كان المسلمون يستقبلون شهر رمضان بفائق العناية ويولونه أشد الاهتمام وكانوا يستعدون لمقدمه فرحًا بقدومه، واستبشارًا بفضله، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ببلوغه رمضان، فإذا دخل شهر رجب قال: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان». وكانوا يقولون: اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والنشاط، وأعذنا فيه من الفتن، فصيام رمضان فريضة وركن من أركان الإسلام قال صلى الله عليه وسلم: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان»، ويقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه» وفي رواية «خاب وخسر كل من أدرك رمضان ولم يُغفر له ذنبه». فهو موسم للطاعات والمنافسة للفوز بالرحمات والمغفرة قال تعالى: «وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ»، ولقد كان من شدة تعلق النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الشهر الكريم أنه كان يقول: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان»، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عند دخول رمضان: «مرحبًا بمطهرنا من الذنوب». والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يعدون أنفسهم لاستقبال الشهر الكريم والضيف العزيز استبشارًا به وأملاً في الفوز بالمغفرة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان فيقول: «جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم». لذا فعلى المسلم أن يُعد نفسه إعدادًا جيدًا لاستقبال الشهر الكريم ويطهر نفسه بالتوبة إلى الله تعالى، لينال الجائزة الكبرى والمغفرة لذنوبه لقوله صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر»، وألا ينفق وقته وعمله في غير طاعة الله حتى لا يرغم أنفه ويخسر المغفرة. والمسلم وهو يستقبل شهر رمضان لا بد أن يحاسب نفسه ويتدبر أحواله ولا بد أن يطهر قلبه مما ألم به من شواغل التي تشغله عن ربه وعن عبادته، وأن يطهره مما ألم به من أمراض الكراهية والغل والحسد والمشاحنة والبغضاء لأنه موضوع نظر الله تعالى فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». ولا يفوت المسلم شكر الله تعالى على نعمه عليه والتي لا تعد ولا تحصى، ومن بين تلك النعم أن الله تعالى أنعم عليه بأن أدرك رمضان فقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وفي الستة الأخرى يسألونه القبول، فكان عامهم كله رمضان، وشكر النعمة تقييد لها وحفظ كما قال أحد السلف: «قيدوا نعم الله بشكر الله»، فإذا أنعم الله على العبد بنعمة فاستخدمها في طاعته وشكره عليها، حفظها له وزاد له فيها، وإذا لم يشكرها أو استخدمها في معصيته، سلبها منه وقلبها عليه نقمة وعذابًا. ولكي نكون من الفائزين في هذا الشهر الكريم لا بد من إلزام أنفسنا بأمور أولها تعلّم ما لا بد منه من فقه الصيام، وأحكامه وآدابه، والعبادات المرتبطة برمضان من اعتكاف وعمرة وزكاة فطر وغيرها لقوله صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم». ومنها عقد النية والعزم الصادق والهمة العالية على صلاح القول والعمل والاجتهاد في الطاعة والذكر وتعمير رمضان بالأعمال الصالحة، لأنه ما عزم عبد على طاعة الله ونوى بقلبه أن يؤديها فحال بينه وبينها حائل إلا بلغه أجرها. كما أنه علينا الاجتهاد في الذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم واستلهام المواعظ من الصيام بتذكر الظمأ يوم القيامة، والفرح عند أخذ الكتاب باليمين، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «للصائم فرحتان، فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه». وعلى المسلم الصائم أن يحرص على أسباب المغفرة والرضوان بالحفاظ على الصيام والقيام وأداء الواجبات، وأن يبتعد عن أسباب الطرد والحرمان من المعاصي والآثام في رمضان وبعد رمضان ليكون من الفائزين، كما أن من علامة ذلك أن يستغرق الإنسان أوقات رمضان بالطاعة تأسيًا بنبيه صلى الله عليه وسلم ، قال ابن القيم رحمه الله: «وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات»، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن الكريم، والصلاة والذكر والاعتكاف، وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحيانًا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة. نقلا عن " الاهرام" المصرية