أصل التعصب في اللغة: أن يدعو الرجل إلي نصرة عصبته( أي قومه) والتألب معهم علي من يناوئهم, ظالمين كانوا أو مظلومين. ولا يخرج المعني الاصطلاحي المتعارف عليه للتعصب في زماننا عن هذا الفهم; ذلك أن التعصب يعود إلي خلل فكري يدفع بعض الناس إلي توهم أفضليته علي غيره, أو تصور أنه وحده هو الذي يملك الحقيقة والصواب, وأن غيره ينبغي أن يتبعه. والتعصب جمود في العقل وانهيار للفكر; لأنه لا يسمح بالتعددية الفكرية, وسنة الفكر أن الآراء يقدح بعضها بعضا, ومن خلال التعددية نصل إلي الأفضل ونقف علي السلبيات والعيوب في الآراء المعروضة. أيضا التعددية في الفكر تعمق الفهم للمسائل, لأن المسألة حينئذ تري من زوايا ووجوه متعددة, في حين أن الجمود علي فكرة واحدة أو وجه واحد يقتل بقية الآراء والأفكار. وقد وضع الإسلام الأساس النظري للمساواة بين البشر, فالأصل واحد قال تعالي: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا( الحجرات:13) واختلاف الألسنة والألوان من آيات الله الدالة علي عظمته وقدرته: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة( هود:118) ولكن شاءت قدرة الله أن تتعدد الأجناس والألوان والألسن, دون أن يكون هذا سببا في تفضيل بعض الناس علي بعض, إنما الميزان الذي به يتفاضل الناس هو: التقوي, وحسن الخلق, وهو ما قاله النبي صلي الله عليه وسلم لواحد من خيرة الصحابة- رضوان الله عليهم وهو سيدنا أبو ذر الغفاري, قال له النبي صلي الله عليه وسلم: انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود, إلا أن تفضله بتقوي الله. والتعصب جاهلية مقيتة, حسمها الإسلام وقضي عليها من جذورها, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم يكمن في وعي الأمة بدورها في صياغة مشروع حضاري متميز يستفيد من الحضارات الأخري ويضيف إليها, ولا يمكن ذلك إلا من خلال إبداع العقول والاجتهاد والتجديد, ولا يكون ذلك أبدا مع التعصب والانغلاق وضيق الأفق الفكري, أو بتكفير المخالفين; لأن هذا ضد حضارة الإسلام وضد مسيرة الوعي ورحلة المعرفة والاجتهاد. فالتعصب انغلاق وعزلة... إنه الموت. [email protected]