اواصل معكم الحديث عن ضرورة المداومة علي الطاعات وذلك العنصر عنونته ب ¢ عرفت فالزم¢ ذقت حلاوة الإِيمان وعرفت طعم الإِيمان. عرفت هذا في رمضان. ما منا من أَحدي صام وقام رمضان وقام ليلة القدر إِلا وذاق هذه الحلاوة. حلاوة شرح الصدر وسرور القلب. عرفت فالزم. الزم هذا الضرب المنير. واستقم علي هذا الصراط المستقيم. ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّ النبي صَلَي اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: ¢يا أَيها الناس عليكم من الأَعمال ما تطيقون فإِنَّ الله لا يمل حتي تملوا. وإِنَّ أَحب الأَعمال إِلي الله ما دووم عليه وإِن قل¢. وفي صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: ¢كان رسول الله إِذا عمل عملاً أَثبته¢. أَي داوم عليه وحافظ عليه. وفي صحيح مسلم من حديث أَبي عمرة سفيان بن عبد الله الثقفي أَنه قال للنبي صَلَي اللهُ عَليهِ وَسلَّم ¢قل لي في الإِسلام قولاً لا أَسأَل عنه أَحداً بعدك¢. قال الحبيب: ¢قل آمنت بالله ثم استقم¢. قل آمنت بالله ثم استقم. أَي استقم علي ضرب الإِيمان. استقم علي طريق التوبة. استقم علي طريق الاستغفار. استقم علي طريق قيام الليل. استقم علي طريق الإِحسان. استقم علي طريق هذه الثوابت الإِيمانية التي أَعانك الله عليها في رمضان. قال جل وعلا: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآْخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُوري رَحِيمي" "فصلت: 30-32". إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا قرأَها يوماً علي المنبر عمر بن الخطاب فقال: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا" ثم استقاموا علي منهج الله فلم يروغوا روغان الثعالب. والاستقامة هي المداومة والثبات علي الطاعة. وانتقل معكم الي العنصر الثالث وهو¢ استعن بالله ولا تعجز¢ من أَعانه الله علي الطاعة فهو المعان. ومن خذله الله فهو المخذول لا حول ولا قوة إِلا بالله. لا حول لك علي طاعته. ولا قوة لك علي الثبات علي دينه إِلا بمدده سبحانه فاستعن بالله ولا تعجز واتقه ما استطعت واطلب المدد والعون منه أَن يثبتك علي طريق طاعته وعلي درب نبيه وتدبر وصيته لمعاذ بن جبل. كما في الحديث الصحيح الذي رواه أَحمد والترمذي وغيرهما أَنَّ النبي صَلَي اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال لمعاذ بن جبل يوماً: ¢يا معاذ والله إِني لأُحبك. فقال: أُوصيك يا معاذ. لا تدعن في كل صلاة - وفي رواية- دبر كل صلاة أَن تقول: اللهم أَعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك¢. نعم اطلب العون والمدد من الله علي عبادته سبحانه وأَنتَ إِن سلكت هذا الدرب المنير لن يخزك الله أَبداً. أَليس هو القائل: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" "العنكبوت: 69". هذا وعد منْ؟! وعد رب العالمين. ورب الكعبة سيصرف الله بصرك عن الحرام. وسيصرف الله قلبك عن الشهوات والشبهات. وسيحفظ الله فرجك من الحرام. وسيصرف الله يدك عن البطش في الحرام. وسيصرف الله قدمك من الخطأَ الحرام. فأَحسن أَيها المسلم الموحد ليكون الله معك. فمن توكل عليه كفاه. ومن اعتصم به نجَّاه. ومن فوض إليه أُموره كفاه. قال جل في علاه: "أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافي عَبْدَهُ "" "الزمر:36". علق قلبك بالله سبحانه فهو الغني الذي لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية. ومع ذلك لو تاب إِليه عبده الفقير الحقير مثلي لفرح بتوبته وهو الغني عن العالمين يقول النبي صَلَي اللهُ عَليهِ وَسلَّم: ¢لله أَفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أَرض دوِّيَّة مهلكةي. معه راحلته عليها طعامه وشرابه. فوضع رأَسه فنام نومة. فاستيقظ وقد ذهبت راحلته. فطلبها حتي إِذا اشتد عليه الحر والعطش أَو ما شاء الله ? قال: أَرجع إِلي مكاني الذي كنت فيه فأَنام حتي أَموت فوضع رأَسه علي ساعده ليموت فاستيقظ. فإِذا راحلته عنده. عليها زاده وشرابه فالله أَشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده¢. وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رَضِي الله عنْهُ: ¢قدم علي النبي صَلَي اللهُ عَليهِ وَسلَّم سَبْيى. فإِذا امرأَة من السَّبْي تحلُب ثديها تسقي. إِذا وجدت صبياً في السبي أَخذته. فألصقته ببطنها وأَرضعته¢ فقال لنا النبي صَلَي اللهُ عَليهِ وَسلَّم: ¢أَترون هذه طارحة ولدها في النار؟¢ قلنا: لا. وهي تقدر علي أَن لا تطرحه. فقال¢ لله أرحم بعباده من هذه بولدها¢. والله لو تدبرت هذا الحديث لوقفت علي العجب العجاب. لذا قال أَحد السلف: اللهم إِنك تعلم أَنَّ أُمي هي أَرحم الناس بي وأَنا أَعلم أَنكَ أَرحم بي من أُمي. وأُمي لا ترضي لي الهلاك أَفترضاه لي وأَنت أَرحم الراحمين؟!! نعم إِنها رحمة الله جل وعلا. ينادي بها علي عباده بهذا النداء الندي العذب: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" "الزمر: 53". إِنها رحمة الله التي وسعت كل شيء فاستعن بالله ولا تعجز. و إِن زلت قدمك عُد وإِن زلت أُخري عُد. وإِن زلت للمرة الأَلف عُد. واعلم بأَنَّ الله لا يمل حتي تملّوا. نحن عبيده هو الذي خلقنا ويعرف ضعفنا وفقرنا وعجزنا لذا لا يريد منا الطاعة وإنما يريد منا العبودية له سبحانه وتعالي. فالطاعة لك أَنت. فهو سبحانه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ففي صحيح مسلم من حديث أَبي إِدريس الخولاني عن أَبي ذر أَنَّ رسول الله قال: قال الله تعالي: ¢... يا عبادي لو أَنَّ أَولكم وآخركم وإِنسكم وجنكم كانوا علي أَتقي قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي لو أَنَّ أَولكم وآخركم وإِنسكم وجنكم كانوا علي أَفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً...¢. الراوي: أبو ذر الغفاري - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2577 - خلاصة الدرجة: صحيح. أَيها المسلم الكريم استعن بالله علي الطاعة. واستعن بالله علي أَن تثبت علي هذا الدرب المنير. واعلم يقيناً أَنَّ من أَعظم الأَسباب التي تعين العبد علي أَن يثبت علي طاعة الله جل وعلا أَن يكونَ وسطاً معتدلاً في طاعته لربه. لا غلواً في الإِسلام ولا تنطع. فخير الأُمور الوسط. لا غلو. لا إِفراط. لا تفريط. لذا يقول المصطفي: ¢إِنَّ الدينَ يسرى ولن يشاد الدينَ أَحد إِلا غلبه فَسَدَّدوا وقاربوا و أَبشروا واستعينوا بالغَدْوَةِ والرَّوحة وشيء من الدُّلْجة¢. إِنه منهج الوسط.. منهج الاعتدال. لقد جمع النبي صَلَي اللهُ عَليهِ وَسلَّم بكلماته هذه بين خيري الدنيا والآخرة لأَنَّ من كسب الدنيا بالعمل الصالح كسب الآخرة بإِذن الله. ومن خسر الدنيا بالعمل السيئ خسر الآخرة. ولا حول ولا قوة إلا بالله