في الوقت الذي كشف فيه الجهاز المركزي للمحاسبات عن أن حجم الفساد في مصر بلغ في عام2015 نحو600 مليار جنيه, كشف خبراء أن الرقابة المالية في مصر تحتاج الي إعادة نظر لحماية المال العام, وأن ملاحظات الجهاز المركزي لا يتم تنفيذها مما يتطلب العمل علي ضرورة ايجاد تعديلات تشريعية تمنح الجهاز المركزي للمحاسبات سلطة تنفيذ هذه الملاحظات بما يحافظ علي المال العام. جاء ذلك في ختام ورشة العمل والبرنامج التدريبي حول اصلاح منظومة ادارة المالية العامة التي نظمها المجلس الوطني المصري للتنافسية مساء أمس بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وشارك فيهاعدد من البرلمانيين والممثلين عن الاحزاب المصرية وقيادات وزارتي المالية والتخطيط والجهاز المركزي للمحاسبات وإعلاميون. وأكدت الدكتورة اسماء عزت مدرس المالية العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ضرورة الاهتمام بمبادئ الشفافية والمشاركة المجتمعية والمساءلة في جميع مراحل اعداد وتنفيذ الموازنة العامة للدولة لتعزيز المشاركة الشعبية في الشأن العام وهو ما يتطلب تعديل قانون انشاء الجهاز المركزي للمحاسبات بما يسمح بنشر تقاريره علي الرأي العام والخبراء والباحثين بمجال السياسات المالية. وقالت إن ارساء نظام رقابي فعال علي العمليات المالية الحكومية يتطلب الاهتمام بشفافية الموازنة العامة وضمان مشاركة واسعة لشرائح المجتمع في اعدادها وتعزيز سلطات الإشراف والرقابة من قبل المؤسسات الحكومية, مؤكدة ان غياب أي عنصر من هذه العناصر يؤدي لضعف النظام بالكامل. وحول النظام المصري قالت ان المتابع لملاحظات جهاز المحاسبات عن اداء الوزارات والهيئات العامة يجد ان نسبة كبيرة من هذه الملاحظات تتكرر سنويا دون اي تعديل وهو ما يتطلب اجراء دراسة تحليلية لأسباب عدم تلافي هذه الملاحظات وهل يتطلب الوضع تعديلا تشريعيا لمنح الجهاز سلطة الزام الجهات العامة بتنفيذ ملاحظاته. وأضافت ان التجارب الدولية حددت مجموعة من الوثائق التي يجب ان تتاح للرأي العام لتعزيز الشفافية والمسائلة, وهي تشمل وثائق الموازنة العامة وتقارير تنفيذ الموازنة والحسابات الختامية لتنفيذ الموازنة وتقارير التدقيق المالي الخارجي وذلك خلال6 اشهر من تاريخ انتهاء عمليات التدقيق وأيضا العقود الحكومية التي تتجاوز قيمتها100 الف دولار للعقد الواحد ومخصصات وحدات الخدمات الاساسية من تعليم وصحة وبرامج اجتماعية. وأكدت الدكتورة اسراء عادل الحسيني المدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أهمية أن تراعي الموازنة العامة للسنوات المقبلة اعداد اطار مالي متوسط الاجل لوضع مخصصات مالية لقطاعي التعليم والصحة لمدة3 سنوات متتالية علي الاقل بما يضمن الارتقاء بخدمات القطاعين بصورة حقيقية. وقالت إن هذه الموازنات القطاعية متوسطة الاجل هي خطوة ضرورية للتحول الي موازنات البرامج والأداء التي تستهدف الدولة تطبيقها بدلا من النظام الحالي المعتمد علي موازنة بنود لا ترتبط بتحقيق اهداف محددة,, مشيرة إلي أن هذا التحول يحتاج ايضا لتعديلات تشريعية وتغيير اللوائح والاجراءات الادارية إلي جانب تدريب العاملين بالهيئات الموازنية علي النظام الجديد. واضافت د.اسراء عادل ان القانون المصري يفرض ضوابط لعمليات نقل مخصصات مالية من بند لاخر بذات الباب بالموازنة تتمثل في موافقة وزارة المالية اولا علي عمليات المناقلة والا تتجاوز القيمة10% من مخصصات الباب أو1% من اجمالي الاستخدامات بالموازنة ايهما اقل كما لا يسمح بنقل مخصصات من باب لأخر الا بموافقة السلطة التشريعية. وردا علي هذه الضوابط التي تضعف درجة مرونة الموازنة وتعاملها مع المتغيرات الاقتصادية خلال العام, كشف ممثلي وزارة المالية عن قيام قطاع التمويل بوزارة المالية منذ عام2011 وحتي الآن بالتنسيق مع الجهات العامة التي لديها فائض مالي بحيث يتم رده الي احتياطي عام الموازنة قبل نهاية العام المالي ثم يقوم قطاع التمويل باعادة توجيه هذه المبالغ مرة أخري للجهات العامة التي تحتاج لزيادة مخصصاتها بما يضمن رفع كفاءة استخدام الموارد العامة. وردا علي ما أثارته ابتسام أبو رحاب عضو مجلس النواب من امكانية استخدام أكثر من نوع من أنواع الموازنة العامة اشارت د.اسراء عادل إلي امكانية استخدام الموازنة الصفرية والتي يتم اعدادها لفترة قد تصل إلي3 سنوات الي جانب موازنة سنوية بطريقة البنود وهوما يتغلب علي مشكلات الموازنة السنوية خاصة افتقادها لرؤية طويلة الأمد نسبيا للأهداف التي تسعي لتحقيقها. من جانبها أكدت الدكتورة ياسمين محيي الدين أستاذ الإدارة المالية الحكومية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ضرورة تطوير منظومة الرقابة المالية وعمليات التدقيق المالي الداخلي والخارجي من خلال تطبيق المعايير الصادرة عن المنظمة الدولية للمؤسسات العليا والمراقبة المالية لأهداف عمليات الرقابة وهي التأكد من ممارسة عمليات منظمة وأخلاقية قائمة علي مبادئ الاقتصاد والكفاءة والفعالية وتنفيذ متطلبات المساءلة والالتزام بالقوانين واللوائح المتعلقة بجمع وصرف المال العام خاصة قوانين مكافحة الفساد والحفاظ علي الموارد العامة من الإهدار وسوء الاستخدام والتلف نتيجة الاهمال أو سوء الادارة أو وجود مخالفات وتزوير. وقالت ان الاتجاهات الحديثة للرقابة تضع مهاما محددة للرقابة تشمل التصرف في الموارد العامة والسجلات الحكومية ومراجعة اجراءات منح واصدار التراخيص علي ان تتأكد من وجود فصل في المهام الوظيفية للقائمين بمنح التراخيصعن القائمين بتنفيذ المعاملات المالية عن القائمين باعداد التقارير وعمليات المراجعة, الي جانب مراجعة نتائج التحقيقات المتعلقة بمخالفات قد تكون حدثت في بعض الجهات العامة وايضا الرقابة علي تسوية المخالفات والنزاعات ومراجعة الاداء التشغيلي للعاملين والموظفين. وأضافت انه في كل هذه الانشطة فان المراقب المالي يمكنه ان يلعب دورا اصلاحيا لعلاج الخلل في الوضع القائم او التركيز علي استيضاح الحقيقة وراء المخالفة, مشيرة الي ان تكنولوجيا المعلومات يمكن استخدامها لتعزيز نطاق الرقابة والتأكد من جودة الخدمات الحكومية. وحول العوائق التي قد تحد من كفاءة عمليات المراقبة المالية للأنشطة الحكومية المختلفة اوضحت د.ياسمين محيي الدين انها تتمثل في عدم استقرار البرامج والسياسات الحكومية والتي قد تفرض اعادة تصميم للبرامج الرقابية, إلي جانب ضعف تدريب العنصر البشري القائم بالرقابة وايضا نقص الموارد المالية المخصصة لمنظومة الرقابة المالية وعدم تماشيها مع المخاطر التي تتعرض لها الجهات الحكومية والتغييرات التنظيمية بالجهات الرقابية نفسها أو تغيير سياستها. وحول النظم الرقابية التي تستخدم بدول العالم المتقدم اشارت إلي وجود3 نماذج الاول النموذج البرلماني ويطبق بالمملكة المتحدة وإيرلندا وبيرو وتشيلي وتنصرف عمليات الرقابة إلي التدقيق المالي لعمليات الانفاق والإيرادات العامة والثاني نموذج قضائي ويطبق بالدول الفرانكوفونية والبرازيل وكولومبيا وتنصرف عمليات الرقابة من خلاله إلي التدقيق القضائي للتأكد من عدم وجود أية مخالفات قانونية والثالث نموذج انشاء مجلس وطني ويطبق في ألمانيا وهولندا واليابان وإندونيسيا ومهمة الرقابة من خلاله متغيرة لتشمل التدقيق المالي والتحقق القانوني.