يحكي أنه في الزمان الغابر كان لدينا لعبة تسمي كرة القدم من أهم صفاتها التنافس العفيف واللعب النظيف والتحكيم الشريف, ويقال أيضا أن الملاعب كانت تمتلئ بجماهير الفريقين المتنافسين في مناخ يغلفه الحب والود والعلاقات الطيبة بين كل الأطراف المعنية بهذه اللعبة. اللاعبون الهواة كانوا يضعون في اعتبارهم ضرورة إسعاد الجماهير التي حضرت لتؤازرهم, والجمهور يتأنق بأفضل ما لديه من ملابس وأخلاق ليظهر للجميع مدي التقدير الذي يكنه لهذا العرض الكروي المرتقب. أقصي درجات الخروج عن الآداب العامة في تلك المباريات كان التعبير بكلمة ييييه علي خطأ في تمريرة أو إضاعة فرصة سهلة, أما الحكم وهو ما كان يعرف بالريفييري آنذاك فإن أسوأ نداء يتلقاه من الحضور هو شيلوا الرف وحطوا عصايا. اللافت بحق أن حتي هذا الهتاف المؤدب جدا كان يثير غضب الحكام لأنهم يحترمون أنفسهم, ومنهم من يأمر بإيقاف المباراة إلي أن يعتذر الجمهور بالتصفيق. الغريب بصحيح أن المباراة كانت تنتهي بنفس المودة والمحبة بغض النظر عن نتيجتها, والكل يتوجه إلي منزله لينعم بقضاء بقية يومه بين أفراد أسرته وأحبائه بالحديث عن أمور هي بالتأكيد أكثر أهمية من كرة القدم. في ظل التطور الاقتصادي والتكنولوجي الرهيب اقتحم الاحتراف الرديء أبواب الزمن الجميل وتغلب المال علي الهواية, وانتشرت دكاكين التحليل وإشعال الفتنة بالعشرات ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورها بجدارة في تأجيج الكارثة. غابت عن اللعبة سماتها الحلوة وحل مكانها الجدل والسب والضرب والاعتراض والجلوس أمام التليفزيون لعشرات الساعات, فانسحبت العائلات المحترمة من الملاعب وتركتها إلي روابط الألتراس التي اخترقها بعض المضللين بهدف تنفيذ أجندة سياسية وصلت لحد القتل العمد في الملاعب فحرمنا جميعا من متعة المشاهدة الآمنة وحرمنا أيضا من لمة العيلة. التحكيم أدخل اللعبة اليوم في نفق مظلم وقد يصبح سببا في توقفها مجددا, والمصيبة أنه مهما فعلنا لإنقاذها سيظل الفارق بين كرة زمان وكرة الآن كالفارق تماما بين أبلة فضيلة وأبلة فاهيتا يعني فانتازيا سودا بجدارة!