10 أيام في بلاد العملاق الأصفر, البلاد صاحبة المليار و400 مليون نسمة10.. أيام يبحث خلالها العقل عن السر الحقيقي وراء وجوه غزت العالم, أجساد نحيلة تنتشر دون أن تترك بقعة واحدة إلا ولها بصمة فيها, إما بصناعتهم أو منتجاتهم أو أفكارهم, وفي رحلة الانتقال بين بكين وشنغهاي وشاندونغ ضمن وفد هيئة الاستعلامات المصرية بدعوة من جمعية عموم الصحفيين بالصين.. لا نري سوي قسمات وجوه مكتوب عليها قادمون.. قادرون. لم يكن من الغريب منذ اللحظة الأولي في الصين أن نري هذا الشعب العامل يستيقظ من الساعة السادسة صباحا ليبدأ العمل بكل نشاط سواء بالدراجة أو التوكتوك أو سيارته التي تحمل أهم الماركات العالمية أو حتي استخدام وسائل الموصلات العامة لأنهم يؤمنون بقيمة وأهمية العمل من أجل الحلم الصيني الكبير, هكذا تحدثت درية المترجمة الجميلة ذات السبعين ربيعا, وطبعا اسم درية هو ترجمة لاسمها من الصينية, فالصينيون معتادون علي استخدام أسماء مستعارة بجانب أسمائهم لتكون أقرب وأسهل للنطق علي الغرباء, وكانت درية من الوجوه الصينية الأولي التي رأيناها لتساعدنا في التعرف علي البلد والتعامل مع شعبها الذي لا يتحدث سوي لغته باستثناءات قليلة, وبعيون درية وتوقيتات ازنجب الصحفي المسئول من الجمعية عن اصطحاب الوفد بدأنا نكتب عن أحوال العباد الذين تتشابه عيونهم وأحلامهم رغم اختلاف ملامح وقسمات وجوههم. عبر برنامجتwechat تبدأت أول الدروس الخاصة في التعامل مع المواطن الصيني, هذا البرنامج يجمع ما بين فيسبوك, والواتس آب والفيبر يمكنك من خلاله عمل مكالمات ورفع صور وفيديوهات والتواصل مع العالم الموجود عليه لأن ما دونه لا يمكن استخدمه, ولكن هذا الاختراع الصيني يضاف عليه أنك تستطيع أن تستخدمه في طلب تاكسي أو تأجير دراجة أو طلب أطعمة ومحفظة تدفع بها مشترياتك.. بمعني آخر إذا لم تنضم لبرنامجتwechat تفأنت معزول علي العالم الصيني. وبنفس فعالية محرك البحث الشهير جوجل تجد نفسك تتعامل مع محرك البحث الشهير ابينجب الصيني, حيث إن ما ذكرته سابقا من برامج ومواقع لا تعمل في الكوكب الصيني. الصين الشعبية المأهولة بالسكان, تستطيع في زحامها الدائم أن تفهم اعتياد السكان المحليين علي مساحة شخصية أصغر بكثير من المعتاد, فليس من الغريب أن تجدهم يحيطوك بالابتسامات والحديث الدائم رغم أنهم لا يفهمونك ولا أنت تفهمهم ولكن لغة الضحك والإشارة كفيلة بأن يفهم كل منهم الآخر, ولا تتفاجأ إذا وجدت شخصا يصورك بإذن أو بدون إذن, فهم يعتقدون أنهم بهذه الطريقة يعبرون عن ودهم وترحابهم بك.. وبسهولة إذا بادلتهم نفس التصرفات في الحديث أو التصوير أو حتي الدخول في عالمهم ستجدهم يبتسمون ويظهرون الود وتبدأ الصداقة ولكن نصيحة لا تقم بذلك خارج الصين وإلا سيكون إما الإحراج أو البوليس مصيرك.. وستجد ذلك في أثناء جولاتك السياحية أو في أماكن التسوق ولا تنس أثناء التسوق المساومة فلا تأخذ الأسعار المعروضة علي أنها أسعار نهائية وإنما يخضع سعر السلعة بناء علي مهارتك الخاصة في المساومة وهي أيضا دراسة أخري تتعلمها في الأسواق الصينية. في الصين.. تجنب استخدام رقم4 أو13 الأرقام في كثير من الثقافات ليست فقط للعمليات الحسابية ولكن لها دلالاتها.. ألغازها.. انعكاساتها.. فمنها ما يجلب الحظ ومنها ما يجلب سوء الحظ فمثلا في مصر نجد أن رقم ا13ب رقم منحوس يخافون منه ويتجنبونه, ويرجع السبب وراء ذلك لأنه مرتبط بيهوذا الذي خان المسيح في الجمعة التي وافقت الثالث عشر من شهرها, وفي اليابان يتجنبون اجتماع رقم2-4 لأنه يعني عندهم الذهاب إلي الموت ومصدرا للشؤم, أما في الصين أكثر الشعوب استخداما للرمزية فتتفق مع باقي الدول الآسيوية في تجنبها لاستخدام رقم ا4ب الذي يعني عندهم الموت وسوء الحظ لأن الرقم ا4ب ينطق بالصينية( صيه) أي االموت, ويتفقون مع ثقافة المصريين في رقم13 الذي يعني عندهم االجنونب حيث إنه من المتعارف عليه لديهم أنهم إذا أرادوا وصف أحد بالجنون أن يعبروا عن ذلك بقولب الساعة13, بينما ينظر الصينيون إلي رقم ا3ب علي أنه رقم الحظ, ورقم ا6ب يرمز للرخاء والثروة لدرجة أن أرقام الهواتف والسيارات التي تحتوي علي هذه الأرقام في الصين تكون أغلي من نظيراتها, أما رقم ا5ب فمن الأرقام المميزة عند الصينيين ومعظمهم يبنون تفكيرهم علي فكرة االعناصر الخمسةب: معدن وخشب وماء ونار وتراب, ومفاتيح الموسيقي خمسة, والألوان الأساسية خمسة, كما أن الجهات الأصلية خمس: شرق وغرب وشمال وجنوب ووسط, ويعتبر رقم ا9ب له مكانة مقدسة عند الصينيين ويعتقدون أن السماء الصينية تتألف من تسعة حقول و9999 زاوية, وكان ينحني الصينيون أمام الإمبراطور تسع مرات. العلاج بالأعشاب الصينية تجربة المرض في الصين تجربة مختلفة ومميزة عن غيرها من تجارب المرض في بلاد أخري التي تستدعي للذهاب للمستشفي أو عيادة الطبيب, ففي الوقت الذي يميل فيه الغرب للتفكير في الحد من استخدام العقاقير الكيميائية والاتجاه للعلاج التكميلي من الأعشاب ذات الفعالية العلاجية, لا يزال يعيش الصينيون علي الطب الصيني التقليدي حيث إن مفهوم الأعشاب مختلف تماما لديهم وأفضل ترجمة له هو اعقار, بمعني أنك حينما تذهب للصيدلية لتشرح ما تعاني منه تجد الطبيب الصيدلي يشخص الحالة سريعا ويعطيك دواء عبارة عن مجموعة من الأعشاب الجاهزة الاستخدام سواء للشرب أو الرش أو الدهان, وهذا ما حدث بالفعل حينما تعبت أنا وصديقتي الشاعرة سارة علام فما كان منا سوي أن توجهنا لأقرب صيدلية مع زميلنا هاني محمد الصحفي باليوم السابع الذي يقيم في بكين, وشرحنا المشكلة فقدمت لنا الصيدلانية الدواء المناسب وبأسعار معقولة جدا, والمثير في هذا الأمر أن الدواء كان جيد جدا وليس له أي آثار جانبية, وهناك شيئان يجب أن تعرفهما قبل السفر للمدن الكبري في الصين وهي أنها تعاني من تلوث الهواء حتي إن الزميل هاني قال إن هناك أياما لا يمكن أن يخرج السكان المحليون دون استخدام الكمامات, حيث يتم إرسال تلك التحذيرات من خلال رسائل علي الهاتف, ويحظر أيضا استخدام ماء الصنبور لأنها ليست صالحة للشرب أو الطهو, وتستخدم المياه المعدنية بدلا منها ويمكن شراؤها بأسعار رخيصة إضافة إلي وجودها بالمطاعم والفنادق. الصينيون لا يأكلون الخبز الصينيون شعب كريم جدا, ويسعون دائما لإكرام ضيوفهم في تقديم الأطعمة المختلفة, ومن غير اللائق أن ترد يد أحد منهم يقدم لك أي طعام حتي ولو كانت جرادة مشوية, بل كن حريصا علي مبادلتهم نفس الكرم والاحترام وتمد يديك الاثنتين إليهم بالطعام فهذا يزيد سرورهم حيث ستلاحظ استخدامهم اليدين وليس يدا واحدة, فهم يعتبرون أن هذه وسيلة لإظهار احترامهم لك وتعتبر هذه هي الطريقة الصحيحة للتواصل معهم. أما عن المائدة الصينية فهي مستديرة الشكل متحركة تسمي اليزي سوزانب لتسهيل مشاركة الأطباق وتكون تجهيزات المكان الأساسية للفرد عبارة عن فنجان صغير يوضع فيه ماء ساخن لأنهم يشربون الماء الساخن مع الطعام أو قد يستبدل الماء الساخن بالشاي الأخضر الصيني الشهير الذي يقدم طول اليوم أو بمعني أدق( طول ما الفنجان فاضي). ويوضع بجوار الفنجان طبق لتضع فيه الطعام الذي تختاره مع وعاء أرز صغير فارغ لأن الأرز يقدم آخر شيء بالسفرة, ومناديل ورق وبجوارها فوطة مبللة ساخنة, إضافة إلي عيدان الطعام التي تحل محل الشوكة والسكين في الطعام الآسيوي وستجد العيدان بجوار الطبق لأنه من غير المناسب وضع العيدان في الطبق حيث إن ذلك يرمز للجنازات والموت, حيث يشير الوعاء في الثقافة الصينية إلي القبر والعيدان الموضوعة عموديا عليه تعني البخور التي وضعت حول المقبرة لتكريم الفقيد.. لذلك حتي بعد الانتهاء من الطعام يجب أن توضع العيدان بجوار الطبق. يحب الصينيون الأطعمة بكل أشكالها وأصنافها حتي إنه يقال عنهم ايأكلون كل ما يمشي علي الأرض عدا الدبابات, وكذلك كل ما يطير في الجو عدا الطائرات, وكل ما يسبح في الماء عدا الغواصات, وكل شيء يقدم بطريق طبخ وإعداد مختلفة يشتهر بها المطبخ الصيني.. وستجدهم يجتمعون في المساء بعد الانتهاء من العمل حول أماكن الأطعمة الشعبية وعربات الكباب والسوسيس المقلي والمشوي والجراد المحمر, ولعل الصورة الذهنية العالقة في أذهان معظم المصريين عن الطعام الصيني جاءت من المشهد الشهير من فيلم افول الصين العظيمب للفنان محمد هنيدي وهو يتناول الحشرات, وفي الحقيقة رغم ما سمعته من زملائي الذين سبق لهم السفر للصين عن الطعام هناك فإن التجربة الحية مختلفة تماما سواء أنواع وأصناف الطعام أو طريقة طهوه المليئة بالبهارات والثوم والبصل وأحيانا سكر وملح في نفس الصنف(Sweetandsour), ولذا إذا كنت من أصحاب المعدة الحساسة فمن الأفضل لك أن تصوم أو تعيش علي الفاكهة الاستوائية الجميلة أو محلات الوجبات السريعة العالمية وهي موجودة في بكين وشنغهاي بالإضافة لعدد من المطاعم مكتوب عليها احلال, وإذا كنت من أصحاب المعدة( اللي بتاكل الزلط) فاستعد لتجربة مذاق طعام وأنواع مختلفة من الأسماك والمأكولات البحرية المتعددة وغريبة إضافة إلي البط الصيني الشهير. نعود للقطة فيلم افول الصين العظيمب مرة أخري.. ونجيب عن سؤال حير الأذهان: لماذا يأكل الصينيون الحشرات؟, سؤال طرحناه علي مترجمتنا الجميلة درية فكانت إجابتها: إن تناول الحشرات كالجراد الذي قدم لنا في إحدي المرات مليئة بالبروتين بل تحتوي علي نسبة تتراوح ما بين40% إلي90% من البروتين الحيواني.. وأضافت أن الصين ليست الدولة الوحيدة التي تأكل الحشرات نظرا لقيمتها الغذائية فالهند يأكل مزارعوها بعض الأنواع من االدودب ويحفرون في أراضيهم من أجل الحصول عليه, وتايلاند تباع فيها حشرات مثل الخنافس والذباب مجففة بالكيلو, أما المكسيك فتشتهر بها أطباق من يرقات البعوض وتقدم كشطيرة, وأخري من الصراصير المسلوقة, وغيرها من الدود المجفف.. أما عن أشهر الشوارع التي تبيع تلك الأطباق من الحشرات إضافة إلي وجودها في المطاعم الصينية الشهيرة فيعتبر شارع اوانغ فو جينغب من أشهر شوارع بكين الذي يقدم شواء العقارب والصراصير وكذلك صلصة الضفادع.. وغيرها من الأصناف سواء أكانت من الحشرات ومشتقاتها أو من أرجل وأجنحة الفراخ التي يحبونها جدا, أو قد تصادفك وجبة مخ كلب مشوي مع الأرز أو لحم القطط المشوي علي الفحم, ولا تسأل عن الخبز فالصينيون لا يأكلون الخبز, فإذا كنت من أصحاب القلوب الضعيفة فلا داعي لدخول هذا الشارع.