أزمنة من العمر تتدفق مسرعة. وكأنها في سباق. ترتجف ضلوعي خوفا أم لهفة؟ كنت أقف علي أرصفة العمر. أنتظر الزهور اليانعة وهي تدنو مني. تداعبني في رفق. مللت, أعلم ذات يوم إنها تلسع جسدي بلا رحمة ولا شفقة ولا حياء. كلمات وهمهمات يرددونها خلفي صباحا ومساء في هذا الدرب الضيق الذي ضقت منه وضاق مني. أسأل نفسي. أنا لست أنا؟ أعبر الأرصفة والشوارع والأزقة أخفي ما وراء مقلتي الباكيتين الحائرتين. أحاصر الحياة بل تحاصرني هي بأنينها وآناتها أحاول أن أعبر مرة ثانية. لكن لا أجد من يشدني إلي الأمام التي كنت أقوم ببنائها لبنة, لبنة. كم عانيت من ذلك؟! وأنا أختلس الأنفاس. كانت أحيانا تضيق علي فؤادي بالراحة. وأحيانا تفيض بالكرم لكنني أخافه لأنه سرعان ما يختفي. لا أدري أين يذهب. وشوشات بجواري تخيفني. أعلم إنها بالفعل إنهم يتحدثون كثيرا, وهمهمات من خلفي أجد في كلماتهم سيوفا تلسع جسدي, صممت آذاني. لن أصغي إليهم. أحاول أن أعبر الدرب الضيق المخيف, تنهدات حارقة تخرج من أعماقي الملتهبة بل المشتعلة. أسير دون أن التفت يمينا أو يسارا. ما جدوي التفاتي إليهم. والناس هنا متشابهون في الطبائع, وفي كل الأمور خطوة, خطوة. مسرعة ألهث وراء الحياة لا أدري أهي حياة أم شبيهة بالحياة؟ ماذا أنتظر؟ نعم إنه الأمل الذي يراودني أحيانا. يشع طريقي إلي.. ولكن سرعان ما يختفي ولا أدري لماذا؟ وإلي أين يذهب. وكأنه يموت دون مقدمات. ألملم قصاصات من عمري, تزأر أيامه الحالية تغلو تنهدات القلب الحائر. خطواتي ثقيلة باكية من الآلام المكبوتة. مازلت أبحث عن أنفاس هادئة. كي أغمض عيني الحائرتين تراودني أحلام كثيرة لا معني لها أم أعرف لماذا تحيط بي من كل جانب؟ لم أعلن صراحة ما آراه من داخلي. لكن في الحقيقة هو صدي لما يختلج عما بداخلي من مرارات. طعمها سام. أصمت أمام كلمات غامضة. مخيفة. مفزعة تحوم من حولي كثيرا, ماذا غير الصمت وسط عالم لا يعرف غير الكذب. أصعد علي درجات السلم. أمكث أمامه طويلا, أسمعه. في البداية كنت أحسبه صادقا غير مزيف مثلهم. تفوق في أن يرسم دور التقي الذي يحاول أن ينأي عن البشر الذين يغرقون في ملذات الحياة. الغريب أنه استطاع أن يقنعني بأقاويله الكاذبة. ما كنت أحسب أنه سراب يتحدث عن العمل وحبه للعمل, وهو لا يعرف شيئا عما يتحدث عنه. كانت ضحكات رفيقه تحيرني. عندما يتحدث معي. كأنه يوقظني من سباتي أو من غياب عقلي. مازال يضحك في مكتبه. داهمتني التساؤلات عن ضحكاته هذه المرة. راح يردد في غيظ مني ومنه. أردت أن أصفعك بالحقيقة. وها أنذا أقدمه لك بصورة واقعية. الكل يرونه مثلي لماذا أنت غيرهم؟ لم أعد أتحمل ما يردده. لقد فاز بتفوق في رسم شخصيته أمامي. ولكن في تلك اللحظة صدقت رفيقه الذي قدم لي النصيحة بيضاء بلا زيف. كادت تنطق بلا زيف الأمنيات أمام الأقاويل والأحاديث بل تموت الآمال.. لحظة بلحظة. أصبحت لا معني لها, أحسست بأنني أود البكاء. لكن البكاء اختنق في عيني ضعف صوتي. زادت تأوهات قلبي. كنت أحسب الحياة حلوة لكنها خادعة. ارتميت علي فراشي ساعات صامتة. أحدق في الجدار. لكن الجدار صامت ماتت بداخله كل الآمال الحلوة مثلي!. اختلطت كل الأشياء الباهتة والزاهية, البيضاء والسوداء. صارت كلها.. بلا لون.