مجدد القرن الخامس الهجري(450 ه 505 ه) الذي قدم للأمة المسلمة مناهج ودروسا وقيما ومباديء للخطاب الديني في واقعيته مولانا أبو حامد الغزالي حجة الإسلام رحمه الله تعالي وهذا اللقب ناله عن جدارة واستحقاق حيث وقف نفسه علي خدمة الإسلام وعلومه, وكان ترجمة لأخلاق الإسلام ومثله, قال عنه الشيخ محمد مصطفي المراغي رحمه الله تعالي: إذا ذكر الغزالي لا يخطر علي البال رجل واحد, بل يخطر بالبال رجال متعددون, كل واحد قدره وقيمته, يخطر بالبال: الغزالي الصوفي بحق الحاذق الماهر, الفقيه الحر, المتكلم بالسنة وحامي حماها, الفيلسوف الناقد لجنوح فلسفات, المربي الزاهد, المعالج لأمراض القلوب دائر معارف إسلامية. مع اتباعه للمذهب الشافعي لم يكن مقلدا بالمعني التقليدي بل درس كل المذاهب دراسة تفصيلية واتخذ نهج الموازنات حتي وصل إلي درجة الاجتهاد وله مناظرات عميقة مع فقهاء عصره. إسهامات الغزالي في الذود عن الدين الحق والنقد البناء مشهورة منها: فضائح الباطنية للرد علي شبهة طائفة الإسماعيلية الباطنية. وتهافت الفلسفة ليبرهن ويدلل علي أن الدين يطلب بقوة الإيمان واليقين لا بالفلسفة. وأفاض في الجانب الخلقي الوجداني التربوي فكان من أجمع وأمتع وأكمل وأشمل ما صنف إحياء علوم الدين الذي به غاص في النفس الإنسانية فسبق وجاوز علماء النفس, ووضح أن التصوف الحق يبني علي أدب النفس, وعرض قضايا مهمة مثل التوكل والأحوال والمقامات. وقدم تجارب عملية من المجاهدة للنفس, وقدم للمكتبة الإسلامية المنقذ من الضلال, وشرح تجربته الصوفية الرائعة ووضح الحقائق في الفناء والبقاء من مصطلحات الصوفية. ورغم صوفيته الصادقة كانت له إسهاماته السياسية في التوجيه والفصح والجهر بالحق لذاته. وله رحلات علمية في حواضر العالم الإسلامي ولقاءات مع أعلام عصره, وتعد مؤلفاته مكتبة إسلامية قائمة بذاتها في علوم أصول الدين والشريعة الإسلامية واللغة العربية وآدابها. واتبعه خلق كثير وينتفع بعلومه ونتاجه ليس في المجتمعات المسلمة فحسب بل في أعرق الجامعات العالمية وكتب المستشرقون عنه أبحاثا رصينة تشهد بريادته العلمية. وقرر الإمام السيوطي رحمه الله تعالي استحقاقه مجدد القرن الخامس لتوافر شروط التجديد فيه حيث قال معلقا علي الحديث النبوي الشريف إن الله تعالي يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة من يجدد لها دينها رواه الحاكم وأبو داود والبيهقي وأخرجه السيوطي في جمع الجوامع حيث قال معلقا: يشار بالعلم إلي مقامه... وينصر السنة في كلامه. وأن يكون جامعا لكل قيد... وأن يعم علمه أهل الزمن واتفق الثقاة علي أنه مجدد القرن الخامس. إن التأصيل والتنظير والموازنات والترجيحات وسعة الإطلاع والجمع بين النقل والعقل وتفنيد شبهة خصوم الإسلام, وملكة التصنيف وتربية العلماء وإعداد الدعاة والزهد والورع صفات وأوصاف في المجدد الإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالي.