقع التواصل الاجتماعي فهل نقف كأفراد وكمجموعات وكمجتمع مدني عاجزين عن التصدي لها, أم أن نقاطع تلك الكتابات؟ تلك المقاطعة لا تأتي من فصيل سياسي أو من فصيل اجتماعي بل من فصيل يري أن ما يفعل باللغة من أبنائها هو عين ما دعا إليه أذناب المحتل الإنجليزي لمصر من تشويه لغتنا وتراثنا وثقافتنا ليفضي الأمر إلي مسخ لا يتقن العربية ولا يتقن الإنجليزية أو غيرها من لغات الغرب. ولقد هب البعض بوضع برامج لتحويل ذلك المسخ إلي الحرف العربي ولكنها خطوة لم تردع ممارسي كتابة لغتنا بحرف أجنبي وإن كانت خطوة حجبت بعض أضرار ذلك الفعل. ورغم دعوات البعض لإيقاف الظاهرة إلا أنها بقيت لتشير إلي شرخ في هوية الشباب الذين يكتبون لغتنا بحروف أجنبية بمنهاج ينزع اللغة خطوة خطوة بأيدي أبنائها. لقد رحبت علي صفحتي في الفيسبوك بمن يكتب بعربية صحيحة أو بإنجليزية صحيحة, فهل أنا بهذا الفعل أمام مقاطعة لغوية لما يسمونه لغة الفرانكوآراب؟ وللحديث بقية.