لا بد أن نعترف بأن حلم الديمقراطية وتحرر المصري من الظلم والاستبداد وغياب العدالة الاجتماعية وتداول السلطة كان الدافع لخروج الناس الي الشوارع في25 يناير2011 شاء من شاء وأبي من أبي.. ملايين من المصريين خرجوا للتعبير عن شغفهم بالحرية.. قدموا نموذجا فريدا في التعبير عن الرأي في مواجهة سلطة لم تقرأ الواقع جيدا.. سلطة آثرت تجاهل مطالب المصريين وادعت أن المؤامرة هي الدافع الاساسي لخروج المصريين منذ5 سنوات. من يتذكر الوقائع جيدا يعرف أن مطالب المصريين لم يكن من بينها إسقاط النظام أو تغييره وإنما كانوا يريدون إصلاحا اجتماعيا واقتصاديا.. ومع العناد والغباء في قراءة تطورات الواقع السياسي انتقلت المطالب بالإصلاح إلي المطالبة بتغيير الرئيس وإسقاط النظام بعد ذلك. لم يقدم أحد حتي اليوم تقويما حقيقيا لما حدث في ذلك اليوم رغم توافر شهادات من شاهدوا ومن شاركوا ومن تظاهروا ومن تفاوضوا مع الدولة بعد ذلك.. ضاعت لجنة تأريخ الثورة ودفنت أوراقها.. لم يظهر الي النور حتي اليوم عمل موسوعي ضخم يشارك فيه أساتذة وباحثون في علم الأجتماع السياسي والعلوم السياسية والعلاقات الدولية وخبراء في الإعلام والنظم السياسية. كنت أتخيل خلال تجوالي في الايام ال18 الأولي للثورة أن هناك من يدقق ويتابع ويسجل ويصور الحركات السياسية وانتاج مرحلة الثورة من الأدب والموسيقي والشعر وتفاعلات الجماهير. ساعتها تذكرت ما درسه لنا الدكاترة حامد ربيع عن العنف الجماعي والذعر الجماعي وغيرها من النظريات التي تفسر تحركات الجماهير بشكل جمعي.. تلك مرحلة مهمة من تاريخ مصر والمصريين رغم سيطرة مفهوم المؤامرة علي الاعلام المصري بهدف إعادة فرض مصالح وقوي ما قبل25 يناير.. هم لا يدركون استحالة إعادة عجلة التاريخ إلي الوراء.. استحالة فرض علاقات القوي التي كانت سائدة قبل25 يناير من خلال بعض رجال الأعمال علي مصر والمصريين حتي لو تمكن هؤلاء من الاستمرار لاعتبارات لها علاقة بسلمية المصريين وسلمية الثورة المصرية.. لن يعود ذلك النفوذ الطاغي لكبار رجال الاعمال وجماعة الإخوان والسلفيين.. مصر عادت مرة أخري إلي نقطة الثبات وهذه لها علاقة برسوخ قوة مؤسسات الدولة التي تمكنت في زمن قياسي من إعادة ثقة الناس في جهاز الشرطة الذي استهدفته جماعة الإخوان.. أما ثقة الناس بالجيش فظلت كما كانت ثقة كبيرة ايمانا بقدرة الجيش علي الدفاع عن حدود مصر وأمنها. حلم الديمقراطية لم يتحقق بعد رغم استكمال المؤسسات الدستورية.. الديمقراطية لا تعني استكمال الشكل بقدر ما تعني ترسيخ فكرة تداول السلطة والشفافية والمحاسبية علي الجميع.. الديمقراطية تعني منح الفرص المتكافئة للجميع في المناصب العامة بغض النظر عن الانتماء العائلي والاجتماعي.. الديمقراطية تعني أن ابن البواب من حقه أن يكون وزيرا للخارجية متي توافرت الشروط الموضوعية لديه.. الديمقراطية تعني حل مشكلات الناس وإتاحة الفرصة لهم في تعليم راق للجميع ورعاية صحية وتأمين اجتماعي واقتصاد ينمو باستمرار يتيح فرص عمل للجميع. الديمقراطية تعني إتاحة الفرصة للأحزاب في العمل السياسي.. تعني انخراط الشباب في الحياة السياسية بحيث يمكن تعيين وزير في عمر27 عاما كما فعلت النمسا وتعيين رئيس حكومة يتسم بالكفاءة في سن الأربعين. الديمقراطية تعني ضرورة إنهاء التنافس غير الحقيقي بين25 يناير و30 يونيو. الديمقراطية تعني أن يعمل الجميع بكفاءة من أجل نهضة هذا الوطن. المجد للوطن باعث النور علي الأرض حين كانت الظلمات تسود أركانه الأربعة.