تناولنا في مقالنا السابق بعض الوقفات وما أكثرها حيال المقترحات( الجديدة) للجان ترقيات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية والتي تمخض مجلس( الوصاية/ الأعلي) علي الجامعات عنها بعد جهد جهيد, ليزف لنا في مطولته التي فاقت في بنودها أشهر معاهدات وإتفاقيات التاريخ قرارات النزول بالعضوية للعدد(9) وزيادة عدد الأبحاث مع إلتزام الشفافية بعرض الإنجليزية منها علي مؤشرات الأمانة العلمية.. أما الأبحاث العربية فأكبر من ان تتهم في أمانتها العلمية.!! ناهيك عن اللجان العليا والتخصصية والإستمارات المتعددة وشروط العضوية التي ترمي إلي الدولية من خلال محركات البحث!! مع التأكيد علي المدرسة العلمية!! للمحكم, وإستخدام عبارة المشهود لهم؟؟ والإستثناء ب(إلا) التي باتت مثل( لو) التي تفتح المجال للشيطنة.. إلخ إلخ.. والواقع فكل ما تفتق عنه ذهن المجلس الموقر كان عبارة عن تنظيم ظاهري لبعض المواد أو إعادة صياغتها, ليؤكد ما ذكرناه سلفا من إمعان التوجه نحو الإجراء الإداري دون المستهدف العلمي..و علي الرغم من أن جميعنا يعلم ما شاب وسيظل في أعمال اللجان من عوار بحكم العديد من الأسباب الشخصية والبيروقراطية, فإن المجلس لم يكلف خاطره للنظر في الأمر برمته من الألف إلي الياء في ثورة حقيقية لمفهوم الترقي العلمي بعيدا عن مخلفات الماضي واللجان ذات الصفة الدائمة, لا سيما وأن اي منصف يعلم تماما أن اسلوب الترقي العلمي يسير في إتجاه معاكس للرقي الأكاديمي.. والمعني هنا للأسف سنضطر نثقل به بطن الشاعر!! الذي لم يعد يشدو بأي عذوبة بعدما أثقلت كاهله مقتضيات الترقي..و كنا قد طالبنا المجلس الأعلي أو تمنينا عليه بالأحري في وقفتنا بمقال الأسبوع الماضي أن يخرج علينا بدراسة تشير إلي مدي إيجابية أسلوب الترقي القديم ومدي ما حققه أصحابه من تقييم كيفي لجامعاتهم, في ضوء الأصالة البحثية وقيمتها المضافة في شتي المجالات.. ولكن الأمر كان بمثابة صرخة في البرية لا رجع للصدي فيها حيث الإستغراق في الشروط وتوابعها بحكم كونها إنجازا في نظر أصحابها. والواقع ففكر الثورة في عملية التقييم الذي نعنيه يتجاوز الشخوص ومراتبها( الكاردينالية) إلي مفهوم أكثر شمولا وموضوعية يرتبط بمدي التقدم العالمي في كل تخصص وآليات إرتباط الباحث به, من خلال المؤتمرات واللجان والتواصل الإلكتروني وإنعكاس ذلك علي أبحاثه فكرا وعرضا. بعيدا عن( عنكبوتية) التناول التي لا يستشعرها الكثيرون بحكم تباين المستويات وضعف إتقان اللغات الأجنبية, فضلا عن التغييب القسري للكثيرين عن الآفاق الخارجية بحكم موروثات الإشراف والتبعية الشخصية التي قضت علي الشخصية الأكاديمية للكثيرين مهما أشرفوا أو ناقشوا من رسائل.. لأن جميعنا يعرف من الأساس كيف تتم سبل الإشراف ولجان المناقشات والتحكيم في النشر العلمي الداخلي وغيرها من المفردات التي تشكل عناصر منظومة متكاملة, قد تفضي للترقي للدرجة العلمية ولكنها أبدا لا ترقي بمستوي العلمية الأكاديمية.. إذ البون سيظل بينهما شاسعا ما دمنا لا نزال نفكر بعقلية لجان( ما قبل التاريخ) أو بالأحري( الخروج من التاريخ). إن التفكير الجاد نحو إعادة النظر في العملية برمتها مهما كلفتنا من وقت وجهد, مع إستحضار تجارب الجامعات المتقدمة في هذا الشأن ليستحق منا أكثر من وقفة كي نكون أو لا نكون.. بمعني أن يظل الأمر علي نتاجه البيروقراطي أو أن يحقق الرقي الأكاديمي الذي يجعل من الترقية العلمية إستحقاقا حقيقيا بدلا من كونه قائمة دورية تضمن الترقي إما آجلا أو عاجلا لمن لم يصبه الدور في المرة الأولي.. ولنا في إستلهام الإحصائيات غناء وافيا.. علي أمل أن نكمل الحديث في لاحق المقالات... (إشراقات السعدي88): من فرط الإغراق في العلمية لدي المسئولين!!.. فقد وجدوا أنه كما نحارب فيروس المرض بمصل منه, فلنحارب فيروس الفساد بالمفسدين.!!! أستاذ الحضارة المصرية القديمة كلية الآداب جامعة الإسكندرية