د. أحمد عبد الهادى من كتاب (إلى الصين سيرا على الأقدام) تأليف : د.أحمد عبد الهادى رئيس حزب شباب مصر -------------------------------------------------------- للصينيين عادات غريبة فى الأكل.. هذه العادات لم تكن أبدا وليدة يوم وليلة بل توارثتها الأجيال عبر التاريخ.. حتى وصلت للوقت الحاضر.. وتحوّلت لطقوس مقدسة ساعدت فى نجاح الشعب الصينى اليوم .. فالصينيون يتعاملون مع أشيائهم البسيطة باعتبار أنها جزء مهم فى تطوير حياتهم ونجاحهم.. هم يستيقظون مبكرا وينامون مبكرا.. فى الصباح يتناولون طعام الإفطار فى السادسة صباحا.. يهتمون بطعام الإفطار.. وليس لديهم مانع من تناول أكل دسم للغاية صباحا.. هم يدركون أن وجبة الإفطار أهم وجبة فى اليوم لذلك تجدهم يقبلون عليها بقوة ونهم .. أما طعام الظهيرة فهو عادة حوالى الثانية عشر ظهرا.. وطعام العشاء يبدأ من السادسة مساء بحيث عندما ينامون فى العاشرة مساء يكون الأكل فى مستقره السليم دون أن يصابوا بالتخمة .. تختلف عادات تناول الطعام من منطقة لأخرى فى الصين.. وكل مدينة وكل مقاطعة لها عاداتها.. مثلا فى سيتشوان يقدمون لك الطعام الحارق للغاية.. وإذا أحبوك أكثر وضعوا لك المزيد من الفلفل الحراق.. طول عمرى أكره وبشدة وضع أى توابل حراقة أوأى شطة على أى طعام أتناوله.. ورغم أننى من عشاق أكل الكشرى المصرى المعروف وأفضله عند أبوطارق بوسط البلد بالقاهرة أوعند هندى بالعتبة.. إلا أننى فورا وعندما يأتينى الطبق المتين منه أبعد كوب الشطة بعيدا.. لأننى أصاب بالزغطة فور تناولى لأى شطة.. أو أى طعام مضاف له الشطة.. وكنت أشعر بجوع غير عادى بعد جولة قضيناها فى ربوع سيتشوان.. ولم أكن أعرف عاداتهم هناك.. وعندما تناولت الطعام اكتشفت أن به كميات شطة غير عادية رغم أنه مجرد سوشى.. والكثير من أنواع الأسماك.. ومعظمها إما مسلوق أوفى صلصة.. أوموجود فى قلب أنواع من الخضروات والأعشاب.. وكانت المرة الأولى التى أتناوله.. وبسبب ماحدث لى قررت أن تكون المرة الأخيرة.. فبحثت فى أطباق الطعام الأخرى عن نوع غير محلى بالشطة.. وفى كل نوع أجد نسبة الشطة ترتفع حتى صرخت طالبا المياه بعد أن طغت الزغطة فوق وجهى الأحمر.. وقلت دون أن أعبأ بعلامات الإندهاش التى بدت على الوجوه : يا إخوانا حرام عليكم والله اللى انتم بتعملوه في ده ؟ وأحضروا لى كأس مياه ما إن صببتها فى فمى حتى صرخت : إيه ده ؟ الكأس به مياه دافئه مضاف لها ليمون! فزادت من شعورى بالحرقان أكثر ومعها ارتفع إحمرار وجهى.. وطلبت الكولا أوالبيبسى.. وراحت المضيفة تسألنى وتتأكد أننى فعلا أطلب بيبسى.. وأقسمت لها بأغلظ الإيمان أننى أريد أى مثلجات غازية.. بيبسى.. كولا.. أى حاجة والسلام .. فضحكت وعادت تسأل وأنا أجيبها.. حتى جاءت لى بمضيفة أخرى من داخل المطعم لتسألنى نفس السؤال بدهشة واستغراب وصرخت فى الجميع : إيه ياجماعة هو أنا طلبت كنز على بابا والا إيه ؟ وعندما تأكدن جميعا أننى فعلا أقصد كل كلمتها قلتها.. وأننى بكامل قواى العقلية طلبت بيبسى أوكولا.. وإذا مكانش فيه أوكى أنا مش هزعلهم يبقى أى مياه غازية والسلام.. ضحكن جميعا ثم دخلن المطعم.. وصحت فى آخر واحدة ألمحها : الكولا بسرعة الله يخليك قبل ما أفطس وجاءت المضيفات خلف بعضهن.. واحدة حاملة فوطة بيضاء ثلجية تفوح منها شكل ورائحة البخار لتنظيف يد العبد لله.. والثانية من خلفها تحمل كؤوس بلورية ذات حواف مذهبه .. أما الثالثة ماشاء الله تحمل البيبسى ومش أى بيبسى.. زجاجة من النوع الضخم .. ومثل شهريار قدمت لى الأولى الفوطة لمسح يدى من بقايا الطعام مع أنى ما أكلتش أى حاجة سوى الفلفل الحراق.. والثانية تضع الكوب أمامى.. والثالثة تصب البيبسى وهن ينظرن لى ويحدقن فى وجهى ويضحكن فى اندهاش.. هو أنا حصل لى حاجة وأنا مش واخد بالى والا إيه ياجماعة ؟ قلتها للجالسين حولى.. وحتى هم لم يجدوا فعلا تفسير لما يحدث.. ومايحدث أنهم فى الصين لايشربون المياه الغازية.. كما أنهم أساسا لايشربون أى مواد مضرة أثناء الطعام.. العصير الفريش والسلام إذا لزم الأمر.. وخلال ساعات النهار هناك الشاى الأخضر .. كما أن المياه المعدنية لديهم مضاف لها نسبة من الليمون لكى تذيب الدهون ... دهون إيه ؟ مش عارف ؟ ده أتخن واحد أو واحدة فى الصين يدوبك بقدر حجم العصفر بتاع أحمد بدير فى مسرحية ريا وسكينة .. شعب رشيق.. متيقظ.. نشط .. متحمس.. مقبل على الحياه.. لا ارتفاع فى ضغط الدم.. لا أمراض مثل السكر والقلب والبدانة.. السبب طريقة تناول الطعام.. وشرب الشاى الأخضر الذى يزيل كل معالم الشحوم من الجتة.. لذلك لم يكن أبدا غريبا أن تندهش المضيفات بهذه الشاكلة .. فهن يعرفن جميعا أن أى حاجة خلاف الشاى الأخضر أوالعصير الفريش الطازج تؤدى لكارثة صحية .. واخد بالك انت من حتى العصير الفريش الطازج دى ؟ .. بس مش أى عصير فريش.. فهنا العصير وكل الحاجات التى يستخدمها الشعب الصينى فى حياته اليومية لا إضافات أومكسبات طعم أورائحة لها وكل حاجة على المكشوف.. لأن الرقابة من حديد.. وأى فساد عينك ماتشوف الا النور.. حتى الحزب الشيوعى الذى يحكم الصين داخله أجهزة رقابية تمنع فساد أى عضو أوقيادى مهما كان حجمه.. ويد العدالة هنا سريعة جدا فى القضاء على الفساد فلايمر يوم دون محاسبة داخل الحزب الشيوعى الصينى لأنه يعتبر نفسه قدوة للجميع.. ولذلك لايفكر أحد خارج الحزب فى ممارسة أى نوع من الفساد .. ولذلك تجد المصانع الصينية تقوم بتصنيع طعام الشعب الصينى بدقة متناهية سيبك إنت من عملية أن كل البضائع اللى بيحضروها لنا فى مصر مضروبة.. هما يقوموا بتصنيع المنتجات لكل شعوب الأرض على حسب رغباتهم رغبات شعوب الأرض يعنى فهم يعرفون أن الشعب المصرى شعب ياكلها بالفهلوة.. عايز أى بضاعة بثمن رخيص والسلام.. لايهمة جودة البضاعة المهم السعر ... عشان كده تلاقى مثل هذه البضاعة أغرقت مصر.. والصينيين لايصدرون هذه البضاعة لمصر.. إنما الذى يستوردها هم تجارنا المصريين المحترمين.. وهناك فى دول الخليج وأمريكا وأوروبا منتجات صينية مختلفة ... هى المنتجات الأولى هناك باعتبار أنها منتجات عالية القيمة لاغش فيها.. والبضاعة الجيدة موجودة.. والبضاعة الأخرى المضروبة أيضا موجودة .. وتجار مصر يختارون الثانية.. ومندوبى المبيعات الصينيين الذين يدورون فى الشوارع يعرفون ذلك.. لذلك تجد مايحتاجه الشعب المصرى من البضاعة الصينى إياها موجود فى شوارع مصر.. كما تجد البضاعة التمام فى محلات الدول المتقدمة.. يعنى على حسب نيتك ورغبتك.. أما رغبة الشعب الصينى فهى المنتجات الصحية.. وللشعب الصينى عادات وطقوس مقدسة فى كل شىء.. فى روتين حياته اليومية.. وفى عمله.. وفى طعامة.. وهنا أطباق مقدسة ومعروفة تختلف حسب العادات والتقاليد فى كل أنحاء البلاد.. فمثلما اشتهرت مقاطع سيتشوان بالأطباق الملهلبة والغارقة بالشطة فإن إهل بكين لهم طقوسهم فى تناول الطعام عبر التاريخ.. فهم فى زمن قديم كانوا يكرمون ضيوفهم بالمكرونة الصينية كناية عن دعوتهم للضيوف بالمبيت.. وإذا بات الضيوف دعاهم المضيف لتناول وجبة من الجياوتسى تعبيرا عن حماستهم لإكرام الضيوف.. والجياوتسى نوع من المعجنات الصينية المعروفة .. وفي الزيارات لأقربائهم وأصدقائهم كان من المتعين أن يهدوا اليهم ثمانية أنواع من المعجنات المحلية ببكين.. وفي بعض الأرياف في جنوبالصين، عندما يجيء ضيف، يحضر المضيف الشاي له.. ثم يذهب على الفور إلى المطبخ لإعداد المعجنات أو سلق عدة بيضات دجاج في الماء ويضيف السكر اليها أو يسلق في البداية عدة شرائح من كعكة رأس السنة.. ويضيف السكر اليها ثم يقدمها إلى ضيفه ليتذوق أولا.. وبعد ذلك يبدأ إعداد وجبة رئيسية.. والوجبة الأولى هى " لقمة تصبيرة " زى ماكنا بنقول لأهالينا فى الأرياف ونحن صغار عندما كنا نعود من اللعب فى الشارع مرهقين أومن المدرسة فنسأل أمهاتنا عن هذه اللقمة لحين حلول موعد الغداء .. وكانت اللقمة التصبيرة أحلى مليون مرة من الوجبة الرئيسية نفسها.. أومثلما نفعل ونحن كبارا عندما نعود من العمل ونسأل الزوجة ونحن نعبث بأشياء المطبخ ونفتح الثلاثة ونلخبط الدنيا فى بعضها عن لقمة تصبيرة.. فتصرخ الزوجة وتأمرنا بالخروج من المطبخ واللى احنا عايزينه هييجى بعد خمس دقائق .. وبعد خمس دقائق يأتى الغذا مع أننا سألنه عن اللقمة التصبيرة مش أكتر والله ؟.. وفي مدينة تشيوانتشو بمقاطعة فوجيان في شرقي الصين يتعين على المضيف أن يحضر لضيفه فواكه حلوة وخصوصا اليوسفى .. واليوسفى تحديدا لأنه يعنى البركة التى حلت بقدوم الضيف وتمنيا له أن يعيش معيشة مبروكة وحلوة مثل اليوسفى.. ويختلف حجم المأدبة لإكرام الضيوف باختلاف المناطق أيضا . ففى بكين مثلا أصغر مائدة تتكون من ثمانية أطباق باردة وثمانية أخرى ساخنة.. وفي مقاطعة هيلونغجيانغ بشمال الصين، يلزم تحضير إثنين من كل طبق أو بأعداد زوجية.. وبالإضافة إلى ذلك في بعض المناطق يلزم تحضير طبق سمك تعبيرا عن الأمنيات بمعيشة ميسورة.. ومأدبة الزفاف تعتبر فى الصين أفخم وأكثر مأدبة أبهة.. مثلا في بعض المناطق في مقاطعة شنشي بغربي الصين يمتاز كل طبق في مأدبة الزفاف بمعنى خاص .. خد عندك الطبق الأول هو اللحم الأحمر ويرمز إلى أن البيت مفعم بالسعادة .. والطبق الثاني هو مسبحة الدرويش (تشكيلة من لحم و أصناف مختلفة من الخضر) ويرمز إلى لم شمل جميع أفراد الأسرة ومشاركتهم في السراء الرخاء.. والطبق الثالث هو أرز النفائس الثمانية والمطبوخ بالأرز اللزج الأبيض والتمر الصيني الكبير والزنبق والجنكة وبذور اللوتس وغيرها من المواد الخام الثماني.. ويرمز إلى الزواج السعيد والعمر المديد .. زى عندنا فى مصر.. عندما تغرق منازل أهل الفرح بالأكل والحلوى والفواكة.. وتصبح هذه المأدبة ذكرى حلوة.. لأنها لا تتكرر بعد ذلك لأن الزوج والزوجة يكتشفان أنهما كانا أكبر مغفلان فى التاريخ عندما ورطا نفسيهما وأهاليهم فى مثل هذه الموائد اللى مكانش لها لازمة من الأساس.. لأنها أنفقت على معازيم أكلوا وتغامزوا على الجميع .. ومهما عملت لهم فلن يحمدوا الله ولن يتركوا العريس والعروسة فى حالهما .. وغير مآدب الزفاف هناك فى الصين أيضا مأدبة طعام مشهورة وهى مأدبة العمر المديد.. فهى مأدبة تقام لتهنئة المسنين بعيد ميلادهم .. وغالبا ما يكون الطعام الرئيسي فيها مكرونة تسمى مكرونة العمر المديد.. وفي مدينة هانغتشو وبعض المناطق في شمال مقاطعة جيانغسو بشرقي الصين.. من المعتاد أن يأكل الناس المكرونة ظهرا.. ويقيموا المآدب عندما يحل المساء.. وعندما يأكل أهل مدينة هانغتشو المكرونة، يلتقط كل شخص بعض المكرونة من طاسته إلى المحتفى به لعيد ميلاده متمنيين له عمرا مديدا.. ويتعين على كل شخص أن يأكل طاستين من المكرونة.. ولكن الناس لا يسمحون بملأهما تماما معتقدين أن ذلك غير مبارك .. وفى الصين يوجد عدة أنواع من الأطباق مشهورة جدا ومتميزة أيضا ولايمكنك أن تنساها إذا تذوقتها.. طبعا مثل العبد لله.. عمرى ما هنسى أطباق سيتشوان كما يطلقون عليها.. وكلها تقريبا غارقة بالشطة.. وهى عبارة عن نوعين من الأطباق: أطباق سيتشوان وأطباق تشونغتشينغ.. وأطباق سيتشوان أكثر الأطباق الصينية انتشارا بالصين .. وأكثرها عراقة تاريخيا وطعمها متميز وذائعة الصيت.. وتشتهر بتعدد نكهاتها وشمولها وكثافتها.. وتتميز بالحموضة والحلاوة وشدة الحرافة وكثرة الزيت وكثافة النكهة.. وتهتم بالتبهير وفيها ماشاء الله يتم استخدام الفلفل الحار والفلفل الأسود والديش الصيني والزنجبيل الطازج عند إعدادها.. وبذلك تتشكل نكهة متميزة فريدة ومعروف أن الشيّ والتحمير والتذبيل والتسخين بالبخار طرق مفضلة في إعداد أطباق سيتشوان التى تتميز باستخدام توابل متعددة .. وأشهر هذه الأطباق الدجاج مع الفول السوداني.. وزعانف القرش مع الصلصة الحاذقة.. وجبن فول الصويا مع الفلفل الحار وفول الصويا المخمر.. وعندك أيضا من ضمن الأطباق المشهورة فى الصين أطباق شاندونغ.. وهى تتكون من أطباق جينان وأطباق شرق شاندونغ .. ومعروف أنها أطباق ثقيلة الطعم ويستخدم فيها البصل والثوم بكثرة وتمتاز بالأطعمة البحرية والحساء ومختلف أحشاء الحيوانات مثل سمك الشبوط المسكر والصدفات البحرية المحمرة والبطلينوس المشوي .. وهناك أنواع لاحصر لها من الأطباق والأطعمة تشتهر بها كل منطقة فى الصين مثل: أطباق تشجيانغ.. وأطباق قوانغدونغ.. وأطباق هونان.. وكلها جزء من ثقافة وتاريخ الشعب الصينى الذى نجح فى الاستفادة من كل شىء.. فى الترويج لنفسه ولثقافته وحضارته وحاضره .. ثم مستقبله.. ================================ كتاب (إلى الصين سيرا على الأقدام) كتاب من أدب الرحلات جاء بعد جولة قام بها الدكتور أحمد عبد الهادى إلى الصين