أخطر ما تواجهه الثورة المصرية في المرحلة الراهنة هو مناخ الشك وعدم اليقين الذي يسيطر علي مختلف أوجه الحياة. خطورة هذا المناخ لا تكمن فقط في عرقلة الثورة ومنعها من تحقيق أهدافها التي التف حولها غالبية المصريين بل أيضا في امكانية اجهاض كل محاولات الاصلاح والانطلاق نحو المستقبل. والكارثة التي تتعرض لها مصر اذا استمرت هذه الحالة هي انها ستتيح فرصة ذهبية للجماعات والتيارات الدينية لكي تستولي وحدها علي ميراث الثورة وتقفز علي السلطة بكل ما يعنيه ذلك من تعقيدات محلية وإقليمية ودولية. وربما يفسر ذلك لغز الإضطرابات الغامضة وعدم الإستقرار المشبوه الذي يسيطر علي الساحة المصرية الآن والذي استراح البعض الي إلقاء مسئوليته علي كيانات غير محددة توصف بالفلول أو البلطجية أو قوي الثورة المضادة !! والحقيقة التي لا جدال فيها أن مصر تشهد في المرحلة الراهنة حالة من التنافس السياسي غير المسبوق والذي يدفع العديد من أطرافه الي الصدام والتخريب والعمل ضد أمن الوطن إذا كان ذلك هو السبيل الي السلطة.. ومايتعين لفت الأنظار اليه هو إتفاق الجميع، داخل وخارج مصر، علي أن أزمة ما بعد الثورة ليست بالتأكيد مجرد أزمة إقتصادية وذلك لسبب بسيط هو أن الإقتصاد يكون غالبا أحد ضحايا الثورات التي تندلع من أجل الديموقراطية ولكنه سرعان ما يقوي ويستعيد عافيته اذا نجح الثوارفي الفوز بثقة مواطنيهم والمجتمع الدولي. هذا بالتحديد هو ما تفتقده مصر الآن.. نصف كل شيء يشك في النصف الآخر.. الثقة شبه معدومة بين الجميع وحتي الفاصل بين الخطأ والصواب لم يعد له وجود وأصبح المعيارالوحيد للحقيقة هو قوة العضلات ومدي إرتفاع نبرات الصوت وبراعة التزييف والخداع. والنتيجة المباشرة لهذا الوضع ان كل من بهرتهم ثورة 25 يناير، داخل وخارج مصر، بدأوا يعيدون النظر في رؤيتهم لهذه الثورة ويشكون في امكانية نجاحها في تحقيق اهدافها الرائعة!! والاغرب من كل ذلك ان الثورية في مصر الآن باتت تعني الشك في كل شئ.. وكلما تزايدت شكوكك في من حولك كلما اقتربت اكثر من صفوف الثوار والمناضلين.. في هذا الاطار، أصبحت اصابع الاتهام تشير الي كل الاتجاهات.. حكومة الثورة ووسائل الاعلام والاحزاب والقوي السياسية وحتي القيادات العسكرية التي اعترف الجميع بالدور الحاسم الذي لعبته في حماية الثورة. نعم , تجاوزت الأمور كل ما هو معقول ومنطقي خاصة عندما إعتلي الشياطين منابر الوعظ والإرشاد وأصبح الفاشيون ودعاة القمع هم أشد الناس دفاعا عن الحرية وتحول الراقصون في بلاط الدكتاتورية الي كهنة المحراب في معبد الديموقراطية.. إنها قمة العبث وذروة الكوميديا السوداء التي يستغلها البعض في تشتيت انتباه المصريين وسرقة كل ما حققوه من منجزات علي طريق الحرية والعدالة والديمقراطية.