قرب يا باشا, قرب يا بيه.. هنا السيرك. الأطفال نصف تذكرة, الفقرات مبهرة, الدخول في تمام السادسة, الجمهور يملأ القاعة.. الأفيال تحتل الحلبة بأجسادهم الضخمة ووقع اقدامهم الثقيلة وخراطيمهم الممتدة لأقصي الحدود.. لا يقوي أحد علي مجابهتهم أو الوقوف أمامهم, يؤدون ببراعة وتدريب عال, ألهب الأيادي بالتصفيق والحناجر بآهات الاستحسان, رغم طيبتهم التي يبدونها لكن أنيابهم العاجية وأعينهم الضيقة وأصوات نهيمهم يفيض بالنذر والوعيد اذا ما تجرأ احد وساورته نفسه بترك مقاعده مع الجمهور والصعود للحلبة.. فهم وحدهم المستأثرون بالعرض!. أما فقرة النمور والأسود.. فمازالوا رهن الاقفاص يزأرون, يتنمرون, ينتظرون ساعة الخلاص.. يخبطون بأرجلهم يودون تحطيم القضبان والخروج, ليستأثروا بالحلبة أسوة بالفيلة وباقي حيوانات العرض, عزلوهم في الأقفاص بعيدا عن مسرح الأحداث خوفا علي الجمهور, يخشون من غدرهم وعنفهم.. يكتفون بإطعامهم لحم الحمير بين الحين والآخر, والجوع في أغلب الاحيان, حتي هلك الكثيرون.. الجمهور مازال يحتار في اختيار الفقرة الأكثر جذبا وتشويقا, سأم من رؤية الفيلة يهيمنون علي الحلبة بعروضهم المتكررة المملة, يشوبها الكلفة والإفتعال, أم يحنون لفقرة الأسود والنمور الملغاة, لاختفاء مدربهم في حادث غامض,, ينتظرون قدوم مدرب مصري أم اجنبي.. لا يهم!. حتي يستمر العرض, الجمهور يقول إن العرض لن يكتمل ولن تضوي الحلبة الا باعتلاء الجميع عرشها.. كل في فقرته, ليستمتع الجمهور ويضحك الاطفال. البلياتشو... مازالت فقرة محببة للجميع صغارا وكبارا, يضحك بها علي الناس ام تضحك عليه الناس, لا أحد يعلم؟ مازالت حركاته متقنة يشوبها الافتعال والتضخيم حتي ينتزع الضحكات, حركاته مبهرة ذات ايقاع سريع, غير متوقعة ليبق علي الجمهور في حالة ترقب وتبقي أعينهم منصبتين عليه طوال الوقت, يدهشهم, يتفنن في جذب انتباههم والحصول علي تشجيعهم. قرب يا باشا.. قرب يا بيه, هنا السيرك. فقرة الأكروبات.. مازال الحواة يلعبون علي جميع الحبال بمهارة وحنكة, أرجلهم كالكماشات, أجسادهم مرنة, لا يقعون ابدا ولا يتعبون, يتمددون في جميع الاتجاهات, موجودون في كل الأوقات, مهما تغيرت الفقرات, تبدل العرض, مواهبهم حاضرة, قدرتهم فائقة, يتلونون بحسب المناخ يمشون بأرجلهم أو بعجل الحبال.. لا يهم!! عامل السيرك يصيح لجذب الرواد في زي مهرج: قرب يا باشا.. يرب يا بيه. فقرة الساحر... الفقرة المثيرة الجاذبة للانتباه.. شد ما يحير أن الناس يعرفون بأن الساحر يحتال عليهم بألاعيبه وأدواته المجهزة وخفة يده.. إنه حتيال لذيذ, يبهجهم, يبهرهم, يتركهم في حالة نشوة والساحر يعلم بأن الناس يعلمون بأن ما يشاهدونه منافيا للحقيقة, لكنهم يبحرون معه في الوهم.. لحظات يغيبون فيها عن الواقع المرير, ليحظوا بمتعة نادرة بزن يروا معجزات تتحقق في زمن نضبت فيه المعجزات, اتفاق صامت بينهما علي الوهم والخديعة مقابل النشوة وآهات الاستحسان!. اينتهي العرض أم يستمر؟.. أيظل الجمهور قابعا في مقاعده أم يود أن يشارك الجميع الحلبة؟, لكن.. بلا مواهب وفقرات متقنة وعمل دؤوب وتدريب شاق.. لن يحظي أحد بالحلبة سوي الفيلة والأسود والنمور والبلياتشو والساحر ولاعبي الاكروبات. عامل السيرك في زي المهرج يهتف: قرب, قرب.. هنا السيرك.