ونحن نتهيأ لاستقبال شهر رمضان يصبح لزاما أن نستعد له بما يتناسب مع ما له من مزايا وفضائل, وما نرجوه لجني فوائده واغتنام منافعه. وشهر رمضان لا يفوق غيره من الشهور لمجرد الزمنية فهي عامل مشترك بينه وبينها; بل لما امتاز به من خصائص, وما تفرد به من فوائد ومنافع. ويكفي في إدراك قيمة هذه الفضائل الرمضانية أن نعلم أنها ليست من أطروحات البشر واختياراتهم المحدودة بقصورهم, والمشوبة بضآلة تفكيرهم; بل هي من السنن الإلهي العظيم, والتقدير الرباني الحكيم فإذا لا مجال فيها لاصطناع, ولا وجه فيها لتوهم الاختراع, ولقد تكرم الله تعالي علينا نحن المسلمين فأبان لنا عن قيمة هذه المنافع والفوائد الرمضانية إيعاذا لنا أن نستبق لاستقبال شهر رمضان بما يتناسب مع فضائل هذا الشهر الكريم يقول الدكتور ياسر محمود المزارة كلية أصول الدين والدعوة بطنطا علي المسلم أن يفصل بين ما لهذا الشهر من فضائل وبين نوعية الاستعداد لاستقباله, وإلا عاش المسلم في شهر رمضان خارج الزمن, فإما تخلف يقعده عن نيل المعالي وإما ترصد يصده عن إدراك المغانم. وهذا الامتزاج بين خصائص شهر رمضان والاستعداد لاستقباله يجعلنا نجمع بينهما في العرض, فمن خصائص شهر رمضان الموعزة لاستقباله شهر رمضان شرف زمنا بإنزال القرآن, قال تعالي: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن. وإذا كان محل استقبال القرآن الكريم القلب كما قال تعالي: نزل به الروح الأمين علي قلبك لتكون فكان حريا بنا أن نعد لاستقبال شهر رمضان قلوبا منيبة لربها أواهة في سبحاتها, سليمة في توجهاتها, مطمئنة بذكر ربها. والخطوة الأولي لإعداد هذه القلوب تبدأ من سؤالنا لأنفسنا: أين هي قلوبنا الآن؟, ولربما تفاجئنا الإجابة لو صارحنا أنفسنا: إن من القلوب ما غمرته الغفلة بل قلوبهم في غمرة من هذا, ومن القلوب ما ألهته المعايش بطرا عند بسط وسخطا عند قبض وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين, ومن القلوب ما فتكت به الأمراض فأردته صريع الأهواء لا حراك فيه إلا لغي ولا سعي له إلا لدنيء في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا, ومن القلوب ما زاغت به وجهته فلا يتطلع إلا إلي شبهة تثنيه, أو شهوة ترديه: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله), ومن القلوب ما عمي عن الحق فتاه به السبيل وحرم إشهاد الدليل: فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور), ومن القلوب ما قسي حتي استعصي علي التذليل بلطائف الوعظ وجميل الأساليب: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة) فيا من ترمو النجاة من سالف الأوصاف أدم اللجوء والتضرع لمنزل الألطاف أن يجيرك من تقلبات القلوب وأن يحفظك من فتن الخطوب وأن يهبك صدرا منشرحا وقلبا مطمئنا ولا يخالك نائلا ذلك إلا بكثرة ذكره سبحانه, فبالذكر يحيي القلب مثل الذي يذكر والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت, وبالذكر تطمئن القلوب الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب وبالذكر ينتفع بالقرآن: إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم, وبالذكر نهيئ قلوبنا لاستقبال شهر رمضان. ويضيف الدكتور ياسر محمود المزارة كلية أصول الدين والدعوة أن شهر رمضان خص بفرضية الصيام قال تعالي: فمن شهد منكم الشهر فليصمه, وفي صيامنا ندع الحلال من المطعم والمشرب والمنكح من الفجر إلي الليل زمن السبح الطويل: إن لك في النهار سبحا طويلا, ومحل النشور للعمل والكسب وجعل النهار نشورا, ووقت البعث اليومي بلوغا للآمال واستيفاء للآجال: ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمي, ومجال لتبصر الآيات وجني أفضال الخالق: وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم. وارتباط زمن الصيام بوقت النهار وما لهذا الوقت من حكم إلهية يجعلنا ندرك أن خلافتنا نحن البشر في الأرض والتي هي مراد الله تعالي أزلا لا يحسن القيام بها قوم أسرفوا في طيبات الحياة الدنيا, أو ركنوا إلي متعها, فآدم عليه السلام ما فقد جنته إلا برغبة في المأكل, فكذا تضييع الأمة لأمانة خلافتها مرهون بالإسراف في مباحاتها قال تعالي: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا* وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفي بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا, وحاصل القول أن نعد لاستقبال شهر رمضان: الترشيد في الإنفاق, والتقليل من الاستهلاك, وما نوفره لا كنز بل لإنفاق يفي بقضاء حوائج الآخرين والتيسير عليهم, فقد كان هذا هدي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر رمضان, وكان أجود بالخير من الريح المرسلة. إن الأصل في صيام شهر رمضان أنه يوفر علي الأمم والشعوب ثلث اقتصادها بطرح الوجبة الثالثة من غذائها; لكن الإحصائية تقول: الاستهلاك في شهر رمضان يزيد غيره من الشهور إلي ما بين4010% من دخل الأمم, فهل هذا إعداد لشهر يقل فيه الاستهلاك لتصفو الروح وتنجو من عوالق حاجات الأجساد ؟؟!!!, وإذا كان شهر رمضان شهر صيام وقيام, والقيام فيه يأتي بعد الصيام, فكذا لا قيام للأمة ولا رقي لها إلا بصيام عن الترف والبزخ والإسراف. ويقول الشيخ محمد فايد من علماء الاوقاف أن هناك أمورا علي الإنسان أن يفعلها وأن يقوم بها إذا ما أقبل رمضان. وهذه الأمور منها: الدعاء: وذلك بأن يبلغك الله شهر رمضان وأنت في صحة وعافية وستر حتي تنشط للطاعة والعبادة من صيام وقيام وذكر.كذلك الحمد والشكر علي أن بلغك الله إياه. فكم من امرئ كان بجوارنا بالأمس واليوم واراه الثري فلم يبلغ رمضان ولكن الله بلغك إياه. وأيضا مع بداية هذا الشهر لابد من فتح صفحة جديدة بيضاء مع الله بالتوبة والإخلاص, ومع رسوله بالاتباع, ومع الأقارب بالبر والصلة, ومع الناس بالنفع لهم. فأفضل الناس أنفعهم للناس. بالاضافة إلي التخطيط المسبق للاستفادة من الشهر: قال تعالي{ وسارعوا إلي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين(13) ويضيف الشيخ فايد أن ما يحزن القلب أننا نجد الكثير يخططون لأمور الدنيا من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ولا تجده يخطط لأمور الدين. فضع خطة مسبقة لتستفيد من هذا الشهر من ورد يومي في القرآن, وقيام ليل, وصدقة, وصلة أرحام وغير ذلك. إن النبي صلي الله عليه وسلم كان يخص رمضان بكثرة الطاعات عن غيره من الشهور. وأفضل هذه الطاعات: ذكر الله. وأفضل الذكر تلاوة القرآن ورمضان هو شهر القرآن. قال تعالي:( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان). فعلينا أن نكثر من تلاوة القرآن في هذا الشهر فمن قرأ حرفا من كتاب الله كتبت له حسنة والحسنة بعشر أمثالها; لا أقول( الم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف. فإذا لم تستطع القراءة فاستمع إلي القرآن ولا تدع يوما من هذا الشهر يمر دون أن تقرأ فيه أو تسمع لكتاب الله جل وعلا. فالبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يكون خاليا من البركة كما أن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن يكون كالبيت الخرب. وكفي بالذي يقرأ القرآن أن يكون شفيعا له يوم القيامة. وكذلك من الطاعات المستحبة في هذا الشهر: الصدقة والجود والإنفاق في سبيل الله. فالنبي كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان. وجود الله يتضاعف علي العبد في هذا الشهر. فمن جاد جاد الله عليه بالفضل والعطاء, والجزاء من جنس العمل. ومن العبادات والطاعات التي تعد علامة من علامات رمضان وميزة من ميزات هذا الشهر وسمة من سماته هي صلاة التراويح; فكما أن العبد يجاهد نفسه بالنهار فيبتعد عن الطعام والشراب والشهوة, فإنه كذلك يجاهد بالليل بكثرة ركوعه وسجوده لله رب العالمين.