بمسرحية داعش والغبراء لمؤلفها حكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي, افتتحت مساء أمس الدورة الثانية لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي, والتي تشارك فيها هذا العام نحو خمسة عروض من كل من: الأردن والبحرين, وموريتانيا والجزائر. ويشكل موضوع استلهام التاريخ والتراث واحدا من القضايا والموضوعات المثيرة للبحث والكتابة خاصة إذا ما كان هذا الاستدعاء ينعكس علي الواقع المأساوي الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية,ومن يبدو اختيارالشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة لعنوان هذه المسرحية دقيقا وموحيا لأنه يعبرعن واقع ما يعيشه العالم اليوم من مصائب وأزمات, أوجدتها ما يسمي بظاهرة داعش الذي نشر الفوضي والإرهاب في عالم اليوم, وأوضح أن فعل داعش لا يقل عن ما فعلته الجاهلية في زمانها, وأن الغبراء ليس المقصود منها الخيل الغبراء, بل هي رمزية للمصيبة التي يعيشها الناس في زماننا هذا. تدور فصول المسرحية في الصحراء, علي غرار مسارح الساحات والسوق المفتوحة, التي تعرض في الهواء الطلق, وتتخذ من الصحراء وفضائها الواسع ديكورا طبيعيا, وشدد علي أن المسرح ينبغي أن تكون له رسالة وأهداف خيرة في وقت المصائب والملمات, ويمكن توصيلها إلي الناس بسرعة. في مسرحية داعش والغبراء يتابع الدكتور سلطان القاسمي نهجه في قراءة التراث واستخلاص الدورس والعبر,كما فعل في مسرحيتي النمرود, ومسرحية الحجر الأسود التي تروي قصة القرامطة الذين استغلوا ضعف الدولة العباسية, وانحرفوا إلي الإرهاب, وأشاعوا القتل ونهبوا أموال الناس وعاثوا في الأرض فسادا, وقطع قائدهم أبو طاهر الجنابي طريق الحج وأغار علي مكة واقتلع الحجر الأسود, ليبقي عنده مدة22 عاما, لم يترك فيها السلب والنهب والغارة علي المدن والقري إلي أن تمكنت قبائل العرب في هجر وما حولها من القضاء عليه, ورد الحجر الأسود إلي مكانه من الكعبة, فعاد المسلمون إلي حجهم. وبالطبع تواكب هذه القراءة للتراث والتاريخ مستجدات الواقع العربي, فلماذا العودة إلي حرب البسوس؟ لأن هذا بالضبط هو ما يحصل اليوم, نحن نعيش حروب بسوس عربية جديدة, مبيدة وعنيفة, بأشد مما كانت عليه حرب البسوس القديمة التي دامت أربعين عاما وشاب فيها الغلمان كما يقال, وكعادة حاكم الشارقة في نهاية العرض يأتي بالإضاءة المستقبلية, وفي هذه المسرحية تكون النهاية انتصارا للإسلام الصحيح, دين السلام والمحبة, وهزيمة للأفكار الشريرة التي يريد المتطرفون نشرها بيننا, وفي ذلك إبراز للوجه الجميل لديننا الحنيف, بحيث يرد أيضا علي الدعايات المغرضة التي تربطه بالعنف, هذا لإن العنف ليس من الإسلام, وإن ديننا دين محبة ورحمة. وأخيرا فإن مسرحية داعش والغبراء تبين أن أثر الإسلام الصحيح وكيف فعل فعله في النفوس, ونحن في زمننا هذا نريد ذاك الإسلام الصحيح الناصع الذي أتي به خير البشرية سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم. ويعتبر هذا المهرجان بمثابة مشروع فني لمقاربة أو استقراء الصحراء عبر المسرح; هذا المسرح الذي وسع كل الفنون, في بداياته وامتداداته, مدعو من خلال هذه التظاهرة إلي معاينة ومحاورة واستعادة هذا الفضاء الثقافي والاجتماعي الثري, الذي لطالما بدا مترحلا وغامضا وبعيدا.