مر شهر رمضان, شهر النفحات, شهر الطاعة والعبادات, وحافظ المسلمون واستقاموا علي الطاعة والعبادة في هذا الشهر الفضيل واجتهدوا حتي ينالوا الثواب الجزيل من رب العالمين, وبانتهاء رمضان يكسل كثير من الناس عن الطاعة والعبادة, غافلين أن الاستقامة علي الطاعة أمر رباني وفرضية إلهية في رمضان وفي غير رمضان, وليكن رمضان بداية الاستقامة عند غير المستقيم, وإعادة وتجديد لنشاط المستقيم. فالاستقامة كما عرفها العلماء هي: لزوم المنهج القويم والمداومة عليه, و أمر الله تعالي نبيه الكريم صلي الله عليه وسلك ومن معه بالاستقامة علي الطاعة فقال تعالي: فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير, وقال تعالي: فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم, وقال تعالي: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه. يقول الدكتور هشام الجنايني بكلية الشريعة والقانون بطنطا إن للاستقامة فوائد كثيرة منها أن المستقيم آمن في الدنيا والآخرة, وفي معية الملائكة, ومبشر بجنة الرحمن, قال تعالي مبشرا المستقيم: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون* نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون* نزلا من غفور رحيم. وكذلك الاستقامة سبب لتوسيع الأرزاق وعدمها سبب للحرمان قال تعالي بعد أن بين طوائف الجن من مسلم وغير مسلم, قال عن غير المسلمين منهم: وأن لو استقاموا علي الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا أي: لو ثبتوا علي الدين والعبادة والطاعة لأنعمنا عليهم ولوسعنا عليهم أرزاقهم ومعيشتهم بالإضافة إلي أن الاستقامة علي الطاعة والعبادة دليل علي كمال الإيمان ففي الحديث الصحيح أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: استقيموا ولن تحصوا, واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة, ولا يحافظ علي الوضوء إلا مؤمن. ويشير الدكتور الجنايني أن الاستقامة علي حسن الخلق يوصل الإنسان إلي درجة الصوام القوام أي كثير الصيام كثير القيام بالليل-, ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن المسلم المسدد أي المستقيم ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله بحسن الخلق. لذا كانت الاستقامة وصية النبي صلي الله عليه وسلم لأصحابه, فقد روي الحاكم بسند صحيح أن سيدنا معاذ أراد السفر فقال: يا رسول الله أوصني, فقال له الحبيب صلي الله عليه وسلم: أعبد الله ولا تشرك به شيئا, قال: يا رسول الله زدني, قال: إذا أسأت فأحسن, قال: يا رسول الله زدني, قال: استقم ولتحسن خلقك. ولكن يرد هنا سؤال هو: ما الطريق الأمثل للاستقامة؟ أو كيف نستقيم؟, وللجواب علي هذا السؤال يقول الدكتور هشام الجنايني يجب أن يعلم كل فرد منا أن الاستقامة تبدأ باستقامة القلب علي الإخلاص لله تعالي; لذا نجد سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه يفسر قوله تعالي إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا بأنها استقامة القلوب, فيقول رضي الله عنه: ثم استقاموا أي لم يلتفتوا إلي غير الله, فمتي استقام قلب الواحد منا علي طاعة الله وإخلاص الأمر له سبحانه استقام الجسد كله, وإذا اعوج وفسد قلب الواحد منا اعوج وفسد سائر الجسد, فالقلب هو الملك وبقية الأعضاء جنوده, قال الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه: إلا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب. ولما كان اللسان هو المعبر عن ما في القلب كانت استقامته مهمة فهو أخطر عضو بعد القلب, وقد ورد حديثا يحكي لنا مشهدا يوميا يحدث كل صباح بين اللسان وسائر الأعضاء, يبين لنا مدي أهمية استقامة اللسان وتأثيره علي بقية الأعضاء, فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم كما ورد في سنن الترمذي بسند حسن: إذا أصبح ابن آدم فإن أعضاءه تكفر اللسان أي تذل له وتخضع لأمره- تقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك, فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا. فإذا استقام القلب واللسان استقامت بقية الأعضاء. ويقول الدكتور عبد الله أبو الفتح بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين جامعة الأزهر بالقاهرة المهم الآن هو أن نعاهد الله تعالي- علي الاستمرار والمداومة علي الطاعة إلي أن نلقاه, فرب رمضان هو رب سائر الأزمان, فالاستقامة تعني سلوك الصراط المستقيم وهو الدين القويم من غير اعوجاج عنه يمنة أويسرة ويشمل ذلك فعل الطاعات الظاهرة والباطنة وترك المعاصي والسيئات علنية كانت أو خفية. ولا يكن حالنا بعد رمضان- كحال تلك المرأة الخرقاءالتي كانت بمكة وكانت كلماغزلت شيئا نقضته بعد إبرامها فحذر الله عز وجل- عباده المؤمنين من أن يكون حالهم في الطاعة كحال تلك المرأة قائلا:, ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا], النحل:92]. ويضيف أبو الفتححري بنا أن نعلم أن أحب الأعمال إلي الله عز وجل أدومها وإن كانت قليلة, فليبادر كل واحد منا إلي طاعة الله- عز وجل وليحرص علي أن يكون عمله الصالح دائما غير منقطع, وليتدرج مع نفسه فلا يحملها ما لا تطيق من العمل الصالح حتي يكون داومه عليه سهلا ميسورا علي نفسه, ولنأخذ العبرة من موقف رواه الإمام البخاري حدث في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها حين دخل النبي- صلي الله عليه وسلم- عليها وعندها امرأة, فقال:, من هذه] قالت السيدة عائشة: هذه فلانة تذكر من صلاتها, فقال صلي الله عليه وسلم:, مه وهي كلمة زجر- عليكم بما تطيقون فوالله لايملالله حتيتملوا], ثم استخلصت السيدة عائشة من هذا الموقف ما كان يحبه- رسول الله صلي الله عليه وسلم- قائلة:, وكان أحب الدين إليه مادام عليه صاحبه]. ويقول الدكتور نبيل عجيب بالأوقاف إن الثبات علي الاستقامة والمداومة علي الطاعة يحتاج إلي وقفتين: الأولي: من الذي استفاد من رمضان يقول النبي( صلي الله عليه وسلم): من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, وقال: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. فمغفرة الذنوب بهذه الأسباب الثلاثة كل واحد منها مكفر لما سلف من الذنوب وهي صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر فمتي تحصل المغفرة والتكفير؟ قيام ليلة القدر بمجرده يكفر الذنوب لمن وقعت له وأصابها سواء شعر بها أم لم يشعر, أما صيام رمضان وقيامه فيتوقف التكفير بهما علي قيام الشهر.