قصة تجديد الفكر الديني من أهم الموضوعات إن لم يكن أهمها في أيامناطرحا علي الساحة وشغلا للرأي العام, فمازالت تحوم المسائل المتعلقة في فلك من المعاني الإجمالية والعموميات المطلقة التي تحتاج إلي الأمثلة التطبيقية التي تعين علي فهم الدين فهما جيدا. طرحنا هذه القضية علي الدكتور أسامة الحديدي إمام وخطيب مسجد الحسين رضي الله عنه,فكانت هذه محصلة اللقاء أيهما أصح تجديد الخطاب الديني أم تجديد الفكر الديني ؟ لا أقول تجديد الخطاب الديني لأنه الكتاب والسنة وإنما أقول تجديد الفهم للنص الديني بما يتلاءم مع الواقع. لماذا ؟ لأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان وقادر علي معالجة المشكلات المختلفة من حولنا غير أننا حبسنا أنفسنا داخل بوتقة خالطنا فيها من سبقنا علي الرغم من أن العلماء السابقين رضي الله عنهم اجتهدوا اجتهادا يخدم زمانهم دينا ودنيا. لنذكر مثالا حتي يتضح المعني ؟ نجد أن سيدنا الإمام الشافعي جدد في مذهبه لما جاء إلي مصر بما يتماشي مع الأحوال العامة للعباد والبلاد وبما لا يتعارض مع كتاب الله ولا سنة رسول الله لأننا ننطلق من أصل واحد وهو:( القرآن منشئ والسنة مبينة). علي أي أساس تنطلق فكرة التجديد ؟ تنطلق فكرة التجديد من قاعدة أساسية وهي أن الإسلام رسالة رب العالمين إلي الناس كافة, وهذا العموم يشمل الزمان والمكان, فالاسلام هو الرسالة الخاتمة للرسالات ولا وحي بعد محمد صلي الله عليه وسلم, فمن لوازم خاتمية الرسالة أن تنسجم طريقة فهمها والتدين بها مع الأوضاع العالمية المتغيرة والمتجددة في كل يوم. هل من المعقول الوقوف عند ما قاله الأقدمون؟ بالتأكيد ليس من المعقول الوقوف عند ما قاله الأقدمون أو ماقاله السلف بحرفيته في كل المسائل التي خاضوها وتكلموا فيها انطلاقا من خلفيتهم في البيئة والثقافة والزمان والمكان, هم اجتهدوا وخدموا زمانهم و تفسيرهم وتطبيقهم أو تنزيلهم للنصوص علي واقعهم هو فهم وعمل انساني والوحي أو النص باطلاقه ومضمونه خالد معصوم. هناك من يفصل بين الدين والدنيا بدعوي عدم وجود حل لبعض المشكلات الجديدة في الإسلام, فما تعليقك؟ عدم وجود حل لبعض المشكلات الجديدة أو عدم وجود أي طرح لهذه المشكلات أصلا لا يعني أن ومعان الإسلام لا شأن له بهذه المشكلات ولا يعني المسلمين الخوض فيها والوقوف علي وجه المصلحة والعدل فيها, ولكن هذا يعني أن هناك واجبا لم يقم به أحد بعد أو لم يجتهد أحد لاستخراج ما يتلاءم من الفهم الصحيح لحل إشكاليات الواقع ويبدأ الخلاف عادة من تحديد من يقوم بهذا الدور, فالدين يعترفون بضرورة التجديد لمواجهة الأوضاع الجديدة المتيرة يتساءلون: أين المجدد؟ فالمجدد كما يرون له شروط ومواصفات وإحاطة بعلوم الآلة من عربية ومعان ونحو وبلاة وأصول وحديث و..., إلي آخر هذه القائمة الطويلة. فلعدم وجود من يوثق بإحاطته بهذه العلوم جميعا ويعترف له من الجميع بهذه الإحاطة يقولون إن الأمر ملق, ليس لأننا نحن الذين أغلقناه ولكن لعدم وجود المؤهل للقيام بهذه الوظيفة وقد يكون هذا غير صحيح, وهو كذلك وهنا يجب أن نوضح أن هذه النقطة ليست محل خلاف. وهل التجديد من وجهة نظرك استنباط أحكام؟ التجديد الذي ندعو إليه هو تجديد لا يتعلق باستنباط الأحكام من النصوص ولكنه يتعلق بتنزيل الأحكام, فاستيعاب الأحكام الشرعية الثابتة في القرآن والسنة وما ذهب إليه الأئمة يعتبر مرحلة أولي ومقدمة ونضيف إلي هذا أن فهم الواقع وعناصر هذا الواقع لتنزيل الحكم الشرعي عليه هو الأمر الذي لم يقم به الناس بعد. بالدليل يتضح البيان فما دليلك؟ نقل ابن القيم عند شرح رسالة عمر بن الخطاب في القضاء إلي أبي موسي الأشعري والتي قال فيها: الفهم الفهم فيما أدلي إليك فإنه لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له, قال: ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوي والحكم إلا بنوعين من الفهم: أحدهما فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والامارات والعلامات حتي يحيط به علما. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع, وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو علي لسان رسوله في هذا الواقع, ثم يطبق أحدهما علي الآخر. وما الواجب علينا فعله؟ واجب علينا أن نعيد النظر في بعض الأحكام وعللها وهل بقيت تلك العلل أم زالت, وعلي سبيل المثال الحكم باتحاد المجلس في عقد الزواج في هذا العصر ومع وجود وسائل الاتصال الحديثة من خلال الإنترنت ويره يستطيع الولي والشهود أن يشاهدوا ويخاطبوا المتزوج أو أن يشاهد المتزوج الولي والشهود من خلال هذه التقنيات الحديثة فإذا انتفي التغرير والخداع فإن اتحاد المجلس حكم يقتضي تجديدا لزوال علته, لذا ففهم الواقع هو شرط أساسي لتنزيل الحكم الشرعي( الذي هو الواجب في( الواقع) وما نصيحتك؟ لقد اعتدنا أن نفهم الأحكام الشرعية مجردة عن الواقع, وندعي مناسبتها لأي واقع دون فهم هذا الواقع وعناصره ومقدماته وسياقه وقراءته, فما ندعو إليه هو فهم للواقع والصلة الحقيقية بالأمة وأحوالها وما يجري فيها من توجهات وأعراف وميول ونوازع, ثم محاولة فهم للواجب في الواقع من خلال الأحكام الشرعية الثابتة, فالجهد المطلوب في كثير من القضايا لا يتعلق باستنباط حكم جديد, وإنما يتعلق باستنباط ما يصلح لهذا الواقع من الأحكام الشرعية الثابتة, وكلام سيدنا عمر في آخر الفقرة التي أشرنا إليها يقول: الفهم فيما أدلي إليك فإنه لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له. تلك هي المشكلة التي نعانيها مع صياغة الفكر الإسلامي أو الفقه الإسلامي حيث يتكلم فيما يجب لا فيما يمكن مما لا نفاذ له. فكلام بشريعة لا علاقة لها بفهم الواقع كلام في فراغ