تدفع الصحافة القومية ومازالت ثمنا فادحا في الصراع الدائر منذ فترة بين عدة جبهات, تسعي كل منها لفرض سطوتها علي مستقبل الصحافة القومية, عبر مشروعات قوانين تصر كل جبهة علي فرضها علي المؤسسات الصحفية القومية, وفق تفسيرات وحجج, تتذرع أحيانا بحرية الصحافة, وأحيانا بتوافق الجماعة الصحفية, وهي حجج واهية وبعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع الأليم الذي تعيشه الصحافة القومية. لن أتطرق إلي مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام, أو مشروعات القوانين التي خرجت بها اللجنة التي تشكلت خلال تولي المهندس إبراهيم محلب مسئولية رئاسة مجلس الوزراء, وإنما ما أود أن أشير إليه أن التصدي لإنجاز القوانين المكملة للدستور, فيما يتعلق بإنشاء المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام, كان يجب أن يبدأ فور بدء العمل بالدستور, بعد أن وافق عليه الشعب في استفتاء يناير2014, إلا أن ذلك لم يحدث, وترك هذا الملف دون الاقتراب منه, وبقي الوضع كما هو, تحكمه قوانين مؤقتة فرضتها المرحلة الانتقالية بعد ثورة30 يونيو. لم يشأ أحد أن يبادر وينظر إلي المستقبل ومتطلباته القانونية, التي ستنهي أوضاعا مؤقتة لم يكن من المفترض أن تدوم طويلا, حتي نصطدم بمأزق قانوني كالذي حدث في بداية العام الحالي, فيما يتعلق بصلاحيات مجلس أعلي للصحافة جاء بقانون مؤقت في أغسطس2013, وارتبطت مدته بانجاز ثلاثة استحقاقات تتعلق بانتهاء الأوضاع المؤقتة التي تمر بها البلاد, حيث نص القرار بقانون الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور علي: ويمارس المجلس مهامه خلال الفترة الانتقالية الحالية لحين إقرار الدستور الدائم للبلاد وانتخاب مجلس النواب وصدور التشريع اللازم في شأن تنظيم الصحافة. والآن, وبعد أن أصبح لدينا دستور دائم, ومجلس للنواب, لا ينقصنا سوي صدور التشريع اللازم الذي ينهي عمل المجلس الأعلي المؤقت للصحافة, ويعيد الاستقرار للمؤسسات الصحفية القومية, إلا أن هذا الهدف يبدو بعيد المنال في ظل إصرار واضح علي إقحام التشريع الخاص بالهيئة الوطنية للصحافة, التي ستقوم علي إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتطويرها, وتنمية أصولها, وضمان تحديثها واستقلالها, وحيادها, والتزامها بأداء مهني, وإداري, واقتصادي رشيد كما نصت المادة212 من الدستور, في مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام الذي أعدته لجنة الخمسين التي تشكلت من خلال المجلس الأعلي للصحافة ونقابة الصحفيين. وإذا كنا نقدر جهود هذه اللجنة التي تجتمع تحت اسم اللجنة الوطنية لإعداد تشريعات الصحافة والإعلام إلا أننا من حقنا أن نتساءل عما تستند إليه حين تصر علي فرض تشريع يختص بإدارة مؤسسات صحفية مملوكة للدولة كما نص الدستور فهذا ليس دور نقابة الصحفيين, ولا مجلس أعلي للصحافة, جاء بمهمة محددة في مرحلة انتقالية, كما أننا نتساءل أيضا, هل يمكن أن تفرض هذه اللجنة تشريعا يتعلق بإدارة المؤسسات الصحفية الخاصة والحزبية ينتقص من سلطات أصحاب رأس المال؟! في كل الأحوال تبقي جهود اللجنة الوطنية محمودة فيما يتعلق بالسعي لضمان حرية الصحافة والإعلام وتفعيل مواد الدستور70 و71 و.72 خلاصة القول, أننا إذا كنا أضعنا وقتا ما كان ينبغي أن يضيع, إلا أن علاج الأوضاع المختلة في الصحافة القومية يمكن أن يتحقق إذا ما اضطلع مجلس النواب بمسئوليته تجاه هذا الملف, وأدرك أن مكانه علي رأس الأولويات التي لا تحتمل التأجيل, وحينها كل من ليس له صلة بهذا الملف سيجد نفسه مضطرا لرفع يده ليترك الأمر لأصحاب الحق الأصيل. [email protected]